شرح حديث / أتدرون ما الغيبة
كتاب الأمور المنهي
عنها: باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
شرح حديث / أتدرون ما الغيبة
أحاديث رياض الصالحين: كتاب الأمور
المنهي عنها: باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان
١٥٣٠ -
وعنْ مُعاذ -رضي اللَّه عنهُ- قَالَ:
قُلْتُ يَا رسُول اللَّهِ أخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّة، ويُبَاعِدُني
عن النَّارِ؟ قَال: «لَقدْ سَأَلْتَ عنْ عَظِيمٍ،
وإنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلي منْ يَسَّرَهُ اللَّه تَعَالى علَيهِ: تَعْبُد اللَّه لاَ
تُشْركُ بِهِ شَيْئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتي الزَّكَاةَ، وتصُومُ رمضَانَ
وتَحُجُّ البَيْتَ إن استطعت إِلَيْهِ سَبِيْلًا»، ثُمَّ قَال: «الاَ أدُلُّك عَلي أبْوابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ.
الصَّدَقةٌ تطْفِيءُ الخَطِيئة كما يُطْفِيءُ المَاءُ النَّار، وصلاةُ الرَّجُلِ
منْ جوْفِ اللَّيْلِ»، ثُمَّ تَلا: {تَتَجَافَى
جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتَّى
بلَغَ {يَعْمَلُونَ}
[السجدة: ١٦-١٧].
ثُمَّ قَالَ: «الا أُخْبِرُكَ بِرَأسِ الأمْرِ،
وعمودِهِ، وذِرْوةِ سَنامِهِ» قُلتُ: بَلي يَا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «رأْسُ الأمْرِ الإسْلامُ، وعَمُودُهُ الصَّلاةُ. وذروةُ
سنامِهِ الجِهَادُ» ثُمَّ قَالَ: «الاَ
أُخْبِرُكَ بمِلاكِ ذلكَ كُلِّهِ؟» قُلْتُ: بَلي يَا رسُولَ اللَّهِ.
فَأَخذَ بِلِسَانِهِ قالَ: «كُفَّ علَيْكَ هَذَا».
قُلْتُ: يَا رسُولَ اللَّهِ وإنَّا لمُؤَاخَذون بمَا نَتَكلَّمُ بِهِ؟ فقَال: «ثَكِلتْكَ أُمُّكَ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ
عَلَى وَجُوهِهِم إلاَّ حصَائِدُ الْسِنَتِهِمْ؟».
رواه
الترمذي وقال: حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد سبق شرحه.
١٥٣١ - وعنْ أبي هُرَيرةَ -رضي اللَّه عنهُ- أنَّ رسُول اللَّه ﷺ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا
الغِيبةُ؟» قَالُوا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «ذِكرُكَ أَخَاكَ بِما يكْرَهُ». قِيل: أَفرأيْتَ إنْ
كَانَ في أخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إنْ كانَ فِيهِ
مَا تقُولُ فَقَدِ اغْتَبْته، وإنْ لَمْ يكُن فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بهتَّهُ».
رواه مسلم.
الشرح:
في
حديث معاذ الطويل قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟
سؤال عظيم! فقال له النبي ﷺ:
«لقد سألت عن عظيم، وأنه ليسير على من يسره الله عليه»
أعمال الجنة يسيرة على من كتب الله له السعادة ويسرها عليه، شديدة على أهل البطالة
ومن كتب عليهم الشقاء -نسأل الله العافية.
ثم
قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا» هذا أصل
الدين: و{َمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: ٥] هذا أصل الدين: تعبد
الله ولا تشرك به شيئا، صلاتك وذبحك وصدقاتك وصومك وغير ذلك كله لله وحده، تعبد
الله وحده في كل العبادات: من صلاة، من صوم، من دعاء، من استغاثة، من نذر، من ذبح،
من غير ذلك، كله لله وحده، لا تعبد معه غيره سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ
أَحَدًا} [الجن: ١٨]،
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]، {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ
الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: ٣].
ثم
قال: «وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت» هذه أركان الإسلام:
الأول: التوحيد مع شهادة أن محمدا رسول الله، ثم الصلاة والزكاة والصيام والحج،
هذه أركانه الظاهرة، أركان الإسلام الظاهرة هي هذه.
ثم
قال: «الا أدلك على أبواب الخير» يعني: الا
أرشدك إلى أبواب من أبواب الخير الصوم جنة يعني: جنة من النار، من صان صيامه وتحفظ
في صيامه فهو من أسباب دخوله الجنة ونجاته من النار، الصوم جنة، في الحديث الصحيح:
الصيام جنة كجنة أحدكم من النار كجنته من القتال يعني: إذا استقام عليه وصانه
والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار يعني: من أسباب تكفير السيئات الصدقات،
يمحو الله بها السيئات {إِنَّ الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤]، وصلاة الرجل
في جوف الليل كذلك يمحو الله بها السيئات من أسباب تكفير السيئات التهجد بالليل،
يرجو ما عند الله، يتقرب إليه بأنواع العبادة من ذكر ودعاء وصلاة وغير ذلك.
