شرح حديث / من حلف على يمين بملة غير الإسلام
كتاب الأمور المنهي
عنها
باب: تحريم لَعْن إنسان بعَينه
أَوْ دابة
شرح
حديث / من حلف على يمين بملة غير الإسلام
أحاديث رياض الصالحين: كتاب الأمور المنهي عنها باب: تحريم
لَعْن إنسان بعَينه أَوْ دابة
١٥٥٩ - عن أَبي زيْدٍ ثابتِ بنِ الضَّحاكِ الأنصاريِّ -رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ- وَهُوَ من أهْل بيْعةِ الرِّضوانِ قَالَ: قَالَ رسُولُ
اللَّهِ ﷺ: «مَنْ
حَلَف عَلي يمِينٍ بِملَّةٍ غيْرٍ الإسْلامِ كاذِبًا مُتَعَمِّدًا، فهُو كَما قَالَ، ومنْ قَتَل نَفسهُ بشيءٍ، عُذِّب بِهِ
يوْم القِيامةِ، وَليْس عَلَى رجُلٍ نَذْرٌ فِيما لا
يَملِكهُ، ولعنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» متفقٌ عَلَيْهِ.
الشرح:
قال
المؤلف -رحمه الله- في كتابه (رياض الصالحين) باب تحريم لعن المعين من آدمي أو
دابة.
اللعن
معناه: الطرد والإبعاد عن -رحمة الله- فإذا قلت: اللهم العن فلانا، فإنك تعني أن
الله يبعده ويطرده عن رحمته -والعياذ بالله.
ولهذا
كان لعن المعين من كبائر الذنوب، يعني: لا يجوز أن تلعن إنسانا بعينه، فتقول:
اللهم العن فلانا أو تقول: لعنه الله عليك، أو ما أشبه ذلك حتى لو كان كافرا وهو
حي فإنه لا يجوز أن تلعنه، لأن النبي ﷺ
لما صار يقول: اللهم العن فلانا، اللهم العن فلانا. يعينهم قال الله له: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ
شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}
[ال عمران: ١٢٨]، ومن الناس من تأخذه الغيرة فيلعن الرجل المعين إذا كان كافرا
وهذا لا يجوز، لأنك لا تدري لعل الله أن يهديه وكم من إنسان كان من أشد الناس
عداوة للمسلمين والإسلام هداه الله وصار من خيار عباد الله المؤمنين، ونضرب لهذا
مثلا: عمر بن الخطاب الرجل الثاني بعد أبي بكر في هذه الأمة، كان من الد أعداء
الإسلام ففتح الله عليه فأسلم، خالد بن الوليد كان يقاتل المسلمين في غزوة أحد وهو
من جملة من كر عليهم وداهمهم، عكرمة بن أبي جهل، وغيرهم من كبار الصحابة الذين
كانوا من أول الد أعداء المسلمين فهداهم الله -عز وجل.
ولهذا قال: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ
يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} أما إذا مات الإنسان على
الكفر وعلمنا أنه مات كافرا فلا بأس أن نلعنه لأنه ميؤوس من هدايته -والعياذ
بالله- لأنه مات على الكفر.
ولكن ما الذي نستفيده من لعنه ربما يدخل هذا -أعني: لعنه- في قول
النبي ﷺ: «لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا» ونحن نقول لهذا الرجل
الذي يلعن الكافر أو الذي مات على الكفر نقول: إن لعنك إياه لا فائدة منه في
الواقع، لأنه قد استحق الطرد والإبعاد عن رحمة الله، فليس من أهل رحمة الله أبدا،
بل هو من أصحاب النار هم فيها خالدون، وكذلك أيضا البهائم لا يجوز أن تلعن
البهيمة: البعير، الحمار، بقرة، شاة، لا يجوز أن تلعنه، وسيأتي إن شاء الله في
الأحاديث ما يبين حكم ذلك.
ثم ذكر المؤلف حديث أبي زيد ثابت رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «من
حلف على يمين بملة غير الإسلام وهو فيها كاذب متعمدا فهم كما قال».
مثال ذلك إذا قال الإنسان: هو يهودي أو نصراني إن كان كذا وكذا وكان
الأمر على خلاف ما يقول فإنه كما قال، يعني: أنه يهودي أو نصراني -نسأل الله
العافية- مثال هذا أخبرنا رجل جاء إلينا، وقال: إنه قدم فلان أمس قلنا: ما هو صحيح
قال: هو يهودي إن كان ما قدم فتبين أنه لم يقدم والرجل قال: هو يهودي متعمدا، فبين
الرسول ﷺ أنه كما قال عن نفسه، أي: أنه يصير يهوديا أو نصرانيا وهذا يدل على
أن الحلف بمله غير الإسلام كاذبا متعمدا من كبائر الذنوب، فإن كان غير كاذب بأن
كان صادقا فإنه لا يلحقه هذا الوعيد، لكننا نقول له: إذا كنت حالفا فاحلف بالله
كما قال الرسول ﷺ: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت» وكذلك إن كان قال ذلك: غير
متعمد بأن يظن أن الأمر كذلك، وتبين أن الأمر على خلاف ما اعتقد فإنه لا يدخل في
هذا الوعيد.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الإنسان إذا حلف بالله على شيء معتقدا أنه
كما حلف ثم تبين أنه على خلاف اعتقاده فإنه لا إثم عليه ولا كفارة عليه، مثال ذلك:
لو قال: فلان سيقدم غدا متأكد يقول: إني متأكد والله ليقدمن غدا، قال ذلك: بناء
على ظنه ثم لم يقدم فلا كفارة عليه لأنه حلف على ظنه غير متعمد، ولذلك أقر النبي ﷺ الرجل
الذي قال: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منه يعني: ما بين لابتي المدينة أهل
بيت أفقر منه، مع أن هذا الرجل لم يأت على كل البيوت يفتش فيها، لكن حلف على غالب
ظنه، فأقره النبي ﷺ على ذلك.
وقوله: «ومن قتل
نفسه بشيء عذب به في جهنم» يعني: إذا قتل الإنسان نفسه بشيء فإنه يعذب به في جهنم.
رجل أكل سما ليموت فمات فإنه يتحسى هذا السم في جهنم خالدا مخلدا فيها -والعياذ
بالله-، صعد إلى السقف فأسقط نفسه حتى هلك فإنه يعذب بمثل ذلك في جهنم، قتل نفسه
بسكين فإنه يعذب بها في جهنم، قتل نفسه بعصاة فإنه يعذب بها في جهنم، قتل نفسه
بقنابل فإنه يعذب بها في جهنم، ومن ذلك فعل بعض الناس الذين ينتحرون يلبس الإنسان
قنابل يحزمها على بطنه ثم يذهب إلى فئة من العدو ويطلقها فيكون هو أول من يموت هذا
يعتبر قاتلا لنفسه، ويعذب بما قتل به نفسه في جهنم -والعياذ بالله- وهؤلاء يطلقون
على أنفسهم الفدائيين، ولكنهم قتلوا أنفسهم فيعذبون في نار جهنم بما قتلوا به
أنفسهم وليسوا بشهداء لأنهم فعلوا فعلا محرما، والشهيد هو الذي يتقرب إلى الله
تعالى، بفعل ما أمره الله به لا بفعل ما نهاه عنه والله عز وجل، يقول: {وَلَا
تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:
٢٩]، ويقول: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ١٩٥]، لكننا نقول
هؤلاء الذين نسمع عنهم يفعلون ذلك: نرجو الا يعذبوا لأنهم جاهلون متأولون، لكنهم
ليس لهم أجر وليسوا بشهداء لأنهم فعلوا ما لم يأذن به الله بل ما نهى الله عنه.
فإن قال قائل: اليس الصحابة يغامرون فيدخلون صف الأعداء من الروم
وغير الروم، قلنا: بلى، لكن هل هذا قتل لأنفسهم، ليس بقتل صحيح أنهم على خطر، لكن
فيه احتمال النجاة ولهذا يدخلون صفوف الروم فيقتلون من شاء الله ثم يرجعون إلى
الجيش، وكذلك ما فعله البراء بن مالك -رضي الله عنه- في وقعة اليمامة فإنهم لما
وصلوا إلى حائط مسيلمة الكذاب وجدوا الباب مغلقا ولم يتمكنوا من دخوله وكان البراء
بن مالك -رضي الله عنه- أخا أنس بن مالك كان شجاعا فطلب من الجيش أن يلقوه من وراء
الجدار ليفتح لهم الباب، فالقوه من وراء الجدار من أجل أن يفتح لهم الباب ففعلوا
حتى يدخلوا على مسيلمة الكذاب وفعلا فتح لهم الباب ونجا، فلا يمكن أن نستدل بمثل
هذه الوقائع على جواز الانتحار الذي يفعله هؤلاء من سلطان، ولكن نقول: نرجو من
الله عز وجل، أن لا يأخذهم بما صنعوا لأنهم صنعوا ذلك عن جهل وحسن نية فمن قتل
نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم، واعلم أنه قد ورد فيمن قتل نفسه بشيء أنه
يعذب به في جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا فذكر التأبيد فهل يعني ذلك: أنه كافر؟ لأنه
لا يستحق الخلود المؤبد إلا الكفار. الجواب: لا، ليس بكافر؟ بل يغسل ويكفن ويصلى
عليه ويدعى له بالمغفرة كما فعل النبي ﷺ في الرجل
الذي قتل نفسه بمشاقص؟ فقدم إلى الرسول ﷺ ليصلي عليه، لكنه لم يصل عليه، وقال: «صلوا عليه» فصلوا عليه بأمر
الرسول ﷺ وهذا يدل على أنه ليس بكافر وحينئذ لا يستحق الخلود المؤبد.
فما ذكر في الحديث من ذكر التأبيد وإن كانت اللفظة محفوظة عن النبي ﷺ فالمراد
شدة التهديد والتنفير من هذا العمل؟ وإلا فليس بكافر.
وقوله ﷺ: «وليس على
رجل نذر فيما لا يملكه» يعني: الإنسان ليس عليه نذر فيما لا يملك، فلو نذر، قال:
لله على نذر أن أتصدق بمال فلان - فهذا لغو ولا ينعقد النذر لأن مال فلان ليس ملكا
له وليعلم أن النذر مكروه، نهى عنه النبي ﷺ نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء وإنما يستخرج به
من البخيل. وكثير من الناس يكون عنده مريض أو يضيع له مال فينذر إن شفى الله مريضه
أن يصوم أو يحج أو يتصدق أو يعتمر أو يفعل شيئا من الطاعات ثم إذا قدر الله الشفاء
ذهب يسأل العلماء يريد أن يتخلص مما نذر وربما يكسل ويترك ما نذر وهذا خطر، خطر
عظيم إذا نذرت لله تعالى، شيئا على شيء يحققه الله لك ثم تحقق فلم توف فإن هذا خطر
عظيم يؤكده قوله تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ
لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة:
٧٥]، فلما آتاهم من فضله بخلوا به فلم يتصدقوا {وَتَوَلَّوا
وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [التوبة: ٧٦]، فلم يكونوا من الصالحين {فَأَعْقَبَهُمْ
نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ
مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}
[التوبة: ٧٧] يعني: القى الله في قلوبهم النفاق إلى الموت -والعياذ بالله- وهذا
وعيد شديد ولذلك نهى النبي ﷺ عن النذر لأن الإنسان يوجب على نفسه ما هو في غنى عنه وما هو في سعة
منه وإذا أردت أن يشفي الله مريضك أو أن يرد مالك فاسأل الله: اللهم اشف مريضي،
اللهم رد على مالي، ليس هناك طريق يعني: لم تنسد الطرق إلا بالنذر وعلى كل حال قال
أهل العلم رحمهم الله: إن النذر أقسام:
النذر الأول: نذر الطاعة أن ينذر الإنسان أن يصلي أو يصوم أو يتصدق
أو يحج أو يعتمر فهذا يجب الوفاء به لقول النبي ﷺ: «من نذر
أن يطيع الله فليطعه» وسواء كان معلقا على شرط أو غير معلق.
النذر الثاني: نذر المعصية فهذا لا يجوز الوفاء به مثل أن ينذر
الإنسان أن لا يكلم فلانا وفلانا من المؤمنين الذين لا يهجرون، لكن صارت بينه
وبينه عداوة يعني: سوء تفاهم قال: لله علي نذر ما أكلم فلانا أو لله علي نذر ما
أزور أخي قريبي أو ما أشبه ذلك هذه معصية، حرام ولا يجوز الوفاء بهذا النذر لقول
النبي ﷺ: «من نذر
أن يعصي الله فلا يعصه» ولكن ماذا يكون يجب عليه أن يكفر كفارة اليمين.
النذر الثالث: ما يسمى عند العلماء بنذر اللجاج والغضب وهو الذي يقصد
به الإنسان المنع أو الحث أو التصديق أو التكذيب مثل أن يقول: لله علي نذر أن لا
أفعل كذا وكذا يحملها على ذلك أنه يريد الامتناع ما أراد النذر، لكن أراد معنى النذر
فهذا يخير بين فعله إن كان فعلا أو تركه إن كان تركا وبين كفارة اليمين، مثاله أن
يقول: لله علي نذر لا البس هذا الثوب. نقول: أنت الآن بالخيار إن شئت تلبسه وكفر
كفارة اليمين، وإن شئت لا تلبسه ولا كفارة عليك.
النذر الرابع: النذر المطلق يعني: ليس في شيء محدد قال الإنسان: لله
على نذر فقط فهذا عليه كفارة يمين لقول النبي ﷺ: «كفارة
النذر إذا لم يسم كفارة يمين» والحاصل أنه لا ينبغي للإنسان أن ينذر الخير يأتي
دون نذر، والقضاء لا يرد بالنذر كما قال النبي ﷺ: «إنه لا
يأتي بخير ولا يرد قضاء» وكم من أناس الآن يسألون يقول مثلا بعضهم: نذرت إن شفى
الله مريضي لأصومن شهرين متتابعين نقول: من حثك على هذا إن شفى الله مريضه لزمه أن
يصوم شهرين متتابعين، بعض الناس يقول: نذرت إن شفى الله مريضي أن أذبح سبعا من
الإبل -أعوذ بالله- إن شف الله مريضه لزمه أن يذبح سبعا من الإبل ويتصدق بها ولا
يأكل منها شيئا، نذر إن رد الله غائبه فإنه يذبح شاة ما الداعي، لكن لو رد الله
غائبه وجب عليه أن يذبح شاة ويتصدق بها ولا يأكل منها شيئا فاترك النذر، لكن إذا
نذرت طاعة وجب عليك أن تفي بما نذرت.
وقوله ﷺ: «ولعن المؤمن كقتله» يعني: إذا قلت للمؤمن: لعنك الله فكأنما قتلته
لأن اللعن هو الطرد والإبعاد عن -رحمة الله- ومن طرد وأبعد عن -رحمة الله- صار
كالمقتول الذي عدم الحياة الدنيا فإن ذلك المطرود المبعد عن -رحمة الله- حرم حياة
الآخرة والقتل يحرم به المقتول من الحياة الدنيا واعلم أن لعن المؤمن من كبائر
الذنوب وأنه لا يحل وأن من لعن مؤمنا فإن اللعنة تذهب إلى الملعون إن كان أهلا لها
فقد استحقها وإن لم يكن أهلا لها رجعت إلى قائلها -والعياذ بالله- فصار هو الملعون
المطرود عن -رحمة الله. والله الموفق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: