قصة يوسف عليه السلام
قصص الأنبياء ابن كثير
قصة
يوسف عليه السلام
[قصة
يوسف عليه السلام]
ذكر
ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل عليه السلام، فمن ذلك قصة يوسف ابن
راحيل
وقد
أنزل الله -عز وجل- في شأنه، وما كان من أمره سورة من القرآن العظيم ليتدبر ما
فيها من الحكم والمواعظ والآداب والأمر الحكيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ
قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ
الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ
قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}
[يوسف: ١-٣].
قد تكلمنا على الحروف المقطعة في أول تفسير سورة البقرة فمن أراد
تحقيقه فلينظر ثم، وتكلمنا على هذه السورة مستقصى في موضعها من التفسير، ونحن نذكر
هاهنا نبذا مما هناك على وجه الإيجاز، والنجاز.
وجملة القول في هذا المقام: أنه تعالى، يمدح كتابه العظيم الذي أنزله
على عبده ورسوله الكريم بلسان عربي فصيح بين واضح جلي، يفهمه كل عاقل ذكي زكي فهو
أشرف كتاب نزل من السماء، أنزله أشرف الملائكة على أشرف الخلق في أشرف زمان ومكان
بأفصح لغة وأظهر بيان، فإن كان السياق في الأخبار الماضية أو الآتية ذكر أحسنها
وأبينها، وأظهر الحق مما اختلف الناس فيه، ودمغ الباطل وزيفه ورده، وإن كان في
الأوامر والنواهي فأعدل الشرائع وأوضح المناهج، وأبين حكما وأعدل حكما، فهو كما
قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ
رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}
[الأنعام: ١١٥] يعني: صدقا في الأخبار، عدلا في الأوامر والنواهي؛ ولهذا قال
تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ
كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: ٣] أي: بالنسبة إلى ما أوحي إليك فيه، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ
تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي
بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا
إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: ٥٢-٥٣] يعني: من أعرض عن هذا
القرآن، واتبع غيره من الكتب فإنه يناله هذا الوعيد، كما قال في الحديث المروي في
المسند، والترمذي، عن أمير المؤمنين علي، مرفوعا وموقوفا: «من ابتغى الهدى في غيره
أضله الله».
وقال الإمام أحمد: حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا هشيم، أنبأنا مجالد،
عن الشعبي، عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبي ﷺ بكتاب
أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي ﷺ قال:
فغضب، وقال: «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء
نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي
نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني». إسناد صحيح.
ورواه أحمد من وجه آخر، عن عمرو فيه فقال رسول الله ﷺ: «والذي
نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى، ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم،
وأنا حظكم من النبيين» وقد أوردت طرق هذا الحديث والفاظه في أول سورة يوسف، وفي
بعضها أن رسول الله ﷺ خطب الناس فقال في خطبته: «أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم
وخواتيمه، واختصر لي اختصارا، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا، ولا يغرنكم
المتهوكون» ثم أمر بتلك الصحيفة فمحيت حرفا حرفا.
{إِذْ
قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا
تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ
لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ
تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ
كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ
رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
[يُوسُفَ: ٤-٦].
قد قدمنا أن يعقوب كان له من البنين اثنا عشر ولدا ذكرا، وسميناهم،
وإليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه
السلام، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره وباقي إخوته لم
يوح إليهم، وظاهر ما ذكر من فعالهم، ومقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول، ومن
استدل على نبوتهم بقوله: {قُولُوا
آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} [البقرة: ١٣٦]. وزعم أن هؤلاء هم
الأسباط، فليس استدلاله بقوي؛ لأن المراد بالأسباط شعوب بني إسرائيل، وما كان يوجد
فيهم من الأنبياء الذين ينزل عليهم الوحي من السماء، والله أعلم.
ومما يؤيد أن يوسف عليه السلام، هو المختص من بين إخوته بالرسالة
والنبوة أنه نص على نبوته والإيحاء إليه في غير ما آية في كتابه العزيز، ولم ينص
على واحد من إخوته سواه، فدل على ما ذكرناه. ويستأنس لهذا بما قال الإمام أحمد:
حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن ابن عمر أن
رسول الله ﷺ قال: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن
إسحاق بن إبراهيم» انفرد به البخاري ورواه عن عبد الله بن محمد، وعبدة، عن عبد
الصمد بن عبد الوارث به.
وقد ذكرنا طرقه في قصة إبراهيم بما أغنى عن إعادته هاهنا، ولله الحمد
والمنة.
قال المفسرون، وغيرهم: رأى يوسف عليه السلام، وهو صغير قبل أن يحتلم
كأن أحد عشر كوكبا، وهم إشارة إلى بقية إخوته، والشمس والقمر هما عبارة عن أبويه
قد سجدوا له فهاله ذلك، فلما استيقظ قصها على أبيه فعرف أبوه أنه سينال منزلة
عالية ورفعة عظيمة في الدنيا والآخرة، بحيث يخضع له أبواه وإخوته فيها، فأمره
بكتمانها وأن لا يقصها على إخوته كيلا يحسدوه، ويبغوا له الغوائل ويكيدوه بأنواع
الحيل والمكر، وهذا يدل على ما ذكرناه؛ ولهذا جاء في بعض الآثار. «استعينوا على
قضاء حوائجكم بكتمانها فإن كل ذي نعمة محسود».
وعند أهل الكتاب أنه قصها على أبيه وإخوته معا. وهو غلط منهم.
{وَكَذَلِكَ
يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف: ٦] أي: وكما أراك هذه الرؤيا العظيمة فإذا كتمتها {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف: ٦] أي: يخصك بأنواع
اللطف والرحمة {وَيُعَلِّمُكَ
مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}
[يوسف: ٦] أي: يفهمك من معاني الكلام، وتعبير المنام مالا يفهمه غيرك {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [يوسف: ٦] أي: بالوحي إليك {وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} [يوسف: ٦] أي: بسببك، ويحصل لهم
بك خير الدنيا والآخرة {كَمَا
أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: ٦] أي: ينعم عليك ويحسن
إليك بالنبوة، كما أعطاها أباك يعقوب وجدك إسحاق ووالد جدك إبراهيم الخليل {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: ٦]. كما قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤].
ولهذا قال رسول الله ﷺ لما سئل
أي الناس أكرم؟ قال: «يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله» وقد
روى ابن جرير، وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وأبو يعلى، والبزار في مسنديهما من
حديث الحكم بن ظهير، وقد ضعفه الأئمة، عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر
قال: "أتى النبي ﷺ رجل من اليهود يقال له: بستانة اليهودي. فقال: يا محمد أخبرني عن
الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ما أسماؤها؟ قال: فسكت النبي ﷺ فلم يجبه
بشيء. ونزل جبريل عليه السلام بأسمائها، قال: فبعث إليه رسول الله. فقال: «هل أنت
مؤمن إن أخبرتك بأسمائها». قال: نعم. فقال: «هي جربان، والطارق، والذيال، وذو
الكنفات، وقابس، ووثاب، وعمودان، والفيلق، والمصبح، والصروح، وذو الفرع، والضياء،
والنور». فقال اليهودي: إي والله إنها لاسماؤها.
وعند أبي يعلى، فلما قصها على أبيه، قال: هذا أمر مشتت يجمعه الله،
والشمس أبوه والقمر أمه".
{لَقَدْ كَانَ
فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ
أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ
أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ
لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ
السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [يوسف: ٧-١٠] أي: بتقديمه حبهما
علينا.
ثم اشتوروا فيما بينهم في قتل يوسف أو إبعاده إلى أرض لا يرجع منها
ليخلو لهم وجه أبيه أي: لتتمحض محبته لهم وتتوفر عليهم، وأضمروا التوبة بعد ذلك،
فلما تمالأوا على ذلك وتوافقوا عليه {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ} [يوسف: ١٠] قال مجاهد: هو شمعون،
وقال السدي: هو يهوذا، وقال قتادة، ومحمد بن إسحاق: هو أكبرهم روبيل {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ
يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} [يوسف: ١٠] أي: المارة من
المسافرين {إِنْ كُنْتُمْ
فَاعِلِينَ} [يوسف: ١٠] ما تقولون لا محالة فليكن هذا الذي أقول لكم فهو أقرب حالا من قتله
أو نفيه، وتغريبه فأجمعوا رأيهم على هذا فعند ذلك {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ
وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ
وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ قَالُوا لَئِنْ
أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} [يُوسُفَ: ١١-١٤].
طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، وأظهروا له أنهم يريدون أن
يرعى معهم، وأن يلعب وينبسط، وقد أضمروا له ما الله به عليم، فأجابهم الشيخ عليه
من الله أفضل الصلاة والتسليم: يا بني يشق على أن أفارقه ساعة من النهار، ومع هذا
أخشى أن تشتغلوا في لعبكم، وما أنتم فيه فيأتي الذئب فيأكله، ولا يقدر على دفعه
عنه لصغره وغفلتكم عنه {قَالُوا
لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} [يوسف: ١٤] أي: لئن عدا عليه
الذئب فأكله من بيننا أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا ونحن جماعة {إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} [يوسف: ١٤] أي: عاجزون هالكون.
وعند أهل الكتاب أنه أرسله وراءهم يتبعهم، فضل عن الطريق حتى أرشده
رجل إليهم، وهذا أيضا من غلطهم وخطئهم في التعريب فإن يعقوب عليه السلام، كان أحرص
عليه من أن يبعثه معهم فكيف يبعثه وحده.
{فَلَمَّا
ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا
ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ
وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَجَاءُوا عَلَى
قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يُوسُفَ: ١٥-١٨].
لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم فما كان إلا أن غابوا عن عينيه
فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال، وأجمعوا على إلقائه في غيابة الجب أي:
في قعره على راعوفته، وهي الصخرة التي تكون في وسطه يقف عليها المائح، وهو الذي
ينزل ليملأ الدلاء إذا قل الماء، والذي يرفعها بالحبل يسمى الماتح، فلما ألقوه فيه
أوحى الله إليه أنه لا بد لك من فرج ومخرج من هذه الشدة التي أنت فيها، ولتخبرن
إخوتك بصنيعهم هذا في حال أنت فيها عزيز، وهم محتاجون إليك خائفون منك.
{وَهُمْ
لَا يَشْعُرُونَ} [يوسف: ١٥] قال مجاهد، وقتادة: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [يوسف: ١٥] بإيحاء الله إليه
ذلك. وعن ابن عباس {وَهُمْ
لَا يَشْعُرُونَ} [يوسف: ١٥] أي: لتخبرنهم بأمرهم هذا في حال لا يعرفونك فيها. رواه ابن جرير
عنه، فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه أخذوا قميصه فلطخوه بشيء من دم، ورجعوا إلى أبيهم
عشاء وهم يبكون أي: على أخيهم؛ ولهذا قال بعض السلف: لا يغرنك بكاء المتظلم فرب
ظالم وهو باك. وذكر بكاء إخوة يوسف.
وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون أي: في ظلمة الليل ليكون أمشى لغدرهم لا
لعذرهم {قَالُوا يَا أَبَانَا
إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} [يوسف: ١٧] أي: ثيابنا {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: ١٧] أي: في غيبتنا عنه في
استباقنا. وقولهم: {وَمَا
أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: ١٧] أي: وما أنت بمصدق
لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له، ولو كنا غير متهمين عندك، فكيف وأنت تتهمنا
في هذا؟ فإنك خشيت أن يأكله الذئب، وضمنا لك أن لا يأكله لكثرتنا حوله فصرنا غير
مصدقين عندك، فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا والحالة هذه {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: ١٨] أي: مكذوب مفتعل
لأنهم عمدوا إلى سخلة ذبحوها فأخذوا من دمها فوضعوه على قميصه ليوهموا أنه أكله
الذئب. قالوا: ونسوا أن يخرقوه - "وآفة الكذب النسيان"، ولما ظهرت عليهم
علائم الريبة لم يرج صنيعهم على أبيهم فإنه كان يفهم عداوتهم له، وحسدهم إياه على
محبته له من بينهم أكثر منهم لما كان يتوسم فيه من الجلالة والمهابة التي كانت
عليه في صغره لما يريد الله أن يخصه به من نبوته، ولما راودوه عن أخذه فبمجرد ما
أخذوه أعدموه وغيبوه عن عينيه جاءوا وهم يتباكون وعلى ما تمالأوا عليه يتواطئون.
ولهذا قال: {بَلْ
سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: ١٨].
وعند أهل الكتاب: أن روبيل أشار بوضعه في الجب ليأخذه من حيث لا
يشعرون، ويرده إلى أبيه فغافلوه وباعوه لتلك القافلة، فلما جاء روبيل من آخر
النهار ليخرج يوسف لم يجده فصاح وشق ثيابه وحزن، وعمد أولئك إلى جدي فذبحوه ولطخوا
من دمه جبة يوسف، فلما علم يعقوب شق ثيابه، ولبس مئزرا أسود وحزن على ابنه أياما
كثيرة، وهذه الركاكة جاءت من خطئهم في التعبير والتصوير.
{وَجَاءَتْ
سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا
غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ وَشَرَوْهُ
بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى
أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي
الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى
أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ
آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ١٩-٢٢] أي مسافرون.
قال أهل الكتاب: كانت بضاعتهم من الفستق والصنوبر والبطم، قاصدين
ديار مصر من الشام فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر، فلما أدلى أحدهم دلوه تعلق
فيه يوسف، فلما رآه ذلك الرجل قال: {يَا بُشْرَى} [يوسف: ١٩] أي: يا بشارتي هذا غلام {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} [يوسف: ١٩] أي: أوهموا أن معهم
غلاما من جملة متجرهم {وَاللَّهُ
عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [يوسف: ١٩] أي: هو عالم بما تمالأ عليه إخوته، وبما يسره واجدوه من أنه بضاعة
لهم، ومع هذا لا يغيره تعالى، لما له في ذلك من الحكمة العظيمة والقدر السابق
والرحمة بأرض مصر بما يجري الله على يدي هذا الغلام الذي يدخلها في صورة أسير
رقيق، ثم بعد هذا يملكه أزمة الأمور، وينفعهم الله به في دنياهم وأخراهم بما لا
يحد ولا يوصف.
ولما استشعر إخوة يوسف بأخذ السيارة له لحقوهم، وقالوا: هذا غلامنا
أبق منا فاشتروه منهم بثمن بخس؛ أي: قليل نزر. وقيل: هو الزيف {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: ٢٠]. قال ابن مسعود، وابن
عباس، ونوف البكالي، والسدي، وقتادة، وعطية العوفي: باعوه بعشرين درهما اقتسموها
درهمين درهمين. وقال مجاهد: اثنان وعشرون درهما. وقال عكرمة، ومحمد بن إسحاق:
أربعون درهما. فالله أعلم {وَقَالَ
الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: ٢١] أي: أحسني إليه {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف: ٢١]، وهذا من لطف الله به
ورحمته، وإحسانه إليه بما يريد أن يؤهله له، ويعطيه من خيري الدنيا والآخرة.
قالوا: وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها، وهو الوزير بها الذي
الخزائن مسلمة إليه، قال ابن إسحاق: واسمه أطفير بن روحيب. قال: وكان ملك مصر
يومئذ الريان بن الوليد رجل من العماليق. قال: واسم امرأة العزيز راعيل بنت
رعائيل. وقال غيره: كان اسمها زليخا، والظاهر أنه لقبها. وقيل: فكا بنت ينوس. رواه
الثعلبي، عن أبي هشام الرفاعي. وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن السائب، عن أبي
صالح، عن ابن عباس: كان اسم الذي باعه بمصر يعني: الذي جلبه إليها مالك بن دغر بن
ثويب بن عفقا بن مديان بن إبراهيم. فالله أعلم.
وقال ابن إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال: أفرس الناس ثلاثة؛
عزيز مصر حين قال لامرأته: {أَكْرِمِي
مَثْوَاهُ} [يوسف: ٢١]، والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ
الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: ٢٦]، وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- ثم
قيل: اشتراه العزيز بعشرين دينارا. وقيل: بوزنه مسكا ووزنه حريرا ووزنه ورقا.
فالله أعلم.
وقوله: {وَكَذَلِكَ
مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} [يوسف: ٢١] أي: وكما قيضنا هذا
العزيز، وامرأته يحسنان إليه ويعتنيان به، مكنا له في أرض مصر {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: ٢١] أي: فهمها، وتعبير
الرؤيا من ذلك {وَاللَّهُ
غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: ٢١] أي: إذا أراد شيئا فإنه يقيض له أسبابا، وأمورا لا يهتدي إليها
العباد؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا
وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ٢١-٢٢]. فدل على أن هذا كله
كان، وهو قبل بلوغ الأشد، وهو حد الأربعين الذي يوحي الله فيه إلى عباده النبيين
-عليهم الصلاة والسلام- من رب العالمين.
وقد اختلفوا في مدة العمر الذي هو بلوغ الأشد. فقال مالك، وربيعة،
وزيد بن أسلم، والشعبي: هو الحلم. وقال سعيد بن جبير: ثماني عشرة سنة. وقال
الضحاك: عشرون سنة. وقال عكرمة: خمس وعشرون سنة. وقال السدي: ثلاثون سنة. وقال ابن
عباس، ومجاهد، وقتادة: ثلاث وثلاثون سنة. وقال الحسن: أربعون سنة. ويشهد له قوله
تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ
أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: ١٥].
