كتاب الدعوات:
باب فضل الدعاء بظهر الغيب
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
أحاديث
رياض الصالحين: باب فضل الدعاء بظهر الغيب
قَالَ
الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ
جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ
سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر:١٠]، وقال تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:١٩]، وقال تَعَالَى: إخْبَارًا
عَن إبْرَاهِيمَ ﷺ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:٤١].
الشرح:
قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتابه (رياض الصاحين) باب فضل
الدعاء بظهر الغيب يعني: الدعاء لأخيك بظهر الغيب يعني: في حال غيبته، وذلك أن
الدعاء بظهر الغيب يدل دلالة واضحة على صدق الإيمان لأن النبي ﷺ قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» فإذا دعوت لأخيك بظهر الغيب دون وصية منه كان هذا دليلا على محبتك
إياه وأنك تحب له من الخير ما تحب لنفسك ثم استدل المؤلف -رحمه الله- بثلاث آيات
من كتاب الله ومنها:
قوله تعالى إلى النبي ﷺ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} فأمر الله نبيه ﷺ أن يستغفر لذنبه وأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وما أكثر الأحاديث
التي فيها أن النبي ﷺ يستغفر لذنبه ونحن نعلم أنه يستغفر للمؤمنين أيضا لأنه أمر بذلك،
ومعنى استغفر لذنبك يعني: اطلب المغفرة من الله -عز وجل- أن يغفر ذنبك والمغفرة
ستر الذنب والتجاوز عنه لأن هذا هو الذي يدل عليه الاشتقاق فإنه مشتق من المغفر
وهو وقاية الرأس بالبيرة المعروفة الخوذة توضع على الرأس عند القتال فتقيه من
السهام وتستره.
ومن ذلك أيضا قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ
لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}، وهؤلاء هم الصنف الثالث من الأصناف الثلاثة الذين قال الله فيهم:
{لِلْفُقَرَاءِ
الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ
فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ
هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:٨]، فوصفهم الله بالهجرة والنصرة، الصنف الثاني: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ
يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً
مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:٩]، وهؤلاء هم الأنصار
أنصار المدينة، والصنف الثالث: {وَالَّذِينَ
جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا
لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:١٠]، وهذه دعوة لإخوانهم
بظهر الغيب.
وأما الآية الثالثة فقال إبراهيم ﷺ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
يَقُومُ الْحِسَابُ}، فقوله:
{وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، هذا دعاء للمؤمنين بظهر الغيب إذن الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب من
طرق الرسل -عليهم الصلاة والسلام- ومن سبيل الرسل -عليهم الصلاة والسلام- ومن ذلك
أننا نحن كلنا ندعو لإخواننا في صلاتنا بظهر الغيب كلنا يقول: السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، وهذا دعاء وقد قال النبي: «إنكم إذا قلتم ذلك فإنكم قد سلمتم على كل عبد صالح في السماء
والأرض» إذن إذا قلت: السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين، فهذا دعاء لإخوانك بظهر الغيب.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
