تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها وما يتعلق بها
كتاب
الفضائل: باب تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها وما يتعلق بها
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
أحاديث
رياض الصالحين: باب تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها وما يتعلق بها
قال
الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣].
وقال
تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: ٥].
وقال
تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: ١٠٣].
الشرح:
قال
النووي -رحمه الله- في كتابه (رياض الصالحين) باب تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها
وما يتعلق بها.
الزكاة
هي الركن الثالث من أركان الإسلام لقول النبي ﷺ في حديث عبد الله بن
عمر -رضي الله عنه-: «بُنِيَ اَلْإِسْلَامُ عَلَى
خَمْسِ شَهَادَاتٍ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، أَنَّ مُحَمَّدْ رَسُولِ
اَللَّهِ، وَإِقَامَ اَلصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ اَلزَّكَاةِ» والله سبحانه
وتعالى، يذكرها كثيرا مع الصلاة في القرآن الكريم، ولهذا اختلف العلماء -رحمهم
الله- هل تاركها يكفر كما يكفر تارك الصلاة أم لا؟ على قولين.
والزكاة
هي: التعبد لله تعالى في دفع مال مخصوص من أموال مخصوصة، هذا المال المخصوص مقدر:
ربع العشر، نصف العشر، العشر.
وكذلك
يدفع لطائفة مخصوصة كما سيأتي إن شاء الله، والزكاة لها فوائد عظيمة منها تكميل
إسلام العبد؛ لأنها أحد أركان الإسلام وهي أفضل من الصدقة، يعني: لو أدى الإنسان
مائة ريال زكاة أو مائة ريال صدقة تطوع كانت مائة ريال الزكاة أحب إلى الله -عز
وجل- وأفضل.
ومنها:
أن الإنسان يخرج بها عن دارة البخلاء إلى دائرة الكرماء؛ لأنها بذل مال والبخل
إمساك المال فإذا بذلها الإنسان خرج من كونه بخيلا إلى كونه كريما.
ومنها:
مضاعفة الحسنات؛ لأن الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله مثلهم كمثل حبة أنبتت سبع
سنابل في كل سنبلة مائة حبة، يعني: ريال بمائة ريال أو أكثر.
ومنها:
أن فيها جبرا لقلوب الفقراء ودفعا لحاجتهم وحماية من غضبهم؛ لأن الفقراء إذا لم
يعطوا من مال الأغنياء ربما يغضبون ويتجرؤون ويكرهون الأغنياء ويرون أنهم في واد
والأغنياء في واد، والأمة الإسلامية أمة واحدة يجب أن يعتقد كل إنسان أنه لبنة في
سور قصر مع إخوانه المسلمين لقول النبي ﷺ: «اَلْمُؤْمِنَ لِلْمُؤَمَّنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ
بَعْضُهُ بَعْضًا».
ومنها:
أنها سبب في شرح الصدر؛ لأن الإنسان كلما بذل شيئا من ماله شرح الله له صدره وهذا
شيء مجرب وواقع، لو يتصدق الإنسان بأدنى من واجب الزكاة لوجد في صدره انشراحا وفي
قلبه محبة للخير.
ومنها:
أنها تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء وهذه فائدة عظيمة، تدفع ميتة السوء، يعني:
الإنسان يموت على أحسن حال، وحسن الخاتمة أحسن الله لي ولكم الخاتمة أعز ما يكون
على الإنسان؛ لأنه وقت فراق الدنيا إلى الآخرة، والشيطان أحرص ما يكون على بني آدم
عند الموت؛ لأنها هي الساعة الحاسمة إما من أهل النار أو من أهل الجنة، وفي حديث
ابن مسعود: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لِيَعْمَلَ بِعَمَلِ
أَهْلِ اَلْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ
فَيَسْبِق عَلَيْهِ اَلْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ اَلنَّارِ فَيَدْخُلُ
اَلنَّارُ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لِيَعْمَلَ بِعَمَلِ أَهْلِ اَلنَّارِ حَتَّى مَا
يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِق عَلَيْهِ اَلْكِتَابُ
فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فَيَدْخُلهَا» فالأعمال بالخواتيم،
والصدقة، وعلى رأسها الزكاة تدفع ميتة السوء.
ومنها:
أن النبي ﷺ
أخبر أن كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة، فالناس تكون الشمس فوق رءوسهم قدر ميل،
وهؤلاء المتصدقون وعلى رأس صدقاتهم الزكاة يكونون في ظل صدقاتهم يوم القيامة.
وحكى
لي بعض الصلحاء أن رجلا كان يمنع أهله من الصدقة من البيت، يقول: لا تتصدقوا، وفي
يوم من الأيام نام ورأى في المنام كأن الساعة قد قامت، ورأى فوق رأسه ظلا يظله من
الشمس إلا أن فيه ثلاثة خروق يقول: فجاءت تمرات فسدت هذه الخروق، فتعجب كيف الثوب
متخرق وتجيء التمرات تسد الخروق، فلما قصها على زوجته أخبرته أنها تصدقت بثوب
وثلاث تمرات فكان الكساء الأول هو الثوب، لكنه مخرق فجاءت التمرات الثلاث فسدت
الخروق ففرح بذلك وأذن لها بعد هذا أن تتصدق بما شاءت، فالحاصل أن هذه الرؤيا
مصداق قول الرسول ﷺ:
«كُلُّ اِمْرِئِ فِي ظِلٍّ صَدَّقَتْهُ يَوْمَ
اَلْقِيَامَةِ».
ومنها:
أنها تلين القلب وصدقات التطوع تلين القلب حيث إن الإنسان يعطيها الفقراء
المحتاجين فيلين قلبه، ويرحمهم وفي ذلك تعرض لرحمة الله؛ لأن الله إنما يرحم من
عباده الرحماء.
ولها
فوائد كثيرة قد يطول في المقام ذكرها.
ثم
ذكر آيات ثلاث:
الآية
الأولى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}
فإقامة الصلاة أن تأتي بها مستقيمة على الوجه الذي ورد عن النبي ﷺ، وإيتاء الزكاة هو
إعطاؤها لمستحقها وقد سبق بيان معنى الزكاة وبيان فوائدها ما يسر الله تعالى.
ثم
ذكر الآية الثانية وهي قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، {وَمَا أُمِرُوا} يعني: بذلك الناس {إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} أي: يتذللوا له
بالعبادة بكل ما تعبدهم به من عقيدة أو قول أو عمل {مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ} أي: مخلصين له العمل، وإخلاص العمل لله ألا يبتغي الإنسان
شيئا بعلمه سوى الله -عز وجل- لا يبتغي به دنيا، ولا جاها، ولا رئاسة، ولا غير ذلك.
لا يريد إلا ثواب الله وقوله: {حُنَفَاءَ}
يعني: مائلين عن الشرك إخلاص بلا إشراك، وقوله: {وَيُقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} وهذا هو الشاهد في قوله: {وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} وقوله: {وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} {وَذَٰلِكَ} أي: عبادة الله تعالى، مخلصين له الدين
وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة {دِينُ الْقَيِّمَةِ}
أي: دين الملة القيمة فهو العمل المرضي عند الله عز وجل.
وقال
سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}
الخطاب للنبي ﷺ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} يعني: بذلك
الزكاة {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ
عَلَيْهِمْ} تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة، أما كونها تطهر من الذنوب؛
فلقوله ﷺ:
«اَلصَّدَقَة تُطْفِئُ اَلْخَطِيئَةُ كَمَا يُطْفِئُ
اَلْمَاءُ اَلنَّارَ» وأما كونها تطهر الأخلاق الرذيلة؛ فلأنها تلحق
الإنسان بالكرماء والمحسنين بما يبذله من أموال الزكاة لمستحقيها {وَتُزَكِّيهِم بِهَا} أي: تنمي أخلاقهم بعد التطهير
من الأخلاق الرذيلة، تنمي الأخلاق الفاضلة {وَتُزَكِّيهِم
بِهَا} تزكيهم أيضا دينا فهي تزكية دين وتزكية أخلاق {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: ادع لهم بالصلاة عليهم، وكان
النبي ﷺ إذا
أتاه قوما بصدقة قال لهم: «اَللَّهُمَّ صِلْ
عَلَيْهِمْ» امتثالا لأمر الله {إِنَّ
صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} صلاتك عليهم، يعني: دعاءك لهم بالصلاة مسكن لهم،
تسكن إليه نفوسهم وتطمئن قلوبهم وتنشرح صدورهم ويسهل عليهم بذل المال {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ففي هذه الآيات الثلاث
دليل على وجوب الزكاة وأنها من أفضل الأعمال، وسيأتي إن شاء الله الأحاديث.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح
الأعمال
ليست هناك تعليقات: