باب كرامات الأولياء وفضلهم

باب كرامات الأولياء وفضلهم
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث

 كتاب الدعوات: باب كرامات الأولياء وفضلهم

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

باب – كرامات – الأولياء - وفضلهم

باب كرامات الأولياء وفضلهم


أحاديث رياض الصالحين: باب كرامات الأولياء وفضلهم

 

قَالَ الله تَعَالَى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: ٦٢-٦٤]، وقال تَعَالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي} [مريم: ٢٥-٢٦]، وقال تَعَالَى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: ٣٧]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: ١٦-١٧].

 

الشرح:

قال المؤلف النووي رحمه الله تعالى، في كتابه (رياض الصاحين) باب كرامات الأولياء وفضلهم:

وقد أخذ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من هذه الآية عبارة قال فيها: من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا فيقول الله -عز وجل- إن هؤلاء الأولياء: {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} لا خوف عليهم لما يستقبل من أمرهم ولا هم يحزنون على ما مضى من أمرهم لأنهم أدركوا معنى الحياة الدنيا فعملوا عملا صالحا وآمنوا بالله واتقوه فصاروا من أوليائه، ثم قال: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} البشرى تعني: البشارة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والبشارة في الحياة الدنيا أنواع فمنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له أحد يراها له يعني: يرى في المنام ما يسره أو يرى له أحد من أهل الصلاح ما يسره مثل أن يرى أنه يبشر بالجنة أو يرى أحد من الناس أنه من أهل الجنة أو ما أشبه ذلك أو يرى على هيئة صالحة، المهم أن النبي قال في الرؤيا الصالحة: يراها أو ترى له تلك عاجل بشرى المؤمن، ومنها إن الإنسان يسر في الطاعة، ويفرح بها وتكون قرة عينه، فإن هذا يدل على أنه من أولياء الله.

 

قال النبي : من سرته حسنته، وساءته سيئته فذلك المؤمن، فإذا رأيت من نفسك أن صدرك ينشرح بالطاعة، وأنه يضيق بالمعصية فهذه بشرى لك، أنك من عباد الله المؤمنين ومن أوليائه المتقين، ولهذا قال النبي : وجعلت قرة عيني في الصلاة، ومن ذلك أيضا أن أهل الخير يثنون عليه ويحبونه ويذكرونه بالخير، فإذا رأيت أن أهل الخير يحبونك ويثنون عليك بالخير، فهذه بشرى للإنسان أنه يثنى عليه من أهل الخير، ولا عبرة بثناء أهل الشر ولا قدحهم، لأنهم لا ميزان لهم ولا تقبل شهادتهم عند الله، لكن أهل الخير إذا رأيتهم يثنون عليك وأنهم يذكرونك بالخير ويقتربون منك ويتجهون إليك فاعلم أن هذه بشرى من الله لك.

 

ومن البشرى في الحياة الدنيا، ما يبشر به العبد عند فراق الدنيا، حيث تتنزل عليه الملائكة: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [فصلت: ٢٠-٣٢]، ومن البشارة أيضا أن الإنسان عند موته بشارة أخرى، فيقال لنفسه: اخرجي أيتها النفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب، اخرجي إلى رحمة من الله ورضوان، فتفرح وتسر.

 

ومن ذلك أيضا البشارة في القبر، فإن الإنسان إذا سئل عن ربه ودينه ونبيه وأجاب بالحق، ناد مناد من السماء أن صدق عبدي؛ فافرشوه من الجنة، والبسوه من الجنة وافتحوا له بابا من الجنة.

 

ومنها أيضا البشارة في الحشر، تتلقاهم الملائكة: {هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: ١٠٣] و{وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: ٣٠]، المهم أن أولياء الله لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم-: {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس:٦٤] يعني: لا أحد يبدل كلمات الله تعالى، أما الكونية فلا يستطيع أحد أن يبدلها وأما الشرعية فقد يحرفها أهل الباطل، كما فعل اليهود والنصارى في كتبهم حرفوها وبدلوها وغيروها، وأما الكلمات الكونية فلا أحد يبدلها: {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

 

والكرامات هنا معناها هي كل أمر خارق للعادة يظهره الله -سبحانه وتعالى- على يد متبعي الرسول هذه الكرامة يعني: أمر غير معتاد يظهره الله على يد متبع الرسول إما تكريما له وإما نصرة للحق وهي ثابتة أعني: الكرامات ثابتة بالكتاب والسنة والواقع ولكن من هم الأولياء؟ الأولياء هم من بينهم الله في قوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} جمعوا بين الإيمان والتقوى وليس أولياء الله الذين يدعون أنهم أولياءه وهم من أعدائه كما يفعل في بعض البلاد يأتي الرجل يدعي أنه ولي وهو عاص فاسق يدعو الناس إلى أن يعبدوه ويطيعوه في كل شيء ويدعي أن الله قد أحل له كل شيء حتى المحرمات أحلها الله له لأنه بلغ الغاية، هؤلاء ليسوا بأولياء الله هؤلاء أعداء الله.

 

ولي الله هو المؤمن التقي كما في هذه الآية الكريمة التي ساقها المؤلف: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} وسوف يذكر المؤلف إن شاء الله الآيات والأحاديث الدالة على ذلك والواقع أيضا، والفرق بين الآية آية النبي ، وكرامة الولي، وشعوذة العدو الفرق بينهم: أن آية النبي أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى، على يد النبي تأييدا له وتصديقا له مثل إحياء عيسى للموتى كان عيسى ابن مريم يحيي الموتى بل يخرجهم من القبور بعد الدفن كما قال الله تعالى: {وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي} [المائدة: ١١٠] فيقف على القبر ويدعو صاحبه فيخرج من قبره حيا، يبرئ الأكمة، والأبرص، يخلق من الطين على صورة الطير يعني: يصنع شيئا على صورة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله يطير من بين يديه كان بالأول طينا فإذا نفخ فيه طار، هذا أيضا من آيات الله إذن فآيات الأنبياء هي أمور خارقة للعادة يظهرها الله تعالى، على أيديهم تأييدا لهم.

 

أما كرامات الأولياء: فهي أمور خارق للعادة، ولكنها لا تكون للأنبياء بل تكون لمتبعي الأنبياء مثل ما حدث لمريم بنت عمران: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: ٢٣-٢٥]، هذه من آيات الله كرامة لمريم، امرأة في المخاض تحت نخلة تهز الجذع وهز الجذع ليس سهلا هز رأس النخلة ممكن لكن هز الجذع صعب تهز الجذع ثم يتساقط الرطب من النخلة جنيا يعني: كأنه مخروط خرطا ما يتفصص إذا نزل في الأرض أو يفسد، هذه آية من آيات الله، كذلك ما حدث لها من الحمل والولادة كلها من آيات الله -عز وجل- كرامة لها، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ٩١].

 

أما الثالث الذي يظهره الله على يد المشعوذين الذين يستخدمون الجن: يظهرها الله -عز وجل- على أيديهم فتنة لهم وفتنة بهم، فإنه يوجد من الناس من يأتي بأشياء خارقة للعادة ولكنه ليس وليا فنقول كرامة، ومعلوم أيضا أنه ليس بنبي لأنه لا نبي بعد محمد إذن فهي من الشياطين.

 

الأمر الرابع: ما يكون خارقا للعادة يظهره الله -سبحانه وتعالى- على يد الكاذب تكذيبا له مثل ما يذكر عن مسيلمة الكذاب مسيلمة رجل ادعى النبوة في آخر حياة النبي وقال: إنه نبي وتبعه من تبعه من الناس، وفي يوم من الأيام أتاه قوم أهل حرب يشكون إليه أن بئرهم قد غار ماؤها ولم يبق فيه إلا القليل فطلبوا منه أن يأتي إلى البئر ويمج فيه من ريقه لعله يعود الماء ففعل فأعطوه ماء فتمضمض به ثم مجه في البئر وكان في البئر شيء من الماء ولما مجه في البئر غار الماء كله ما بقي شيء هذا خارق للعادة ولا شك أنه آية، ولكن الله -سبحانه وتعالى- جعله إهانة لذلك الرجل الكذاب وإظهارا لكذبه، فهذه أربعة أشياء: آية النبي، وكرامة الولي، وشعوذة المشعوذ، وإهانة الكذاب المفتري كلها أمور خارقة للعادة لكنها تختلف بحسب من أظهرها الله على يديه.

 

واعلم أن كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي اتبعه لأن هذا الوالي الذي اتبع هذا النبي إذا أكرم بكرامة فهي شهادة من الله -سبحانه وتعالى- على صحة طريقته وعلى صحة الشرع الذي اتبعه ولهذا نقول: كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي اتبعه.

 

ثم ذكر المؤلف آيات فيها كرامات منها: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، مريم ابنة عمران نذرتها أمها: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ال عمران: ٣٥-٣٧].

 

فزكريا إذا دخل على مريم المحراب أي: مكان صلاتها وجد عندها رزقا أي: وجد عندها طعاما لم تجر العادة بوجوده فيقول: أنى لك هذا ما جاء به قالت: هو من عند الله لم تقل جاء به فلان أو فلان بل هو من عند الله -عز وجل- والله تعالى، على كل شيء قدير يأتي به من عنده لا من سعي البشر ولكنه من عند الله {إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وعندئذ دعا زكريا ربه وكان قد بلغه الكبر ولم يأته أولاد فقال: إن الله على كل شيء قدير، واستدل بقدرة الله الذي جاء بهذا الرزق إلى مريم دون سبب بشري فاستدل بذلك على كمال قدرة الله فدعا ربه أن يأتيه ولدا فجاءه الولد، وفيه أيضا كرامات لذلك فمريم -رضي الله عنها- لها كرامات منها هذه المسالة رزقها يأتيها من عند الله، لا يشترى من السوق ولا يأتي به فلان أو فلان من عند الله، وكذلك ما ذكرناه حين جاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا}، وسبق الكلام على هذا.

 

ومن الكرامات أيضا: ما وقع لأصحاب الكهف، والكهف هو غار فسيح في الجبل، وكان هؤلاء القوم سبعة رجال رأوا ما عليه أهل بلدتهم من الشرك والكفر ولم يرضوا بذلك فاعتزلوا قومهم وهاجروا من بلدهم لأنها بلد شرك وكفر فاعتزلوا قومهم ولجأوا إلى غار، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: ١٣-١٦]، يعني: لما اعتزلوهم وشركهم أمروا أن يأووا إلى الكهف: {ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا} [الكهف: ١٦] فأووا إلى الكهف اذهبوا إلى الكهف، وهذا الكهف كما قلنا هو غار في الجبل ذهبوا إليه هذا الغار وجهه إلى الشمال الشرقي بحيث الشمس ما تدخل عليه لا أول النهار ولا آخره يسره الله لهم لأن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٢٢]، وهؤلاء خرجوا يريدون وجه الله فيسر الله أمرهم، أوووا إلى الكهف والقى الله عليهم النوم، قال الله تعالى مبينا هذا: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} يعني: ما تدخل عليهم الشمس دخولا كاملا فيصيبهم الحر، لكنه تقرضه شيء بسيط يأتيهم من الشمس لكي لا يتبخر الغار فيفسد، يدخل عليه من الشمس بقدر الحاجة فقط: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} أي: في مكان متسع كما جاء في الحديث كلما أتى فجوة أي: شيء متسع هم في مكان متسع في الغار ذلك من آيات الله أن يسر الله لهم هذا المكان لما دخلوا في هذا المكان آمنين متوكلين على الله -عز وجل- مفوضين أمرهم إليه.

 

القى الله عليهم النوم فناموا، كم ناموا يوما. يومين. ثلاثة؟ لا ناموا ثلاثمائة سنة وتسع سنين وهم نائمين ٣٠٩ سنة لا يستيقظون من حر، ولا برد، ولا جوع، ولا عطش هذا من كرامات الله هل يبقى الواحد منا ثلاثة أيام نائما لا يجوع، ولا يعطش، ولا يحتر، ولا يبرد؟ لا هؤلاء بقوا في كهفهم ٣٠٩ سنة: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: ٢٥]، ويقول الله -عز وجل-: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:١٨]، الله -عز وجل- هو الذي يقلبهم لماذا يقلبهم الله -عز وجل- لأن النائم لا فعل له، مرفوع عنه القلم حتى لو فعل لن يتم فعله: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:١٨] عند الباب يحرصهم بإذن الله -عز وجل- وإنما قلبهم الله تعالى، لأنهم لو بقوا هذه المدة الطويلة على جنب واحد لفسد الدم ولم يتحرك لكن يقلبون ذات اليمين وذات الشمال، إذا رآهم الإنسان حسبهم أيقاظا يعني: ليس على وجههم وجه النوم الذي يراهم يقول: هؤلاء أيقاظ وهم رقود نائمون والقى الله عليهم المهابة العظيمة: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف:١٨]، لوليت منهم فرارا ببدنك، ولملئت منهم رعبا بقلبك، القلب يفزع والبدن يهرب لأن لا يحوم أحد حولهم فيوقظهم، لكن الله -عز وجل- أكرمهم بهذا، والله الموفق.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0