شرح حديث / ما تعدون الشهداء فيكم
كتاب الجهاد: باب بيان جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة
يغسلون ويصلى عليهم بخلاف القتيل في حرب الكفار
شرح العلامة
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث / ما تعدون الشهداء فيكم
كتاب
الجهاد: باب بيان جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة يغسلون ويصلى
عليهم بخلاف القتيل في حرب الكفار
١٣٦١ - عن
أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ:
«الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم والشهيد في سبيل
الله» متفق عليه.
١٣٦٢ - عن أبي هريرة - رضي
الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: «ما تعدون الشهداء فيكم؟» قالوا: يا رسول الله من
قُتِل في سبيل الله فهو شهيد. قال: «إن شهداء أمتي
إذا لقليل!» قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: «من
قُتِل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون
فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد» رواه مسلم.
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله - في
كتاب رياض الصالحين باب بيان شيء من الشهداء يعني: غير المقتولين في سبيل الله،
والمقتول في سبيل الله هو أعلى أنواع الشهداء، أما الشهداء الآخرون فهم كما أشار
إليهم المؤلف هم شهداء في الآخرة، في أحكام الآخرة لا في أحكام الدنيا.
ويتبين ذلك بأن
الشهيد المقتول في سبيل الله شهيد في الدنيا، والآخرة فهو شهيد في الدنيا إذا قتل
ومات فإنه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ويدفن، ولا يأتيه الملكان اللذان
يسألانه عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه، فلا يغسل من أجل أن يبقى أثر الدم عليه أثر
الدم الذي قتل في سبيل الله من أجله، فيأتي يوم القيامة وجرحه يسغب دما، اللون لون
الدم، والريح ريح المسك لذلك قال العلماء: يحرم أن يغسل ويحرم أن يغسل دمه بل يبقى
على ما هو عليه.
ولا يكفن وإنما
يكفن في ثيابه التي قتل فيها حتى يأتي يوم القيامة بهذه الثياب، ولا يصلى عليه لأن
الصلاة شفاعة كما قال النبي ﷺ في الصلاة على الميت: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا
لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه والمقتول في سبيل الله لا يحتاج لأن يشفع
له أحد لأن الشفاعة له كونه يعرض رقبته لأعداء الله إعلاء لكلمة الله.
ولهذا علل النبي
ﷺ عدم فتنته في قبره فقال: كفى ببارقة السيوف
على رأسه فتنة أي كفى بها اختبارا وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم.
فيكفن في ثيابه ليأتي بها يوم القيامة، ولا
يصلى عليه ونظير هذا في بعض الوجوه الرجل إذا مات محرما فإنه يغسل بماء وسدر ولا
يحنط، ولا يقرب طيبا، ولا يغطى رأسه، ولا يكفن في ثياب غير ثياب الإحرام التي كانت
عليه، لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا يبعث يقول: لبيك اللهم لبيك.
والشهيد يبعث يوم القيامة جرحه يسغب دما
لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، فهذا الشهيد في أحكام الدنيا الشهيد في سبيل الله
يجنب هذه الأشياء لا يغسل، لا يكفن بكفن جديد، وإنما يكفن في ثيابه ولا يصلى عليه،
ويدفن ولا يأتيه الملكان يسألانه عن ربه، ودينه، ونبيه لأن هذا أكبر امتحان واختبار
له.
ودليل على صدقه أما في الآخرة فقد قال الله
تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ
بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن
فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ
مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٦٩-١٧١].
أما بقية
الشهداء المذكورين في الحديث فهم شهداء في الآخرة لا في الدنيا، ومع ذلك فإنهم لا
يساوون الذين قتلوا في سبيل الله ولكنهم شهداء ولكل درجات مما عملوا المطعون،
والمبطون، والغريق، ومن قتل في سبيل الله شهيد في الدنيا، وصاحب الهدم.
الأول: المطعون
يعني من مات بالطاعون، والطاعون وباء فتاك معدي نسأل الله العافية إذا وقع في أرض
فإنه يهلك ولهذا قال النبي ﷺ في الطاعون: إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها وإذا وقع وأنتم فيها
فلا تخرجوا فرارا منه لأنه كيف تفر من الله - عز وجل - وانظر إلى قوم ألوف خرجوا
من ديارهم حذر الموت فقال الله لهم: موتوا فماتوا هربوا من الموت لكن الله تعالى
أراد أن يبين لهم أنه لا مفر من الله - عز وجل - قال الله لهم موتوا فماتوا، ثم
أحياهم ليتبين أنه لا مفر من قدر الله - عز وجل - لكن نفعل الأسباب التي أمرنا
بها، أما التي نهينا عنها فلا ولهذا قال: إذا وقع وأنتم في أرض فلا تخرجوا منها
فرارا منه هذا المطعون إذا مات بالطاعون كان شهيدا.
الثاني:
المبطون، والمبطون هو الذي أصابه داء البطن ويشبه والله أعلم ما يسمونه الآن
الغاشية تصيب الإنسان في بطنه ثم يموت هذه إذا مات بها الإنسان فإنه يكون شهيدا.
الثالث: الغريق
الذي يغرق إما في أنهار عظيمة أو يقع في النهر أو في البحر أو ما أشبه ذلك، فإنه
يكون من الشهداء في الآخرة، ولهذا أمر الإنسان أن يتعلم السباحة، فالإنسان مأمور
أن يتعلم السباحة حتى إذا حصل مثل هذه الأشياء أمكنه أن يتوقى منه.
وأما الرابع: من مات بهدم يعني رجل انهدم
عليه البيت أو الجدار أو ما أشبه ذلك، فإنه يكون شهيدا لأن هؤلاء كلهم ماتوا
بحوادث مميتة بريئة وهل يقاس عليهم مثلهم كالذي يموت في حادث أو في صدم أو ما أشبه
ذلك الله أعلم قد يقاسون على هذا ويقال لا فرق بين أن ينهدم الجدار أو أن تنقلب
السيارة لأن كل حادث مات به الإنسان يحكم على من مات بهذا الحادث أنه شهيد لكننا
لا نجزم به لأن مسائل الجزاء عقوبة أو مثوبة ليس فيها قياس فالحاصل أن هناك شهداء
غير المقتولين في سبيل الله ومن ذلك أيضا من مات في سبيل الله وإن لم يقتل فهو
شهيد لكنه شهيد في الآخرة كرجل خرج مع المجاهدين ومات في الطريق موتة طبيعية فهذا
أيضا من الشهداء لكن شهيد الآخرة أما في الدنيا فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن
مع الناس كالشهداء الذين ذكرهم الرسول ﷺ وهو من مات بهدم أو غرق أو طاعون أو بطن
والله الموفق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / ما تعدون الشهداء فيكم
Reviewed by احمد خليل
on
12:57:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: