شرح حديث جابر بن سمرة / شكا أهل الكوفة سعدا

شرح حديث جابر بن سمرة / شكا أهل الكوفة سعدا
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث

كتاب الدعوات: باب كرامات الأولياء وفضلهم

شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

شرح – حديث – جابر – بن - سمرة – شكا – أهل – الكوفة - سعدا

شرح حديث جابر بن سمرة / شكا أهل الكوفة سعدا


أحاديث رياض الصالحين: باب كرامات الأولياء وفضلهم

 

١٥١٢ - وعنْ أبي هُرَيْرَة -رضي اللَّه عَنْهُ- قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَقَدْ كَان فِيما قَبْلَكُمْ مِنَ الأُممِ نَاسٌ محدَّثونَ، فَإنْ يَكُ في أُمَّتي أَحَدٌ، فإنَّهُ عُمَرُ» رواه البخاري، ورواه مسلم من روايةِ عائشةَ، وفي رِوايتِهما قالَ ابنُ وَهْبٍ: «محدَّثُونَ» أَي: مُلهَمُون.

 

١٥١٣ - وعنْ جَابِر بنِ سمُرَةَ -رضي اللَّه عَنْهُمَا- قَالَ: شَكَا أهْلُ الكُوفَةِ سَعْدًا، يَعْنِي: أبْنِ أَبي وَقَّاصٍ -رضي اللَّه عَنْهُ- إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عَنْهُ- فَعزَلَه وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذكَرُوا أَنَّهُ لا يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأْرسَلَ إلَيْهِ، فَقَالَ: يا أَبا إسْحاقَ، إنَّ هؤُلاءِ يزْعُمُونَ أنَّكَ لا تُحْسِنُ تُصَلِّي. فَقَالَ: أمَّا أَنَا واللَّهِ فَإنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهمْ صَلاةَ رَسُولِ اللَّه لا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاةَ العِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيَنِ، وَأُخِفُّ في الأُخْرَييْنِ، قَالَ: ذَلِكَ الظَنُّ بكَ يَا أبَا إسْحاقَ، وأَرسلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رجَالًا إلَى الكُوفَةِ يَسْأَلُ عَنْهُ أَهْلَ الكُوفَةِ، فَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إلاَّ سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَني عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ أُسامةُ بنُ قَتَادَةَ، يُكَنَّى أَبَا سَعْدَةَ، فَقَالَ: أَمَا إذْ نَشَدْتَنَا فَإنَّ سَعْدًا كانَ لا يسِيرُ بِالسَّرِيّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّويَّةِ، وَلا يعْدِلُ في القَضِيَّةِ، قَالَ سعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لأدْعُوَنَّ بِثَلاثٍ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ عبْدكَ هَذَا كَاذِبًا، قَام رِيَآءً، وسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمُرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ للفِتَنِ، وَكَانَ بَعْدَ ذلكَ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُون، أصَابتْني دَعْوةُ سعْدٍ.

قَالَ عَبْدُالملِكِ بنُ عُميْرٍ الرَّاوِي عنْ جَابرِ بنِ سَمُرَةَ فَأَنا رَأَيْتُهُ بَعْد قَدْ سَقَط حَاجِبَاهُ عَلي عيْنيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وَإنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ للجوارِي فِي الطُّرقِ فَيغْمِزُهُنَّ. متفقٌ عليهِ.


الشيخ:

الحمد لله، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فهذه الأحاديث تتعلق بكرامات الأولياء، وتقدم أن الكرامات هي الخوارق -خوارق العادة- والعادة تخرق للرسل، وهي المعجزات كما جرى لنبينا : {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَأنْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: ١] ونبع الماء من بين أصابعه، وكثّر الله الطعام بسبب دعائه، وجرى على يديه أشياء كثيرة من خوارق العادات -عليه الصلاة والسلام- لبيان صدقه، وأنه رسول الله حقا، وهكذا تخرق العادة لأولياء الله وهم أهل الإيمان والتقوى عند الحاجة -عند حاجتهم- إلى ذلك.

 

أو عند إقامة الحجة على من كفر بالله تخرق لهم العادة لإيمانهم وتقواهم وتأييدهم في إظهار الحق وسد حاجتهم، فإن لم يكونوا مستقيمين فهي من خوارق السحرة والشياطين، من خرافات السحرة والشياطين تلبيسهم، فإن شرط الكرامة أن يكون صاحبها مستقيما على المنهج القويم، فإن كان منحرفا فليست كرامة ولكنها من خوارق السحرة والشياطين، ومن الخرافات التي يضل بها الشيطان من شاء، نسأل الله العافية.

 

ومن جملة الكرامات ما وقع لكثير من الصحابة وأرضاهم، ومن ذلك قوله : «كان فيما قبلكم محدثون» يعني: ملهمون للصواب فإن كان في أمتي منهم أحد فعمر بن الخطاب، وكان ملهما موفقا للصواب في أقضيته وأحكامه، ومن ذلك أنه وافق ربه في آيات عدة، ولهذا قيل له: الفاروق لما فرق الله به بين الحق والباطل وأيد به الحق لما أسلم.

 

ومن ذلك ما جرى في قصة سعد بن أبي وقاص فإن سعدا كان أميرا على العراق على الكوفة في عهد عمر فاشتكاه أهل الكوفة -اشتكاه بعضهم- فأرسل عمر من يسأل، فسأل أهل الكوفة فأثنوا عليه خيرا، وسأله عمر أن ماذا يفعل في صلاته لما قالوا: لا يحسن يصلي، قال: أما أنا فلا أخرم عن صلاة رسول الله ، أمد في الأوليين وأحذف في الأخريين، يعني: يمد في الأولى والثانية من الظهر والعصر والمغرب ويخرم في الثالثة والرابعة يعني: يخفف فيها قليلا تأسيا بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك، فسأل أهل الكوفة فأثنوا خيرا كلهم أثنوا خيرا إلا شخص يقال له أبو سعدة قام وقال: أما إن سألتنا فإن سعدا لا يعدل بالسوية، ولا يسير في السرية، ولا يعدل في القضية، كذب وافترى نسأل الله العافية، وتعاطى السجع -سجع الكهان-: لا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية، فقال سعد : اللهم إن كان عبدك هذا قام رياء وسمعة -يعني: وكذبا- فأطل أعمره، وأعم بصره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، فأطال عمره وأطال فقره وعرضه للفتن.

 

قال الراوي: فلقد رأيته شيخا كبيرا قد سقطت حاجباه لكبر السن وهو يتعرض للنساء في الأسواق أصابته الدعوة نسأل الله العافية، فدعوة أولياء الله ولاسيما إذا ظلموا مستجابة وإن كانت دعوة المظلوم مستجابة ودعوة كل مؤمن يرجى إجابتها، لكن هذا مظلوم فدعا دعوته المشهورة فأجاب الله دعوته وأظهرها للناس لكذب هذا الرجل نسأل الله العافية.

 

وفي هذا بيان فضل أولياء الله وأن لهم كرامات وأن دعوتهم تجاب لأنهم أهل عدل، إنما يدعون على من ظلم، وإذا دعت الحاجة إلى شيء يسر الله لهم حاجتهم، وإذا أرادوا إقامة العدل يسر الله لهم هذا، فهم تخرق لهم العادة عند الحاجة وعند الحجة، عند الحاجة كالفقر ونحوه والظمأ والجوع، وعند إقامة الحجة على الأعداء تخرق لهم العادة أيضًا، وتقدم لكم قصة أهل الكهف وقصة عباد بن بشر وأسيد بن حضير لما خرجا من عند النبي في ليلة مظلمة أضاءت لهما أسواطهما، وقصة الصديق مع ضيفه لما قدم لهم عشاءهم كلما أخذوا لقمة ربى من تحتها أكثر منها، كما تقدم كل هذا من كرامات أولياء الله للدلائل على صدق ما هم عليه من الحق والهدى، وفق الله الجميع. 


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0