{وَرَاوَدَتْهُ
الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ
هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا
يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى
بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ
مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ
دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ
مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا
إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ
كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ
إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يُوسُفَ: ٢٣-٢٩].
يذكر تعالى: ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام، عن
نفسه وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه، وهي في غاية الجمال والمال والمنصب
والشباب، وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه؟ وتهيأت له وتصنعت ولبست أحسن ثيابها
وأفخر لباسها، وهي مع هذا كله امرأة الوزير. قال ابن إسحاق: وبنت أخت الملك الريان
بن الوليد صاحب مصر. وهذا كله مع أن يوسف عليه السلام، شاب بديع الجمال والبهاء،
إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء فعصمه ربه عن الفحشاء وحماه من مكر النساء، فهو سيد
السادة النجباء السبعة الأتقياء المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء في قوله
-عليه الصلاة والسلام- من رب الأرض والسماء: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ إمام عادل، ورجل ذكر
الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه،
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا
تعلم شماله ما تنفق يمينه، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب
وجمال، فقال: إني أخاف الله».
والمقصود أنها دعته إليها، وحرصت على ذلك أشد الحرص. فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي} [يوسف: ٢٣] يعني: زوجها صاحب
المنزل سيدي أحسن مثواي أي: أحسن إلى، وأكرم مقامي عنده {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: ٢٣]. وقد تكلمنا على
قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ
وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: ٢٤]. بما فيه كفاية،
ومقنع في التفسير.
وأكثر أقوال المفسرين هاهنا متلقى من كتب أهل الكتاب فالإعراض عنه
أولى بنا، والذي يجب أن يعتقد أن الله تعالى، عصمه وبرأه ونزهه عن الفاحشة وحماه
عنها وصانه منها؛ ولهذا قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ
عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} [يوسف: ٢٤] أي: هرب منها طالبا
إلى الباب ليخرج منه فرارا منها فاتبعته في أثره {وَأَلْفَيَا} أي: وجدا
سيدها أي: زوجها لدى الباب، فبادرته بالكلام وحرضته عليه {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ
يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
[يوسف: ٢٥] اتهمته وهي المتهمة وبرأت عرضها ونزهت ساحتها، فلهذا قال يوسف عليه
السلام: {هِيَ رَاوَدَتْنِي
عَنْ نَفْسِي} [يوسف: ٢٦]. احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة.
وشهد شاهد من أهلها قيل: كان صغيرا في المهد قاله ابن عباس. وروي عن
أبي هريرة، وهلال بن يساف، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، والضحاك، واختاره ابن
جرير. وروى فيه حديثا مرفوعا عن ابن عباس، ووقفه غيره عنه. وقيل: كان رجلا قريبا
إلى أطفير بعلها. وقيل: قريبا إليها. وممن قال إنه كان رجلا ابن عباس، وعكرمة،
ومجاهد، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وزيد بن أسلم. فقال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ
الْكَاذِبِينَ} [يوسف: ٢٦] أي: لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ
الصَّادِقِينَ} [يوسف: ٢٧] أي: لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته، وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك،
وكذلك كان؛ ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا
رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ
كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: ٢٨] أي: هذا الذي جرى من مكركن أنت راودته عن نفسه، ثم اتهمته بالباطل،
ثم أضرب بعلها عن هذا صفحا. فقال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: ٢٩] أي: لا تذكره لأحد
لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الاليق والأحسن، وأمرها بالاستغفار لذنبها الذي صدر
منها والتوبة إلى ربها، فإن العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه، وأهل مصر وإن
كانوا يعبدون الأصنام إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب، ويؤاخذ بها هو الله
وحده لا شريك له في ذلك؛ ولهذا قال لها بعلها وعذرها من بعض الوجوه؛ لأنها رأت ما
لا صبر لها على مثله إلا أنه عفيف نزيه برئ العرض سليم الناحية فقال: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ
نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فَلَمَّا
سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً
وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ أخْرُجْ عَلَيْهِنَّ
فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ
لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ
الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ
وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ
الصَّاغِرِينَ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي
إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ
الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ
هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
[يُوسُفَ: ٢٩-٣٤].
يذكر تعالى: ما كان من قبل نساء المدينة يعني: مصر من نساء الأمراء
وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز وعيبها والتشنيع عليها في مراودتها فتاها
وحبها الشديد له، يعنين: وهو لا يساوي هذا لأنه مولى من الموالي، وليس مثله أهلا
لهذا؛ ولهذا قلن: {إِنَّا
لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
[يوسف: ٣٠] أي: في وضعها الشيء في غير محله {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} [يوسف: ٣١] أي: بتشنيعهن عليها
والتنقص لها، والإشارة إليها بالعيب والمذمة بحب مولاها وعشق فتاها فأظهرن ذما،
وهي معذورة في نفس الأمر، فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن وتبين أن هذا الفتى ليس
كما حسبن ولا من قبيل ما لديهن، فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها، وأعتدت لهن ضيافة
مثلهن، وأحضرت في جملة ذلك شيئا مما يقطع بالسكاكين كالأترج ونحوه. {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} [يوسف: ٣١]، وكانت قد هيأت يوسف
عليه السلام، والبسته أحسن الثياب، وهو في غاية طراوة الشباب، وأمرته بالخروج
عليهن بهذه الحالة فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: ٣١] أي: أعظمنه وأجللنه
وهبنه، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن،
وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين، ولا يشعرن بالجراح {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا
مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: ٣١].
وقد جاء في حديث الإسراء: «فمررت بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن». قال السهيلي، وغيره من الأئمة: معناه أنه كان على النصف من حسن
آدم عليه السلام، لأن الله تعالى، خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه فكان في غاية
نهايات الحسن البشري؛ ولهذا يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم وحسنه، ويوسف كان
على النصف من حسن آدم ولم يكن بينهما أحسن منهما، كما أنه لم تكن أنثى بعد حواء
أشبه بها من سارة امرأة الخليل -عليه السلام.
قال ابن مسعود: وكان وجه يوسف مثل البرق، وكان إذا أتته امرأة لحاجة
غطى وجهه.
وقال غيره: كان في الغالب مبرقعا لئلا يراه الناس، ولهذا لما قام عذر
امرأة العزيز في محبتها لهذا المعنى المذكور، وجرى لهن وعليهن ما جرى من تقطيع
أيديهن بجراح السكاكين، وما ركبهن من المهابة، والدهش عند رؤيته، ومعاينته قالت: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: ٣٢] ثم مدحته بالعفة
التامة فقالت: {وَلَقَدْ
رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: ٣٢] أي: امتنع {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ
مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: ٣٢]. وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبى أشد الإباء
ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعا فقال في دعائه لرب العالمين: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ
الْجَاهِلِينَ} [يوسف: ٣٣] يعني: إن وكلتني إلى نفسي فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف، ولا
أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فأنا ضعيف إلا ما قويتني وعصمتني
وحفظتني وحطتني بحولك وقوتك. ولهذا قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ
هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: ٣٤].
{ثُمَّ
بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ
خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا
تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا
نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا
عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ
ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ
خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا
أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ
سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا
إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا
الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي
فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}
[يُوسُفَ: ٣٥-٤١].
يذكر تعالى: عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم أي: ظهر لهم من الرأي
بعد ما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلى وقت ليكون ذلك أقل لكلام الناس في تلك
القضية، وأخمد لأمرها وليظهروا أنه راودها عن نفسها فسجن بسببها، فسجنوه ظلما
وعدوانا، وكان هذا مما قدر الله له، ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن معاشرتهم
ومخالطتهم، ومن هاهنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعي أن من العصمة أن لا
تجد.
قال الله تعالى: {وَدَخَلَ
مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} [يوسف: ٣٦] قيل: كان أحدهما ساقي الملك، واسمه فيما قيل: بنو. والآخر خبازه
يعني: الذي يلي طعامه، وهو الذي يقول له الترك: الجاشنكير، واسمه فيما قيل: مجلث.
كان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما، فلما رأيا يوسف في السجن أعجبهما
سمته وهديه ودله وطريقته وقوله وفعله وكثرة عبادته ربه وإحسانه إلى خلقه، فرأى كل
واحد منهما رؤيا تناسبه قال أهل التفسير: رأيا في ليلة واحدة أما الساقي فرأى كأن
ثلاث قضبان من حبلة قد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها فاعتصرها في كأس الملك
وسقاه، ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز، وضواري الطيور تأكل من السل
الأعلى. فقصاها عليه، وطلبا منه أن يعبرهما لهما، وقالا: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ٣٦]. فأخبرهما أنه عليم
بتعبيرهما خبير بأمرهما.
و {قَالَ
لَا يَأْتِيكُمَا طَعَمٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ
قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} [يوسف: ٣٧]. قيل: معناه مهما رأيتما من حلم فإني أعبره لكما قبل وقوعه، فيكون
كما أقول. وقيل: معناه إني أخبركما بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه حلوا أو
حامضا. كما قال عيسى عليه السلام: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي
بُيُوتِكُمْ} [آل عمران: ٤٩]. وقال لهما إن هذا من تعليم الله إياي لأني مؤمن به موحد له متبع
ملة آبائي الكرام إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} [يوسف: ٣٨] أي: بأن هدانا لهذا {وَعَلَى النَّاسِ}
[يوسف: ٣٨] أي: بأن أمرنا أن ندعوهم إليه ونرشدهم وندلهم عليه، وهو في فطرهم
مركوز، وفي جبلتهم مغروز {وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف: ٣٨].
ثم دعاهم إلى التوحيد، وذم عبادة ما سوى الله عز وجل، وصغر أمر
الأصنام وحقرها وضعف أمرها. فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ
اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً
سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}
[يوسف: ٣٩] أي: هو المتصرف في خلقه الفعال لما يريد الذي يهدي من يشاء، ويضل
من يشاء {أَمَرَ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف: ٤٠] أي: وحده لا شريك له {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: ٤٠] أي: المستقيم والصراط
القويم {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: ٤٠] أي: فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره، وكانت دعوته لهما في هذه
الحال في غاية الكمال؛ لأن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقي ما يقول بالقبول
فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه، ثم لما قام بما
وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه قال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ
خَمْرًا} [يوسف: ٤١] قالوا: وهو الساقي {وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} [يوسف: ٤١] قالوا: وهو الخباز {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: ٤١] أي: وقع هذا لا محالة
ووجب كونه على كل حالة؛ ولهذا جاء في الحديث: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت».
وقد روي عن ابن مسعود، ومجاهد، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، أنهما
قالا: لم نر شيئا. فقال لهما: {قُضِيَ
الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: ٤١].
{وَقَالَ
لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ
الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: ٤٢] يخبر تعالى، أن يوسف
عليه السلام، قال للذي ظن أنه ناج منهما وهو الساقي: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢] يعني: اذكر أمري، وما
أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك، وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب،
ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب.
وقوله: {فَأَنْسَاهُ
الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ}
[يوسف: ٤٢] أي: فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه
السلام قاله مجاهد، ومحمد بن إسحاق، وغير واحد. وهو الصواب، وهو منصوص أهل الكتاب
{فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ
بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: ٤٢] والبضع: ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل: إلى السبع، وقيل: إلى
الخمس، وقيل: ما دون العشرة. حكاها الثعلبي، ويقال: بضع نسوة، وبضعة رجال ومنع
الفراء استعمال البضع فيما دون العشر. قال: وإنما يقال: نيف.
وقال الله تعالى: {فَلَبِثَ
فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}
[يوسف: ٤٢]، وقال تعالى: {فِي
بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: ٤] وهذا رد لقوله، قال الفراء: ويقال: بضعة عشر، وبضعة وعشرون. إلى
التسعين، ولا يقال: بضع ومائة، وبضع وألف، وخالف الجوهري فيما زاد على بضعة عشر،
فمنع أن يقال: بضعة وعشرون. إلى تسعين، وفي الصحيح «الإيمان بضع وستون». وفي رواية: «وسبعون
شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله. وأدناها إماطة الأذى عن الطريق».
ومن قال: إن الضمير في قوله: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: ٤٢]. عائد على يوسف. فقد
ضعف ما قاله، وإن كان قد روي عن ابن عباس، وعكرمة. والحديث الذي رواه ابن جرير في
هذا الموضع ضعيف من كل وجه؛ تفرد بإسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي، وهو
متروك، ومرسل الحسن، وقتادة لا يقبل، ولاسيما هاهنا بطريق الأولى والأحرى، والله
أعلم.
فأما قول ابن حبان في صحيحه: ذكر السبب الذي من أجله لبث يوسف في
السجن ما لبث؛ أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، ثنا مسدد بن مسرهد، ثنا خالد بن عبد
الله، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «رحم
الله يوسف لولا الكلمة التي قالها: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢] ما لبث في السجن ما لبث، ورحم الله لوطا إن كان ليأوي
إلى ركن شديد، إذ قال لقومه: {لَوْ
أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: ٨٠] قال: فما بعث الله
نبيا بعده إلا في ثروة من قومه». فإنه حديث منكر من هذا الوجه. ومحمد بن عمرو بن
علقمة له أشياء ينفرد بها وفيها نكارة، وهذه اللفظة من أنكرها وأشدها، والذي في
الصحيحين يشهد بغلطها، والله أعلم.
{وَقَالَ
الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ
وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ
أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ قَالُوا
أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ وَقَالَ
الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ
بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ
بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ
وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي
سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا
تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ
وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: ٤٣-٤٩] أي: أخلاط أحلام من الليل لعلها لا تعبير لها، ومع هذا فلا خبرة
لنا بذلك؛ ولهذا قالوا: {وَمَا
نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} [يوسف: ٤٤]. فعند ذلك تذكر
الناجي منهما الذي وصاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسي إلى حينه هذا، وذلك عن تقدير
الله عز وجل، وله الحكمة في ذلك، فلما سمع رؤيا الملك، ورأى عجز الناس عن تعبيرها
تذكر أمر يوسف وما كان أوصاه به من التذكار؛ ولهذا قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ} [يوسف: ٤٥]. أي: تذكر {بَعْدَ أُمَّةٍ}
[يوسف: ٤٥] أي: بعد مدة من الزمان، وهو بضع سنين.
وقرأ بعضهم، كما حكي، عن ابن عباس، وعكرمة، والضحاك: "وادكر بعد
أمه" أي: بعد نسيان. وقرأها مجاهد: "بعد أمه" بإسكان الميم، وهو
النسيان أيضا. يقال: أمه الرجل يأمه أمها، وأمها إذا نسي قال الشاعر:
أمهت وكنت لا أنسى حديثا. كذاك الدهر يردي بالعقول.
فقال لقومه وللملك: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} [يوسف: ٤٥] أي: فأرسلوني إلى
يوسف. فجاءه فقال: {يُوسُفُ
أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ
سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي
أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} [يوسف: ٤٦]، وعند أهل الكتاب: أن
الملك لما ذكره له الناجي استدعاه إلى حضرته، وقص عليه ما رآه ففسره له. وهذا غلط،
والصواب ما قصه الله في كتابه القرآن لا ما عربه هؤلاء الجهلة الثيران من قرائئ
وربان. فبذل يوسف عليه السلام، ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ولا طلب الخروج
سريعا، بل أجابهم إلى ما سألوا، وعبر لهم ما كان من منام الملك الدال على وقوع سبع
سنين من الخصب ويعقبها سبع جدب {ثُمَّ
يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} [يوسف: ٤٩] يعني: يأتيهم الغيث
والخصب والرفاهية {وَفِيهِ
يَعْصِرُونَ} [يوسف: ٤٩] يعني: ما كانوا يعصرونه من الأقصاب والأعناب والزيتون والسمسم
وغيرها. فعبر لهم وعلى الخير دلهم وأرشدهم إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم وجدبهم،
وما يفعلونه من ادخار حبوب سني الخصب في السبع الأول في سنبله إلا ما يرصد بسبب
الأكل، ومن تقليل البذر في سني الجدب في السبع الثانية إذ الغالب على الظن أنه لا
يرد البذر من الحقل، وهذا يدل على كمال العلم، وكمال الرأي والفهم.
{وَقَالَ
الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ
فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ
رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ
عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ
امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ
وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ
بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ
نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ
رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}
[يُوسُفَ: ٥٠-٥٣].
لما أحاط الملك علما بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام، وتمام عقله
ورأيه السديد وفهمه، أمر بإحضاره إلى حضرته ليكون من جملة خاصته، فلما جاءه الرسول
بذلك أحب أن لا يخرج حتى يتبين لكل أحد أنه حبس ظلما وعدوانا، وأنه بريء الساحة
مما نسبوه إليه بهتانا {قَالَ
ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: ٥٠] يعني: الملك {فَاسْأَلْهُ
مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي
بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٠]، قيل معناه: إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إلى، أي: فمر
الملك فليسألهن كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي، وحثهن لي على الأمر
الذي ليس برشيد ولا سديد.
فلما سئلن عن ذلك اعترفن بما وقع من خطأ الأمر، وما كان منه من الأمر
الحميد {وَقُلْنَ حَاشَ
لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} [يوسف: ٥١]. فعند ذلك {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف: ٥١]، وهي: زليخا {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: ٥١] أي: ظهر وتبين ووضح،
والحق أحق أن يتبع {أَنَا
رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: ٥١] أي: فيما يقوله من
أنه برئ وأنه لم يراودني، وأنه حبس ظلما وعدوانا وزورا وبهتانا.
وقوله: {ذَلِكَ
لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ
الْخَائِنِينَ} [يوسف: ٥٢]. قيل: إنه من كلام يوسف. أي: إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أني
لم أخنه بظهر الغيب. وقيل: إنه من تمام كلام زليخا، أي: إنما اعترفت بهذا ليعلم
زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر، وإنما كان مراودة لم يقع معها فعل فاحشة. وهذا
القول هو الذي نصره طائفة كثيرة من أئمة المتأخرين وغيرهم، ولم يحك ابن جرير وابن
أبي حاتم سوى الأول {وَمَا
أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ
رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: ٥٣]. قيل: إنه من كلام
يوسف، وقيل: من كلام زليخا. وهو مفرع على القولين الأولين. وكونه من تمام كلام
زليخا أظهر وأنسب، وأقوى، والله أعلم.
{وَقَالَ
الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ
إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ
الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ
يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا
نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: ٥٤-٥٧] أي: أجعله من خاصتي ومن أكابر دولتي ومن أعيان حاشيتي، فلما كلمه
وسمع مقاله وتبين حاله {قَالَ
إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: ٥٤] أي: ذو مكانة وأمانة
{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى
خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٥]. طلب أن يوليه النظر
فيما يتعلق بالأهراء لما يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضي سبع سني الخصب لينظر
فيها بما يرضي الله في خلقه من الاحتياط لهم والرفق بهم، وأخبر الملك أنه حفيظ،
أي: قوي على حفظ ما لديه أمين عليه عليم بضبط الأشياء ومصالح الأهراء، وفي هذا
دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة.
وعند أهل الكتاب: أن فرعون عظم يوسف عليه السلام جدا، وسلطه على جميع
أرض مصر والبسه خاتمه والبسه الحرير وطوقه الذهب وحمله على مركبه الثاني، ونودي
بين يديه أنت رب أي: مالك ومسلط، وقال له: لست أعظم منك إلا بالكرسي، قالوا: وكان
يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة، وزوجه امرأة عظيمة الشأن.
وحكى الثعلبي أنه عزل قطفير عن وظيفته وولاها يوسف. وقيل: إنه لما
مات زوجه امرأته زليخا فوجدها عذراء؛ لأن زوجها كان لا يأتي النساء فولدت ليوسف
عليه السلام رجلين، وهما أفراثيم، ومنشا. قال: واستوثق ليوسف ملك مصر، وعمل فيهم
بالعدل فأحبه الرجال والنساء. وحكي أن يوسف كان يوم دخل على الملك عمره ثلاثين
سنة، وأن الملك خاطبه بسبعين لغة، وكل ذلك يجاوبه بكل لغة منها فأعجبه ذلك مع
حداثة سنه. فالله أعلم.
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ
مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} [يوسف: ٥٦] أي: بعد السجن والضيق
والحصر صار مطلق الركاب بديار مصر {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} [يوسف: ٥٦] أي: أين شاء حل منها
مكرما محسودا معظما {نُصِيبُ
بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ٥٦] أي: هذا كله من جزاء
الله وثوابه للمؤمن مع ما يدخر له في آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل؛ ولهذا
قال: {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ
خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: ٥٧]، ويقال: إن أطفير زوج
زليخا كان قد مات. فولاه الملك مكانه وزوجه امرأته زليخا فكان وزير صدق.
وذكر محمد بن إسحاق أن صاحب مصر الوليد بن الريان أسلم على يدي يوسف
عليه السلام. فالله أعلم. وقد قال بعضهم:
وراء مضيق الخوف يتسع الأمن. وأول مفروح به آخر الحزن
فلا تيأسن فالله ملك يوسفا. خزائنه بعد الخلاص من السجن
{وَجَاءَ
إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ
أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ فَإِنْ
لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ قَالُوا سَنُرَاوِدُ
عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا
بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا
إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [يُوسُفَ: ٥٨-٦٢].
يخبر تعالى: عن قدوم إخوة يوسف عليه السلام، إلى الديار المصرية
يمتارون طعاما، وذلك بعد اتيان سني الجدب وعمومها على سائر البلاد والعباد، وكان
يوسف عليه السلام، إذ ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية دينا ودنيا، فلما دخلوا
عليه عرفهم، ولم يعرفوه لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من
المكانة، والعظمة، فلهذا عرفهم وهم له منكرون.
وعند أهل الكتاب: أنهم لما قدموا عليه سجدوا له فعرفهم، وأراد أن لا
يعرفوه فأغلظ لهم في القول. وقال: أنتم جواسيس جئتم لتأخذوا خبر بلادي. فقالوا:
معاذ الله إنما جئنا نمتار لقومنا من الجهد والجوع الذي أصابنا، ونحن بنو أب واحد
من كنعان، ونحن اثنا عشر رجلا ذهب منا واحد، وصغيرنا عند أبينا. فقال: لا بد أن
أستعلم أمركم. وعندهم أنه حبسهم ثلاثة أيام ثم أخرجهم، واحتبس شمعون عنده ليأتوه
بالأخ الآخر. وفي بعض هذا نظر.
قال الله تعالى: {وَلَمَّا
جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} [يوسف: ٥٩] أي: أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته في إعطاء كل إنسان حمل بعير
لا يزيده عليه {قَالَ
ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} [يوسف: ٥٩] وكان قد سألهم عن
حالهم وكم هم فقالوا: كنا اثني عشر رجلا فذهب منا واحد وبقي شقيقه عند أبينا.
فقال: إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم {أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ
الْمُنْزِلِينَ} [يوسف: ٥٩] أي: قد أحسنت نزلكم وقراكم فرغبهم ليأتوه به، ثم رهبهم إن لم يأتوه
به قال: {فَإِنْ لَمْ
تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ} [يوسف: ٦٠] أي: فلست أعطيكم
ميرة، ولا أقربكم بالكلية عكس ما أسدى إليهم أولا، فاجتهد في إحضاره معهم ليبل
شوقه منه بالترغيب والترهيب، قالوا: {سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} [يوسف: ٦١] أي: سنجتهد في مجيئه
معنا، واتيانه إليك بكل ممكن {وَإِنَّا
لَفَاعِلُونَ} [يوسف: ٦١] أي: وإنا لقادرون على تحصيله، ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم، وهي
ما جاءوا به يتعوضون به عن الميرة في أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [يوسف: ٦٢] قيل: أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم، وقيل: خشي أن لا يكون
عندهم ما يرجعون به مرة ثانية، وقيل: تذمم أن يأخذ منهم عوضا عن الميرة.
وقد اختلف المفسرون في بضاعتهم على أقوال سيأتي ذكرها، وعند أهل
الكتاب أنها كانت صررا من ورق. وهو أشبه، والله أعلم.
{فَلَمَّا
رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ
فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ هَلْ
آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ
فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَلَمَّا فَتَحُوا
مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا
نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ
أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ
مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِى بِهِ إِلَّا
أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا
نَقُولُ وَكِيلٌ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ
وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ
مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ
أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً
فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يُوسُفَ: ٦٣-٦٨].
ذكر تعالى: ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم وقولهم له: {مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} [يوسف: ٦٣] أي: بعد عامنا هذا إن
لم ترسل معنا أخانا فإن أرسلته معنا لم يمنع منا {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ
إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} [يوسف: ٦٥] أي: أي شيء نريد وقد
ردت إلينا بضاعتنا {وَنَمِيرُ
أَهْلَنَا} [يوسف: ٦٥] أي: نمتار لهم، ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم، ومحلهم {وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ} [يوسف: ٦٥]. بسببه كيل بعير.
قال الله تعالى: {ذَلِكَ
كَيْلٌ يَسِيرٌ} [يوسف: ٦٥] أي: في مقابلة ذهاب ولده الآخر، وكان يعقوب عليه السلام، أضن شيء
بولده بنيامين؛ لأنه كان يشم فيه رائحة أخيه ويتسلى به عنه، ويتعوض بسببه منه،
فلهذا قال: {لَنْ أُرْسِلَهُ
مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِى بِهِ إِلَّا
أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: ٦٦] أي: إلا أن تغلبوا كلكم عن الاتيان به {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ
وَكِيلٌ} [يوسف: ٦٦]. أكد المواثيق وقرر العهود واحتاط لنفسه في ولده، ولن يغني حذر من
قدر، ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة لما بعث الولد العزيز، ولكن الأقدار لها
أحكام، والرب تعالى، يقدر ما يشاء، ويختار ما يريد، ويحكم ما يشاء، وهو الحكيم
العليم، ثم أمرهم أن لا يدخلوا المدينة من باب واحد، ولكن ليدخلوا من أبواب
متفرقة.
قيل: أراد أن لا يصيبهم أحد بالعين، وذلك؛ لأنهم كانوا أشكالا حسنة،
وصورا بديعة قاله ابن عباس، ومجاهد، ومحمد بن كعب، وقتادة، والسدي، والضحاك.
وقيل: أراد أن يتفرقوا لعلهم يجدون خبرا ليوسف أو يحدثون عنه بأيسر
شيء قاله إبراهيم النخعي. والأول أظهر؛ ولهذا قال: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: ٦٧]. وقال تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ
يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ
قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: ٦٨].
وعند أهل الكتاب: أنه بعث معهم هدية إلى العزيز من الفستق واللوز
والصنوبر والبطم والعسل، وأخذوا الدراهم الأولى، وعرضا آخر.
{وَلَمَّا
دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا
تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ
السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ
إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ
قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا
بِهِ زَعِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي
الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ
كَاذِبِينَ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ
نَجْزِي الظَّالِمِينَ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ
اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ
لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ
دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ
فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ
يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
تَصِفُونَ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا
فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مَعَاذَ
اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا
لَظَالِمُونَ} [يُوسُفَ: ٦٩-٧٩].
يذكر تعالى: ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم بنيامين على شقيقه
يوسف، وإيوائه إليه وإخباره له سرا عنهم بأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاه
عما كان منهم من الإساءة إليه، ثم احتال على أخذه منهم، وتركه إياه عنده دونهم،
فأمر فتيانه بوضع سقايته، وهي التي كان يشرب بها، ويكيل بها للناس الطعام من عزته
في متاع بنيامين، ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صواع الملك، ووعدهم جعالة على رده حمل
بعير، وضمنه المنادي لهم فأقبلوا على من اتهمهم بذلك فأنبوه، وهجنوه فيما قاله
لهم، وقالوا: {تَاللَّهِ
لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} [يوسف: ٧٣]. يقولون: أنتم تعلمون
منا خلاف ما رميتمونا به من السرقة {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ قَالُوا
جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي
الظَّالِمِينَ} [يوسف: ٧٤-٧٥]. وهذه كانت شريعتهم أن السارق يدفع إلى المسروق منه؛ ولهذا قالوا:
{كَذَلِكَ نَجْزِي
الظَّالِمِينَ} [يوسف: ٧٥].
قال الله تعالى: {فَبَدَأَ
بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ
أَخِيهِ} [يوسف: ٧٦]. ليكون ذلك أبعد للتهمة وأبلغ في الحيلة، ثم قال الله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي
دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: ٧٦] أي: لولا اعترافهم بأن جزاءه من وجد في رحله فهو جزاؤه لما كان
يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: ٧٦] أي: في العلم {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦]. وذلك؛ لأن يوسف كان
أعلم منهم وأتم رأيا وأقوى عزما وحزما، وإنما فعل ما فعل عن أمر الله له في ذلك؛
لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك من قدوم أبيه وقومه عليه ووفودهم
إليه، فلما عاينوا استخراج الصواع من حمل بنيامين {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ٧٧] يعنون: يوسف.
قيل: كان قد سرق صنم جده أبي أمه فكسره، وقيل: كانت عمته قد علقت
عليه بين ثيابه، وهو صغير، منطقة كانت لإسحاق، ثم استخرجوها من بين ثيابه، وهو لا
يشعر بما صنعت، وإنما أرادت أن يكون عندها، وفي حضانتها لمحبتها له، وقيل: كان
يأخذ الطعام من البيت فيطعمه الفقراء، وقيل غير ذلك.
فلهذا قالوا: {إِنْ
يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} [يوسف: ٧٧]. وهي كلمته بعدها،
وقوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ
مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف: ٧٧]. أجابهم سرا لا جهرا
حلما وكرما وصفحا وعفوا فدخلوا معه في الترقق والتعطف فقالوا: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ
أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ
أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا
لَظَالِمُونَ} [يوسف: ٧٨] أي: إن أطلقنا المتهم وأخذنا البريء هذا ما لا نفعله ولا نسمح به.
وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده.
وعند أهل الكتاب: أن يوسف تعرف إليهم حينئذ. وهذا مما غلطوا فيه ولم
يفهموه جيدا.
{فَلَمَّا
اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا
أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا
فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي
أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ
فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا
عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي
كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ قَالَ
بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ
يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَتَوَلَّى
عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ
الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى
تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي
وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ يَا بَنِيَّ
اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ
اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يُوسُفَ: ٨٠-٨٧].
يقول تعالى: مخبرا عنهم أنهم لما استيأسوا من أخذه منه خلصوا يتناجون
فيما بينهم قال كبيرهم وهو روبيل: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ
مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} [يوسف: ٨٠]. لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه، كما فرطتم في أخيه يوسف من قبله فلم
يبق لي وجه أقابله به {فَلَنْ
أَبْرَحَ الْأَرْضَ} [يوسف: ٨٠] أي: لا أزال مقيما هاهنا {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} [يوسف: ٨٠]. في القدوم عليه: {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} [يوسف: ٨٠]. بأن يقدرني على رد
أخي إلى أبي {وَهُوَ خَيْرُ
الْحَاكِمِينَ ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبانَا إِنَّ ابْنَكَ
سَرَقَ} [يوسف: ٨٠-٨١] أي: أخبروه بما رأيتم من الأمر في ظاهر المشاهدة {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ
حَافِظِينَ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي
أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: ٨١] أي: فإن هذا الذي أخبرناك به من أخذهم أخانا لأنه سرق أمر اشتهر
بمصر، وعلمه العير التي كنا نحن وهم هناك {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ
أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: ٨٢] أي: ليس الأمر كما ذكرتم لم يسرق فإنه ليس بسجية له، ولا خلقه،
وإنما {سَوَّلَتْ لَكُمْ
أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: ٨٣].
قال ابن إسحاق، وغيره: لما كان التفريط منهم في بنيامين مترتبا على
صنيعهم في يوسف قال لهم ما قال. وهذا كما قال بعض السلف: إن من جزاء السيئة السيئة
بعدها. ثم قال: {عَسَى
اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف: ٨٣] يعني: يوسف،
وبنيامين، وروبيل إنه هو العليم. أي: بحالي، وما أنا فيه من فراق الأحبة الحكيم
فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} [يوسف: ٨٤] أي: أعرض عن بنيه {وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: ٨٤]. ذكره حزنه الجديد
بالحزن القديم وحرك ما كان كامنا، كما قال بعضهم:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى. ما الحب إلا للحبيب الأول
وقال آخر:
لقد لامني عند القبور على البكا. رفيقي لتذراف الدموع السوافك.
فقال: أتبكي كل قبر رأيته. لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك؟
فقلت له إن الأسى يبعث الأسى فدعني
فهذا كله قبر مالك
وقوله: {وَابْيَضَّتْ
عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: ٨٤] أي: من كثرة البكاء {فَهُوَ كَظِيمٌ}
[يوسف: ٨٤] أي: مكمد من كثرة حزنه، وأسفه وشوقه إلى يوسف، فلما رأى بنوه ما
يقاسيه من الوحدة، والم الفراق. قالوا له على وجه الرحمة له، والرأفة به والحرص
عليه: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ
تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف: ٨٥] يقولون: لا تزال
تتذكره حتى ينحل جسدك، وتضعف قوتك فلو رفقت بنفسك كان أولى بك قال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ
اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
[يوسف: ٨٦] يقول لبنيه: لست أشكو إليكم، ولا إلى أحد من الناس ما أنا فيه،
إنما أشكو إلى الله عز وجل، وأعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجا ومخرجا،
وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع، ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى؛
ولهذا قال: {وَأَعْلَمُ
مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: ٨٦] ثم قال لهم محرضا على
تطلب يوسف وأخيه وأن يبحثوا عن أمرهما: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا
تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا
الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧] أي: لا تيأسوا من الفرج بعد الشدة فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه
وما يقدره من المخرج في المضايق إلا القوم الكافرون.
{فَلَمَّا
دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ
وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا
إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ
بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ
قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ
يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قَالُوا
تَاللَّهَ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ قَالَ لَا
تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ
بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يُوسُفَ: ٨٨-٩٣].