ثم
تلا النبي ﷺ
قوله تعالى في حق: {المؤمنين تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ
عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٦-١٧]، هذه من أوصاف
عباد الله المؤمنين {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضَاجِعِ} في الليل يقومون للتهجد لأداء سنة الليل التهجد والوتر {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} مع العبادة
والصدق هم يخافون الله ويطمعون في ثوابه فيتعبدون رجاء وخوفا لا رياء ولا سمعة ولا
عجبا ومنة ولكن عن خوف، عن رجاء، وعن إخلاص، وعن صدق، وعن خشوع لله، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} مع الصدقات
والإحسان بزكاة المال وغيرها {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ
مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} يعني: من أنواع النعيم كما أخفوا
عبادتهم بينهم وبين الله وتهجدوا بالليل سرا بينهم وبين ربهم، فالله -جل وعلا- أعد
لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما في الحديث الصحيح يقول
النبي ﷺ:
«يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين في الجنة
ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»، واقرؤوا إن شئتم قوله
تعالى: {تَتَجَافَى} الآية [السجدة: ١٦] أعد لخواص
عباده المؤمنين من أنواع النعيم ما لم تره عينين ولم تسمعه أذن ولم يخطر على قلب
بشر من عظم النعيم وما فيه من أنواع اللذة والخير.
ثم
قال -عليه الصلاة والسلام-: «الا أخبرك برأس الأمر
وعموده وذروه سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: «رأس الأمر الإسلام» يعني: الشهادتين، رأس الأمر
الإسلام يعبر بالإسلام عن الشهادتين وعن أركانه الخمسة وعن جميع الدين يقال له
إسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}
[آل عمران: ١٩]
وتسمى الشهادتان تسمى الإسلام لأنها أصل الإسلام وأساسه وعموده الصلاة يعني: أعظم
العمد بعد الشهادتين الصلاة وإلا الزكاة من عمده، والصيام في رمضان من عمده، والحج
من عمده، لكن أعظم العمد وأفرضها وأوجبها بعد الشهادتين الصلاة، «وذروه سنامه» الجهاد في سبيل الله، أعلاه الجهاد لأن
به يرفع الإسلام وبه يكثر أهله وبه ينصر أهله.
ثم
قال ﷺ:
«الا أخبرك بملاك ذلك كله» يعني: بما يملك
عليك هذا الخير ويحفظه عليك؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: «كف عليك هذا وأشار إلى لسانه» قلت: يا رسول الله
وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال ﷺ: «ثكلتك أمك يا معاذ» كلمة يقولها العرب ثكلتك يعني:
فقدتك عند الإنكار «وهل يكب الناس في النار على
وجوههم -أو قال- على مناخرهم إلا حصائد السنتهم» فالذي يحفظ عليه هذا الخير
ويملك عليه هذا الخير بتوفيق الله أن يحرص على حفظ لسانه، فرب كلمة أهلكته وأوبقت
دنياه وآخرته وهلك بها جميع ما عمل وبطل بها جميع ما عمل كما في الحديث الصحيح يقول
ﷺ:
«إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها
بالا يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»، وفي اللفظ الآخر: «يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه» فالواجب الحذر
من زلات اللسان وأخطاره.
وفي الحديث الأخر عن
أبي
هريرة، يقول ﷺ:
«أتدرون ما الغيبة؟» يسأل الصحابة، قالوا:
الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره»
بخيل جبان قطوع عاق غير ذلك، قيل: يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول، قال: «إن كان فيه فقد اغتبته» هذه الغيبة «وإن لم يكن فيه فقد بهته» يعني: ظلمته أشد من
الغيبة، ظلمته بشيء ما هو فيه، فإذا قال: فلان بخيل وهو ما هو بخيل فقد ظلمه
وبهته، فإن كان بخيلا فقد اغتابه، وأيش الداعي لذكره بهذه الصفة تذمه، أو قال: أنه
قاطع رحم، أو قال: عاق لوالديه، أو قال: يشرب الخمر، أو قال كذا أو قال كذا من
المعاصي الخفية هذه الغيبة.
أما
المعاصي المعلنة التي أعلنها هو مثل: يشرب الخمر في المجالس وفي القواهي ما يبالي،
هذا قد فضح نفسه، ما له غيبة في هذا الشيء، كذلك سباب لعان في المجالس إذا اغتيب
بهذا ما هي بغيبة لأن هو الذي أعلنه، هو الذي فضح نفسه، يتكاسل عن الصلاة لا يحضر
الصلاة في الجماعة إذا قيل أنه يتخلف عن الصلاة هو الذي فضح نفسه ما له غيبة،
ولهذا لما مر على النبي ﷺ
بجنازة أثنوا عليها شرا قال: «وجبت لها النار»،
ثم مر بأخرى فأثنوا عليا خيرا قال: «وجبت له الجنة»
فسئل -عليه الصلاة والسلام- قال: «أنتم شهداء الله في
الأرض هذه أثنيتم عليها شرا فوجبت لها النار وهذه أثنيتم عليها خيرا فوجبت لها
الجنة»، فإذا أثنى الأخيار على الرجل فهي علامة سعادته، وإذا ذموه فهي
علامة هلاكه لإظهاره المعاصي لأنهم إنما يذمون بما أظهره من المعاصي وإنما يمدحونه
بما أظهره من الطاعات.
فالواجب
على المؤمن أن يحذر وإذا عصى ربه فيستتر بستر الله لا يفضح نفسه، يتقي الله ويتوب
إلى الله ولا يفضح نفسه، يقول النبي ﷺ: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين» المجاهرين بالمعاصي قد
فضحوا أنفسهم أما من خافها فهو حري بأن يتوب، حري بأن يندم عنده حياء، حري بأن
يبادر بالتوبة، لكن من لا يبالي ويجاهر بالمعاصي فهذا بعيد من التوبة، بعيد من الحياء
قريب من الخطر والهلاك، نسأل الله العافية.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: