كتاب الأمور المنهي عنها: باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه
شرح العلامة الشيخ عبد
العزيز بن عبد الله بن باز
شرح حديث/
من حدث عني بحديث يرى أنه كذب
أحاديث رياض الصالحين: كتاب الأمور المنهي عنها باب: الحثَّ عَلَى التثُّبت فيما يقوله ويحكيه.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦]، وقال تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨].
١٥٥٥
- وعنْ أَبي هُريْرة -رَضِيَ اللَّه عنْه- أنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: «كَفَى بالمَرءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سمعِ»
رواه مسلم.
١٥٥٦
- وعن سمُرة -رَضِيَ اللَّه عنْه- قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: «منْ
حدَّث عنِّي بِحَدِيثٍ يرَى أنَّهُ كذِبٌ، فَهُو أحدُ الكَاذِبين» رواه
مسلم.
١٥٥٧
- وعنْ أسماءَ -رَضِيَ اللَّه عنْها- أنَّ امْرأة قالَتْ: يَا رَسُول اللَّه إنَّ
لِي ضرَّةَ فهل علَيَّ جناحٌ إنْ تَشبعْتُ مِنْ زَوْجِي غيْرَ الَّذِي يُعطِيني؟
فَقَالَ النبيُّ ﷺ:
«المُتشبِّعُ بِما لَمْ يُعْطَ كَلابِس ثَوْبَي زُورٍ»
متفقٌ عليه.
المتشبع: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان، ومعناها هنا: أنه يظهر أنه
حصل له فضيلة وليست حاصلة. «ولابس ثوبي زور» أي: ذي زور، وهو الذي يزور على الناس،
بأن يتزي بزي أهل الزهد أو العلم أو الثروة، ليغتر به الناس وليس هو بتلك الصفة،
وقيل غير ذلك. والله أعلم.
الشيخ:
الحمد لله، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى
آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: ففي هذه الآيات والأحاديث التحذير من
التساهل بالكلام، وأن الواجب التثبت وأن لا يقول إلا عن بصيرة حتى لا يقع في
الكذب، أو في الغيبة والنميمة، أو في غير ذلك مما حرمه الله، الواجب التثبت في
الكلام حتى لا ينطق إلا عن بصيرة، وتقدم قوله ﷺ: «من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»، ويقول جل وعلا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
[ق: ١٨]،
فألفاظك يا ابن آدم مراقبة ومكتوبة عليك خيرها وشرها، فالواجب التثبت فيها حتى لا
تقول: إلا خيرا.
وهكذا قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}
[الإسراء: ٣٦]
فأنت مسؤول عما تراه وعما تسمعه وعما تقوله وعما يعتقده قلبك، فالواجب على المكلف
الحذر وأن يكون كلامه موزونا ومضبوطا وعن بصيرة.
وفي حديث أبي هريرة يقول ﷺ: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث
بكل ما سمع» يكفيه أن يوصف بالكذب كونه ما يبالي كل ما سمعه حدث به صار كذا وجرى
كذا وجرى كذا وفيه الشيء الكثير الكذب، فيكون حكى الكذب، وأقر الكذب فيكون كاذبا،
فينبغي له أن ينتقي وأن لا يتحدث إلا بالشيء الذي يرى أنه صواب وأنه طيب وأنه
نافع، لا يحدث بكل ما سمع «بئس مطية الرجل زعموا»
الإنسان يتثبت ويتأمل حتى لا يتكلم إلا عن بصيرة، هكذا المؤمن، وقد ذم الله من
يذيع القول على غير بصيرة، فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، قال الله سبحانه في ذم
من فعل هذا: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ
الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} يعني: لم يبالوا ولم يتثبتوا حتى
يردوه إلى من يستنبطه ويعرف طيبه من خبيثه، فالحاصل على المؤمن التثبت، الواجب
عليه التثبت والحذر أن يتكلم بشيء يضره ولا ينفعه أو يضر غيره.
وهكذا قوله ﷺ: «من
حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» ضبط يَرى بالفتح يعني: يعلم،
وضبط بالضم يُرى يعني: يظن وهو أبلغ، وهو يُرى يعني: يظن أنه كذب فهو أحد الكاذبين
روي بالجمع ويروي بالمثنى الكاذبين، وبكل حال هذا ذم وعيب لمن لا يتثبت، الواجب
متى ظن أن الحديث كذبا أو علمه كذبا لا يحدث به إلا مبينا كذبه، يقول: هذا كذب غير
صحيح، أما يتكلم ويسكت فهو أحد الكاذبين.
وسألته امرأة قالت: يا رسول الله هل على من بأس
إذا قلت في حق جارتي ما لا يقع من زوجي أنه أعطاني كذا وأعطاني كذا، فقال ﷺ: «المتشبع
بما لم يعط كلابس ثوبي زور» كإنسان لبس ثوبي زور كذب، يعني: ثوبي كذب،
المعنى كالذي يزور مرتين يكذب مرتين ومعلوم ما يترتب على قولها أن زوجها أعطاها
كذا وأعطاها كذا من الشر، فإن الزوجة الثانية تطالبه تقول: أعطيت فلانة وما
أعطيتني، فيقع الشجار بين الرجل وأهله، والفتنة كون المرأة لها ضرة تدعي أشياء
أنها أعطاها زوجها كذا وهي تكذب، هذا يضر زوجها ويضر زوجتها ويضرها أيضا، قد يكون
سببا لطلاقها، فالواجب الصدق وأن لا تتشبع بما لا تعطى وأن لا تدعي كذبا تضر زوجها
وتسبب المشكلات بينه وبين زوجته الأخرى، نسأل الله للجميع الهداية.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