يخبر تعالى: عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم فيما لديه
من الميرة والصدقة عليهم برد أخيهم بنيامين إليهم، فلما دخلوا عليه {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} [يوسف: ٨٨] أي: من الجدب وضيق
الحال وكثرة العيال {وَجِئْنَا
بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} [يوسف: ٨٨] أي: ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن يتجاوز عنا، قيل: كانت دراهم
رديئة، وقيل: قليلة، وقيل: حب الصنوبر، وحب البطم، ونحو ذلك. وعن ابن عباس: كانت
خلق الغرائر والحبال، ونحو ذلك. {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ
يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: ٨٨]. قيل: بقبولها قاله السدي، وقيل: برد أخينا إلينا قاله ابن جريج،
وقال سفيان بن عيينة: إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد ﷺ،
ونزع بهذه الآية. رواه ابن جرير. فلما رأى ما هم فيه من الحال، وما جاءوا به مما
لم يبق عندهم سواه من ضعيف المال تعرف إليهم وعطف عليهم قائلا لهم عن أمر ربه
وربهم، وقد حسر لهم عن جبينه الشريف، وما يحويه من الخال فيه الذي يعرفون {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ
جَاهِلُونَ قَالُوا} [يوسف: ٨٩] وتعجبوا كل العجب، وقد ترددوا إليه مرارا عديدة، وهم لا يعرفون أنه
هو {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ
يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} [يوسف: ٩٠] يعني: أنا يوسف الذي
صنعتم معه ما صنعتم، وسلف من أمركم فيه ما فرطتم.
وقوله: {وَهَذَا
أَخِي} [يوسف: ٩٠] تأكيد لما قال وتنبيه على ما كانوا أضمروا لهما من الحسد، وأعملوا
في أمرهما من الاحتيال؛ ولهذا قال: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: ٩٠] أي: بإحسانه إلينا،
وصدقته علينا، وإيوائه لنا، وشده معاقد عزنا، وذلك بما أسلفنا من طاعته، وصبرنا
على ما كان منكم إلينا، وطاعتنا وبرنا لأبينا، ومحبته الشديدة لنا، وشفقته علينا {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: ٩٠] أي: فضلك، وأعطاك ما
لم يعطنا {وَإِنْ كُنَّا
لَخَاطِئِينَ} [يوسف: ٩١] أي: فيما أسدينا إليك، وها نحن بين يديك {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: ٩٢] أي: لست أعاتبكم على
ما كان منكم بعد يومكم هذا، ثم زادهم على ذلك، فقال: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: ٩٢].
ومن زعم أن الوقف على قوله: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} [يوسف: ٩٢]. وابتدأ بقوله: {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: ٩٢]. فقوله: ضعيف،
والصحيح الأول. ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه، وهو الذي يلي جسده فيضعوه على عيني
أبيه فإنه يرجع إليه بصره بعد ما كان ذهب بإذن الله، وهذا من خوارق العادات ودلائل
النبوات وأكبر المعجزات، ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى
الخير والدعة وجمع الشمل بعد الفرقة على أكمل الوجوه، وأعلى الأمور.
{وَلَمَّا
فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ
تُفَنِّدُونِ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ فَلَمَّا أَنْ
جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ
أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قَالُوا يَا
أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ
أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يُوسُفَ: ٩٤-٩٨].
قال عبد الرزاق: أنبأنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي
الهذيل سمعت ابن عباس يقول: {وَلَمَّا
فَصَلَتِ الْعِيرُ} [يوسف: ٩٤] قال: لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف. {فَقَالَ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [يوسف: ٩٤] قال: فوجد ريحه من
مسيرة ثمانية أيام، وكذا رواه الثوري، وشعبة، وغيرهما، عن أبي سنان به. وقال الحسن
البصري، وابن جريج المكي: كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخا، وكان له منذ فارقه
ثمانون سنة.
وقوله: {لَوْلَا
أَنْ تُفَنِّدُونِ} [يوسف: ٩٤] أي: تقولون، إنما قلت هذا من الفند وهو الخرف وكبر السن، قال ابن
عباس، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة: {تُفَنِّدُونِ}
[يوسف: ٩٤] تسفهون، وقال مجاهد أيضا، والحسن: تهرمون {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف: ٩٥] قال قتادة، والسدي:
قالوا له كلمة غليظة.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا
أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} [يوسف: ٩٦] أي: بمجرد ما جاء
القى القميص على وجه يعقوب فرجع من فوره بصيرا بعد ما كان ضريرا، وقال لبنيه عند
ذلك: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ
إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: ٩٦] أي: أعلم أن الله
سيجمع شملي بيوسف، وستقر عيني به، وسيريني فيه ومنه ما يسرني، فعند ذلك {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا
خَاطِئِينَ} [يوسف: ٩٧] طلبوا إليه أن يستغفر لهم الله عز وجل، عما كانوا فعلوا ونالوا منه
ومن ابنه، وما كانوا عزموا عليه، ولما كان من نيتهم التوبة قبل الفعل، وفقهم الله
للاستغفار عند وقوع ذلك منهم فأجابهم أبوهم إلى ما سألوا وما عليه عولوا قائلا: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ} [يوسف: ٩٨].
قال ابن مسعود، وإبراهيم التيمي، وعمرو بن قيس، وابن جريج، وغيرهم:
أرجأهم إلى وقت السحر قال ابن جرير: حدثني أبو السائب، حدثنا ابن إدريس، سمعت عبد
الرحمن بن إسحاق يذكر، عن محارب بن دثار قال: كان عم لي يأتي المسجد فسمع إنسانا
يقول: اللهم دعوتني فأجبت، وأمرتني فأطعت، وهذا السحر فاغفر لي. قال: فاستمع الصوت
فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود فسأل عبد الله عن ذلك. فقال: إن يعقوب أخر بنيه
إلى السحر بقوله: {سَوْفَ
أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: ٩٨].
وقد قال الله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: ١٧]. وثبت في الصحيح عن
رسول الله ﷺ قال: «ينزل
ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟
هل من مستغفر فأغفر له؟».
وقد ورد في حديث أن يعقوب أرجأ بنيه إلى ليلة الجمعة قال ابن جرير:
حدثني المثنى ثنا سليمان بن عبد الرحمن بن أيوب الدمشقي، حدثنا الوليد، أنبأنا ابن
جريج، عن عطاء، وعكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله ﷺ: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: ٩٨]. يقول: «حتى تأتي
ليلة الجمعة، وهو قول أخي يعقوب لبنيه». وهذا غريب من هذا الوجه، وفي رفعه نظر،
والأشبه أن يكون موقوفا على ابن عباس -رضي الله عنه.
{فَلَمَّا
دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ
سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ
جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ
وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي
وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ
الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يُوسُفَ: ٩٩-١٠١].
هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة التي قيل: إنها
ثمانون سنة، وقيل: ثلاثة وثمانون سنة، وهما روايتان عن الحسن. وقيل: خمس وثلاثون
سنة. قاله قتادة. وقال محمد بن إسحاق: ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة. قال:
وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة.
وظاهر سياق القصة يرشد إلى تحديد المدة تقريبا فإن المرأة راودته،
وهو شاب ابن سبع عشرة سنة فيما قاله غير واحد فامتنع فكان في السجن بضع سنين، وهي:
سبع عند عكرمة، وغيره. ثم أخرج فكانت سنوات الخصب السبع، ثم لما أمحل الناس في
السبع البواقي جاء إخوتهم يمتارون السنة الأولى وحدهم، وفي الثانية ومعهم أخوه
بنيامين، وفي الثالثة تعرف إليهم وأمرهم بإحضار أهلهم أجمعين فجاءوا كلهم {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} [يوسف: ٩٩]. اجتمع بهما خصوصا
وحدهما دون إخوته {وَقَالَ
ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: ٩٩] قيل: هذا من المقدم،
والمؤخر تقديره: ادخلوا مصر، وآوى إليه أبويه، وضعفه ابن جرير، وهو معذور. قيل:
تلقاهما وآواهما في منزل الخيام، ثم لما اقتربوا من باب مصر قال: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: ٩٩] قاله السدي. ولو قيل:
إن الأمر لا يحتاج إلى هذا أيضا، وأنه ضمن قوله: ادخلوا معنى اسكنوا مصر أو أقيموا
بها إن شاء الله آمنين لكان صحيحا مليحا أيضا.
وعند أهل الكتاب: أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر، وهي أرض بلبيس خرج
يوسف لتلقيه، وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بين يديه مبشرا بقدومه، وعندهم أن
الملك أطلق لهم أرض جاشر يكونون فيها، ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم.
وقد ذكر جماعة من المفسرين: أنه لما أزف قدوم نبي الله يعقوب وهو
إسرائيل أراد يوسف أن يخرج لتلقيه، فركب معه الملك وجنوده خدمة ليوسف وتعظيما لنبي
الله إسرائيل، وأنه دعا للملك، وأن الله رفع عن أهل مصر بقية سني الجدب ببركة قدومه
إليهم. فالله أعلم.
وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه، وأولادهم فيما قاله أبو إسحاق
السبيعي، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود ثلاثة وستين إنسانا. وقال موسى بن عبيدة: عن
محمد بن كعب، عن عبد الله بن شداد كانوا ثلاثة وثمانين إنسانا. وقال أبو إسحاق: عن
مسروق دخلوا وهم ثلاثمائة وتسعون إنسانا.
قالوا: وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل، وفي نص أهل
الكتاب: أنهم كانوا سبعين نفسا، وسموهم.
قال الله تعالى: {وَرَفَعَ
أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: ١٠٠]. قيل: كانت أمه قد ماتت. كما هو عند علماء التوراة. وقال بعض
المفسرين: فأحياها الله تعالى. وقال آخرون: بل كانت خالته ليا، والخالة بمنزلة
الأم. وقال ابن جرير، وآخرون: بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه إلى يومئذ فلا
يعول على نقل أهل الكتاب فيما خالفه، وهذا قوي، والله أعلم.
ورفعهما على العرش أي: أجلسهما معه على سريره {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: ١٠٠] أي: سجد له الأبوان
والإخوة الأحد عشر تعظيما وتكريما، وكان هذا مشروعا لهم، ولم يزل ذلك معمولا به في
سائر الشرائع حتى حرم في ملتنا {وَقَالَ
يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ١٠٠] أي: هذا تعبير ما كنت
قصصته عليك من رؤيتي الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر حين رأيتهم لي ساجدين، وأمرتني
بكتمانها، ووعدتني ما وعدتني عند ذلك {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ
أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف: ١٠٠] أي: بعد الهم، والضيق جعلني حاكما نافذ الكلمة في الديار المصرية
حيث شئت {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ
الْبَدْوِ} [يوسف: ١٠٠] أي: البادية، وكانوا يسكنون أرض العربات من بلاد الخليل {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف: ١٠٠] أي: فيما كان منهم
إلي من الأمر الذي تقدم وسبق ذكره، ثم قال: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} [يوسف: ١٠٠] أي: إذا أراد شيئا
هيأ أسبابه، ويسرها وسهلها من وجوه لا يهتدي إليها العباد، بل يقدرها وييسرها
بلطيف صنعه، وعظيم قدرته {إِنَّهُ
هُوَ الْعَلِيمُ} [يوسف: ١٠٠] أي: بجميع الأمور الحكيم في خلقه، وشرعه، وقدره.
وعند أهل الكتاب: أن يوسف باع أهل مصر، وغيرهم من الطعام الذي كان
تحت يده بأموالهم كلها من الذهب والفضة والعقار والأثاث وما يملكونه كله حتى باعهم
بأنفسهم فصاروا أرقاء، ثم أطلق لهم أرضهم وأعتق رقابهم على أن يعملوا، ويكون خمس
ما يشتغلون من زرعهم وثمارهم للملك فصارت سنة أهل مصر بعده.
وحكى الثعلبي: أنه كان لا يشبع في تلك السنين حتى لا ينسى الجيعان،
وأنه إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار، قال: فمن ثم اقتدى به الملوك الأخيار
في ذلك. قلت: وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لا يشبع بطنه عام
الرمادة حتى ذهب الجدب، وأتى الخصب.
قال الشافعي: قال رجل من الأعراب لعمر بعد ما ذهب عام الرمادة: لقد
انجلت عنك، وإنك لابن حرة.
ثم لما رأى يوسف عليه السلام، نعمته قد تمت، وشمله قد اجتمع عرف أن
هذه الدار لا يقر بها من قرار، وأن كل شيء فيها ومن عليها فان، وما بعد التمام إلا
النقصان فعند ذلك أثنى على ربه بما هو أهله، واعترف له بعظيم إحسانه وفضله، وسأل
منه وهو خير المسئولين أن يتوفاه أي: حين يتوفاه على الإسلام، وأن يلحقه بعباده
الصالحين.
وهكذا كما يقال في الدعاء: اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين أي:
حين تتوفانا. ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلام، كما سأل النبي ﷺ
عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى، والرفقاء الصالحين من النبيين
والمرسلين، كما قال: «اللهم في
الرفيق الأعلى». ثلاثا. ثم قضى.
ويحتمل أن يوسف عليه السلام، سأل الوفاة على الإسلام منجزا في صحة منه وسلامة، وأن
ذلك كان سائغا في ملتهم وشرعتهم، كما روي عن ابن عباس أنه قال: ما تمنى نبي قط
الموت قبل يوسف فأما في شريعتنا فقد نهي عن الدعاء بالموت إلا عند الفتن، كما في
حديث معاذ في الدعاء الذي رواه أحمد: «وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين». وفي الحديث الآخر: «ابن آدم الموت خير لك من الفتنة». وقالت مريم عليها السلام: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مَرْيَمَ: ٢٣]. وتمنى الموت علي بن
أبي طالب لما تفاقمت الأمور وعظمت الفتن واشتد القتال وكثر القيل والقال، وتمنى
ذلك البخاري أبو عبد الله صاحب "الصحيح" لما اشتد عليه الحال، ولقي من
مخالفيه الأهوال.
فأما في حال الرفاهية فقد روى البخاري، ومسلم في صحيحيهما من حديث
أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يتمنى
أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنا فيزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب، ولكن ليقل:
اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي». والمراد بالضر هاهنا: ما يخص العبد في بدنه من مرض ونحوه، لا في
دينه. والظاهر أن نبي الله يوسف عليه السلام، سأل ذلك إما عند احتضاره أو إذا كان
ذلك أن يكون كذلك.
وقد ذكر ابن إسحاق، عن أهل الكتاب أن يعقوب أقام بديار مصر عند يوسف
سبع عشرة سنة، ثم توفي عليه السلام، وكان قد أوصى إلى يوسف عليه السلام، أن يدفن
عند أبويه إبراهيم وإسحاق قال السدي: فصبره وسيره إلى بلاد الشام فدفنه بالمغارة
عند أبيه إسحاق وجده الخليل عليهم السلام.
وعند أهل الكتاب: أن عمر يعقوب يوم دخل مصر مائة وثلاثون سنة.
وعندهم: أنه أقام بأرض مصر سبع عشرة سنة، ومع هذا قالوا: فكان جميع عمره مائة
وأربعين سنة. هذا نص كتابهم، وهو غلط إما في النسخة أو منهم أو قد أسقطوا الكسر،
وليس بعادتهم فيما هو أكثر من هذا فكيف يستعملون هذه الطريقة هاهنا، وقد قال
تعالى، في كتابه العزيز: {أَمْ
كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا
تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٣]. فوصى بنيه بالإخلاص، وهو دين الإسلام الذي بعث الله به الأنبياء
-عليهم السلام.
وقد ذكر أهل الكتاب: أنه أوصى بنيه واحدا واحدا، وأخبرهم بما يكون من
أمرهم، وبشر يهوذا بخروج نبي عظيم من نسله تطيعه الشعوب، وهو عيسى ابن مريم، والله
أعلم.
وذكروا أنه لما مات يعقوب بكى عليه أهل مصر سبعين يوما، وأمر يوسف
الأطباء فطيبوه بطيب، ومكث فيه أربعين يوما، ثم استأذن يوسف ملك مصر في الخروج مع
أبيه ليدفنه عند أهله، فأذن له وخرج معه أكابر مصر وشيوخها، فلما وصلوا حبرون
دفنوه في المغارة التي كان اشتراها إبراهيم الخليل من عفرون بن صخر الحيثي، وعملوا
له عزاء سبعة أيام.
قالوا: ثم رجعوا إلى بلادهم، وعزى إخوة يوسف ليوسف في أبيهم، وترققوا
له فأكرمهم وأحسن منقلبهم، فأقاموا ببلاد مصر، ثم حضرت يوسف عليه السلام، الوفاة
فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه، فحنطوه ووضعوه في تابوت
فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلام، فدفنه عند آبائه، كما سيأتي.
قالوا: فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين. هذا نصهم فيما رأيته وفيما
حكاه ابن جرير أيضا.
وقال مبارك بن فضالة عن الحسن ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة
سنة، وغاب عن أبيه ثمانين سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة، ومات وهو ابن مائة
سنة وعشرين سنة.
وقال غيره: أوصى إلى أخيه يهوذا. صلوات الله وسلامه عليه وعلى الأنبياء
أجمعين.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: