الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
كتاب الفضائل: باب فضل الصلوات
الصلاة
تنهى عن الفحشاء والمنكر
أحاديث رياض الصالحين: باب فضل الصلوات
قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥].
الشرح:
قال المؤلف رحمه الله، في كتابه (رياض الصالحين) باب فضل الصلوات، الصلوات هي عبادات معلومة مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، وهي أكد أركان الإسلام بعد الشهادتين وأفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأنفع أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي صلة بين الإنسان وربه؛ لأن الإنسان يقوم بين يدي الله عز وجل يناجيه يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فيقول الله: حمدني عبدي {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} فيقول الله: أثنى على عبدي {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فيقول الله: مجدني عبدي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيقول: هذا بيني وبين عبدي نصفين {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. مجاورة مناجاة.
ثم هي أيضا أفعال وأقوال كلها تعظيم من حين يبدأ الإنسان بقوله الله أكبر، يعني: أكبر من كل شيء، علما وسلطانا وكبرياء وجبروتا وكل شيء، السماوات السبع والأرضون السبع في كفه كخردلة في كف أحدنا فكل هذه السماوات على عظمها يطويها بيمينه عز وجل، ويقبض الأرض على كبرها كقبضة أحدنا بيده على الشيء، ثم يناجيه بكلام ثم ينحني تعظيما له بفعله ويعظمه بلسانه يقول: (سبحان ربي العظيم) ثم يرفع، ثم يسجد وهذا الرفع من أجل الفصل بين ركن التعظيم وهو الركوع، وركن الذل وهو السجود ولهذا قال النبي ﷺ: «أما الركوع فعظموا فيه الرب» ثم يسجد لله ذلا وخضوعا فيضع أشرف ما به على مستوى أقدامه التي هي أسفل ما به يضع جبهته على الأرض ذلا لله وخضوعا لله عز وجل، ثم يقول: (سبحان ربي الأعلى) تنزيها لربه سبحانه وتعالى، عن السفول كأنما يقول سبحان من تنزه عن السفول فكان أعلى فوق كل شيء.
فالصلاة عبادة عظيمة -نسأل الله أن يفتح علينا وعليكم حتى نعرف قدرها ويدلك على فضلها وعظمها ومحبة الله لها- أنه ما من فريضة فضت على الرسول ﷺ إلا بواسطة الوحي إلا الصلاة فرضها الله على رسوله منه له مباشرة، كلمه بها وفرضها عليه في أعلى مكان يصل إليه البشر وفرضها عليه في أشرف ليلة كانت لرسوله ﷺ وهي ليلة المعراج، وفرضها عليه عددا كبيرا خمسين صلاة في اليوم والليلة؛ لأن الله يحبها؛ ولأن ثوابها عظيم، ولكن من لطف الله أن خففها حتى صارت خمس صلوات عن خمسين صلاة اللهم لك الحمد.
الصلاة لها ثمرات جليلة عظيمة منها:
ما ذكره الله تعالى، في الآية التي صدر المؤلف بها هذا الباب: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}، الفحشاء: فواحش الذنوب كالزنا واللواط وما أشبهها، والمنكر: ما دون ذلك، الصلاة تنهى عن الفحشاء المنكر.
لكن متى؟ إذا كانت صلاة مقامة على الوجه الأكمل؛ ولهذا نجدنا كثيرا نصلي ولا نجد القلوب تتغير، أو تكره الفحشاء أو المنكر أو يكون الإنسان بعد الصلاة خيرا منه قبلها لا نجد هذا لأن الصلاة التي نصليها ليست الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإلا فكلام الله حق، ووعده صدق، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا كنت قد هممت بذنب أو كان قلبك يميل إلى المعاصي فإنك إذا صليت انمحى ذلك كله، لكن بشرط أن تكون الصلاة التي تراد منك والتي تريدها أنت لله عز وجل، صلاة أكمل ما يكون، ولهذا يجب علينا -ونسأل الله أن يعيننا- يجب علينا أن نعتني بصلاتنا نكملها بقدر المستطاع بجميع أركانها وشروطها وواجباتها ومكملاتها فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
قال بعض السلف: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا -نسأل الله العافية- لأنها ليست الصلاة المطلوبة منا، الصلاة المطلوبة منا أن تكون صلاة بمعنى الكلمة، كان بعض السلف إذا دخل في صلاته لا يحس بشيء يغيب عن كل شيء إلا عن الله عز وجل، حتى إن عروة بن الزبير رحمه الله، وهو من فقهاء التابعين، أصابت أحد أعضائه أكلة جروح تتقرح حتى تقضي على الجسم كله، فقرر الأطباء أن تقطع رجله حتى لا تسري الأكلة إلى بقية البدن، وكان في ذلك الوقت لا يوجد (بنج) فقال: أمهلوني حتى أدخل في صلاتي، فلما دخل في صلاته قطعوا رجله فلم يحس بها لأن قلبه منشغل مع الله، والقلب إذا انشغل لا يحس بما يصيب البدن.
انظر إلى الحمالين مثلا يحملون السيارة، أو يفرغونها فيصاب أحدهم بجرح في يده أو قدمه مع التحميل، ولا يحس به لأنه مشغول فإذا انتهى من العمل أحس بالجرح، فالإنسان في صلاته لا بدَّ أن يكون مع الله عز وجل، لا يذهب قلبه يمينا وشمالا كما هي العادة عند كثير منا، ولا تتسلط الهواجس ولا الوساوس إلا إذا دخل الإنسان في الصلاة جاء الشيطان يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، افعل كذا، لا تفعل كذا، وهذا يخل بالصلاة ربما ينصرف الإنسان ما من صلاته شيء وإن كانت تبرأ الذمة، لكن ما أدرك شيئا منها.
وكان عمر رضي الله عنه، يجهز جيشه في الصلاة فأخذ البطالون من هذا أنه لا بأس أن الإنسان وهو في صلاته يوسوس وما إلى ذلك، لكن تجهيز الجيش جهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله يجوز أن يدخل على الصلاة ولهذا نجد أن الله شرع للمسلمين صلاة الخوف. فعمر رضي الله عنه، يجهز جيشه في صلاته وهو حاضر القلب لم يذهب قلبه يمينا ولا شمالا لأنه يعبد الله عز وجل، وإن كان يجهز الجيش وهو يصلي -فنسأل الله تعالى، أن يجعلنا وإياكم ممن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر- وأن يتقبل منا ومنكم إنه على كل شيء قدير.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: