شرح حديث/ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة
كتاب
الفضائل: باب فضل قيام الليل
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث/ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة
أحاديث رياض الصالحين: باب فضل قيام
الليل.
١١٧٩-وعَنْ عائِشة رضي اللَّه عنْهَا،
أَنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ كَان يُصلِّي إِحْدَى
عَشرَةَ رَكْعَةً -تَعْني في اللَّيْلِ- يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذلكَ قَدْر مَا
يقْرَأُ أَحدُكُمْ خَمْسِين آيَةً قَبْلَ أَن يرْفَعَ رَأْسهُ، ويَرْكَعُ
رَكْعَتَيْنِ قَبْل صَلاةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيمْنِ
حَتَّى يأْتِيَهُ المُنَادِي للصلاةِ. [١] رواه البخاري.
١١٨٠-وعَنْ عائِشة رضي اللَّه عنْهَا، قَالَتْ:
مَا كَانَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ يَزِيدُ في رمضانَ
وَلا في غَيْرِهِ عَلى إِحْدى عشرةَ رَكْعَةً: يُصلِّي أَرْبعًا فَلا تَسْأَلْ
عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطولهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبعًا فَلا تَسْأَلْ عَنْ
حُسْنِهِنَّ وَطولهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا. فَقُلْتُ: يَا رسُولَ اللَّهِ
أَتنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوترَ؟ فَقَالَ: «يَا عائشةُ
إِنَّ عيْنَيَّ تَنامانِ وَلا يَنامُ قَلْبِي» [٢] متفقٌ عَلَيْهِ.
١١٨١-وعَنْ عائِشة رضي اللَّه عنْهَا، أَنَّ
النَّبِيَّ ﷺ كانَ يَنَامُ أَوَّل اللَّيْل،
ويقومُ آخِرهُ فَيُصلي. [٣] متفقٌ عَلَيْهِ.
١١٨٢-وعَن ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله
عنه، قَالَ: صلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ
لَيُلَةً، فَلَمْ يَزلْ قائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرٍ سُوءٍ. قَيل: مَا
هَممْت؟ قَالَ: هَممْتُ أَنْ أَجْلِس وَأَدعهُ. [٤] متفقٌ عَلَيْهِ.
١١٨٣-وعَنْ حذيفة رضي الله عنه، قَالَ:
صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيَّ ﷺ، ذاتَ لَيْلَةٍ
فَافْتَتَح البقَرَةَ، فقلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فقلتُ:
يُصَلَّي بِهَا في ركْعَةٍ، فمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَح
النِّسَاءَ فَقَرأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَها، يَقْرَأُ
مُتَرَسِّلًا إِذا مَرَّ بِآيَةِ فِيها تَسْبيحٌ سَبَّحَ، وَإِذا مَرَّ بِسُؤَالٍ
سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ بتَعوَّذ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فجعَل يَقُولُ: «سُبْحَانَ ربِّي العظيمِ» فَكَانَ رُكُوعُهُ
نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: «سمِع اللَّه
لمَنْ حَمِدَه، رَبَّنَا لَكَ الحْمدُ» ثُمَّ قامَ طَويلًا قَرِيبًا
مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجد فَقَالَ: «سُبْحانَ
رَبِّيَ الأَعْلى» فَكَانَ سَجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. [٥]
رواه مسلم.
الشرح:
هذه الأحاديث في بيان صلاة النبي ﷺ في الليل.
منها: حديث عائشة الأول أن النبي ﷺ كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وقد بين
ذلك في أحاديث أخرى، أنه يسلم من ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم
ركعتين، ثم ركعة، يعني: يصلي إحدى عشرة ركعة، يسلم من اثنتين، ويوتر بواحدة، ثم
كان ﷺ يصلي ركعتين قبل الغداة، يعني:
إذا أذن الفجر صلى ركعتين، وكان يخفف هاتين الركعتين حتى تقول عائشة أقرأ بأم
القرآن؟ لشدة تخفيفه لهما، ثم يضطجع على جنبه الأيمن حتى يأتيه المؤذن يؤذنه
بالصلاة ﷺ.
ففي هذا دليل على أن قيام الليل إحدى
عشرة ركعة يوتر بواحدة، ودليل على أنه ينبغي أن يصلي الإنسان الراتبة في بيته أفضل
من المسجد، لا سّيما الإمام، وفيه أيضا أن الإمام لا يخرج من بيته إلا للإقامة،
يبقى في بيته حتى يأتي وقت الإقامة، فيخرج إلى المسجد ويصلي، هذا هو الأفضل أفضل
من أن يتقدم الإمام ويصلي بالمسجد أما غير الإمام فينتظر الإمام، والإمام ينتظره
غيره، فلذلك كان الأفضل في حقه أن يتأخر إلى قرب إقامة الصلاة، إن لم يكن لهذا سبب
أو في تقدمه مصلحة مثل أن يكون تقدمه يشجع المصلين فيتقدمون، ولو تأخر لكسلوا،
فهذا أيضا للمصلحة.
وفي حديثها الآخر أن النبي ﷺ كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة
ركعة؛ لأنها سئلت كيف كانت صلاة النبي ﷺ في
رمضان؟ قالت: كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا
تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا.
هذه أربع وأربع وثلاث: إحدى عشرة، هذا هو السُنّة وهو الأفضل ألا يزيد في صلاة
الليل على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة.
وقولها رضي الله عنها: يصلي أربعا فلا
تسأل عن حسنهن وطولهن.
قد ظن بعض الناس أنها أربع مجموعة بسلام
واحد، وهذا خطأ؛ لأنه قد جاء مفصلا مبينا أنها أربع ركعات، يسلم من كل ركعتين
وأربع ركعات يسلم من كل ركعتين وثلاث ركعات، فيكون قولها: أربعا لا تسأل عن حسنهن
وطولهن ثم يصلي.
يكون فيه دليل على أنه إذا صلى الأربع
بسلام استراح قليلا لقولها: ثم يصلي وثم للترتيب في المهلة ثم يصلي الأربع على
ركعتين ثم يسلم.
وأنا أشير في هذه المسألة أنه ينبغي
للإنسان ألا يتعجل في فهم النصوص، بل يجمع شواردها حتى يضم بعضها إلى بعض ليتبين له
الأمر، فبعض الإخوان الذين بدئوا يتعلمون ولاسيما علم الحديث، صاروا يصلون بالناس
أربع ركعات جميعا، وهذا غلط، غلط على السُنّة، وفهم خاطئ؛ لأن النبي ﷺ سئل عن صلاة الليل فقال: «مَثْنَى مَثْنَى» [٦]، لا يمكن أن يصلي أربعا، ممكن
أن يصلي خمسا جميعا، وسبعا جميعا، وتسعا جميعا.
أما حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه،
أنه صلى مع النبي ﷺ ذات ليلة؛ لأن
النبي ﷺ بابه مفتوح، بيته بيت
للأمة، للصحابة، يأتي الواحد منهم يحب أن يصلي مع النبي ﷺ، لا يقول له لا تصلى معي، صلى في بيتك، لا بل يفتح
له صدره، ويدخل البيت ويصلي معه.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه، من الذين
يخدمون الرسول ﷺ صاحب السواك، ينظف
سواك الرسول، وصاحب الوساد وساده وصاحب النعل.
فكان يدخل على الرسول ويصلي معه، فدخل
فصلى معه ذات ليلة فلما دخل في الصلاة أطال النبي ﷺ القيام،
يقول: حتى هممت بأمر سوء، قيل: بماذا هممت يا أبا عبد الرحمن؟ قال: هممت أن أجلس
وأدعه، وهو شاب، والرسول ﷺ أسن منه،
ومع ذلك كان يقف ويطيل حتى يعجز الشباب عن قيامه عليه الصلاة والسلام.
وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر، لكنه يصلي ﷺ شكرا لله عزَّ وجلَّ،
كما قال: «أفلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا»
[٧].
والمرة الثانية صلى معه حذيفة بن اليمان
رضي الله عنه، فبدأ بسورة البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ولكنه مضى، فقلت: يركع
بها، ولكنه أتمها ثم بدأ بسورة النساء، فأتمها، ثم بدأ بسورة آل عمران فأتمها،
يرتل عليه الصلاة والسلام، يرتل القرآن، وهذه السور الثلاث تمثل خمسة أجزاء وربع.
بالترتيل كم تستغرق من وقت! والنبي ﷺ واقف لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا آية
تسبيح إلا سبح، ولا آية وعيد إلا تعوذ فيجمع بين القراءة والذكر والدعاء ﷺ، مع هذا الطول العظيم، ثم ركع، فكيف كان ركوعه!
كان ركوعه نحوا من قيامه، أطال الركوع ثم رفع قائلا: سمع الله لمن حمده، وكان
قيامه نحوا من ركوعه، ثم سجد، فكان سجوده نحوا من قيامه، وهكذا صلاته كانت
متناسبة، وإذا أطال في القراءة أطال في الركوع والسجود، يقول في الركوع: "سبحان
ربي العظيم"، ويقول في السجود: "سبحان ربي الأعلى"، ويقول أيضا
إضافة إلى ذلك: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" [٨]، ويقول
أيضا: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" [٩].
فالصلاة روضة من رياض العبادات، فيها من
كل زوج بهيج، قرآن وذكر ودعاء وتسبيح وتكبير وتعوذ، ولهذا كانت هي أفضل العبادات
البدنية، أفضل من الصيام، وأفضل من الزكاة، وأفضل من الحج، وأفضل من كل العبادات،
إلا التوحيد: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله»؛ لأن هذا هو
مفتاح الإسلام. فالحاصل أن هذه صفة صلاة النبي ﷺ من
الليل، فاحرص أخي المسلم، أسأل الله أن يعينني وإياك على اتباعه ظاهرا وباطنا، وأن
يتوفانا على ملته ويحشرنا في زمرته، ويدخلنا معه جنات النعيم.
[١] صحيح البخاري: (٩٩٤).
[٢] صحيح البخاري: (١١٤٧)، مسلم: (٧٣٨).
[٣] صحيح البخاري: (١١٤٦)، مسلم: (٧٣٩).
[٤] صحيح البخاري: (١١٣٥)، مسلم: (٧٧٣).
[٥] صحيح مسلم: (٧٧٢).
[٦] صحيح البخاري: (٤٧٢)، مسلم: (٧٤٩).
[٧] صحيح البخاري: (٤٨٣٧).
[٨] أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، سورة إذا جاء نصر الله، برقم
(٤٩٦٧)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (٤٨٤)، واللفظ
للبخاري.
[٩] صحيح مسلم: (٤٨٧).
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: