خطبة فضل (لا إله إلاّ الله) محمد العريفي

خطبة مفرغة عن فضل (لا إله إلاّ الله) د /محمد العريفي

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾، ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ أحمده وأشكره. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد.

أيها الإخوة المؤمنون:

فقد قال الله تعالى عن أنبيائه عليهم السلام ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾

فتعالوا نفتتح خطبتنا بخبر أحد هؤلاء الأطهار.

عندما حضرت نوحًا عليه السلام الوفاة، كان يَستدبِر دُهورًا، ويُفارِق عُصورًا، وقد قضى في الدعوة ألف سنة إلا خمسين عامًا، أطول تاريخ في الدعوة، ثم يفارق الحياة. فَيُوصِي عندها بخلاصة دعوته وجِمَاعِ رسالته، كان يلفظ آخر أنفاس الحياة. فقال وهو يُوصِي ابنه:

يا بُنَي. آمُرُكَ بِلا إله إلاّ الله. فإن السماوات السبــع، والأرضين السبع. لو وُضِعْنَ في كِفَّة، وَوُضِعَتْ لا إله إلا الله في كفة، لرجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً لَفَصَمَتْهُنَّ لا إله إلاّ الله، هكذا أوصى نوح في آخر حياته،

الله أكبر. أَمَا كان نوح يدعو قرنًا بعد قرنٍ إلى لا إله إلاّ الله. أَمَا رأى نوح مصرع أهل الأرض كلهم غرقًا لما كفروا بلا إله إلاّ الله. أَمَا شاهد عظيم نصرة الله له لما تمسك بلا إله إلا الله.

بلى. ولذلك هو يُوَدِّعُ الدنيا بالكلمة التي بدأ بها دعوته لا إله إلاّ الله.

لا إله إلاّ الله هي الوصية التي كان أنبيــاء الله يُوَدِّعُون بها الحياة. ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾. هي الكلمة التي أُنْزِلَتْ بها الكتب. وبُعِثَتْ بها الرسل. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾.

وهي وصية كل الأنبياء لأقوامهم. فها هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يَقِفُ عند سرير عمه أبي طالب وهو يَلْفِظُ آخِر أنفاس الحياة. فَيَقْضِي أعظم حق له في الدنيا عليه وهو أن يدعوه إلى التوحيد فيقول له: " يا عم قال لا إله إلاّ الله كلمة أُحَاجُّ لك بها عند الله ". فيأبى عمه أن يقولها. ويتمسك بما كان عليه آباؤه من عبادة الأصنام، فيكررها النبي صلى الله عليه وسلم، ويجتهد، لكن أبا طالب يأبى اتباعها حتى مات.

نعم أيها الناس. إن لا إله إلا الله هي القضية الكبرى المتفق عليها في دعوات المرسلين، هي الكلمة التي قامت بها السماوات والأرض، هي فِطْرَة الله التي فَطَرَ الناس عليها. هي الكلمة التي أُسِّسَتْ عليها الملة ونُصِبَتْ لها القبلة. هي الكلمة التي أمر الله بها جميع العباد.

لا إله إلاّ الله هي كَلِمَة الإسلام ومفتاح دار السلام وأساس الفرض والسنة، ومن كان آخر كلامه لا إله إلاّ الله دخل الجنة.

لا إله إلاّ الله هي الكلمة الطيبة التي أصلها في قلب المؤمن، وفرعها في السماء العمل الصالح. ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾

لا إله إلاّ الله هي الكلمة التي يُثَبِّتُ الله بها المؤمنون في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء﴾

لا إله إلاّ الله هي أعلى شعب الإيمان وأفضلها " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها وأفضلها لا إله إلاّ الله".

لا إله إلا الله لا يَلْقَى الله عَبْدٌ غير شَاكٍّ بها إلا دخل الجنة.

مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أوائل خلافة أبي بكر، ونفوس المسلمين لا تزال كَلِيمَة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فرآه جالسًا كَاسِفًا، فقال له عمر: يا طلحة. ما يُحْزِنك. أَأَحْزَنَك إمرة ابن عمك أبي بكر. قال: لا. ولكن الذي أحزنني أني سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته يقول. إني لأعلم كلمة لا يقولها عَبْدٌ عند موته إلا كانت له نورًا لصحيفته فأشرق لها لَوْنُهُ ونَفَّسَ الله كُربته وإن جسده وروحه ليجد ان لها رَوْحًا عند الموت: قال طلحة: فأردت أن اسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرض. فلم أقدر عليه حتى مات: فهذا الذي أحزنني.

فقال له عمر. لكني أعلـــم ما هي يا طلحة. هي الكلمــة التي أرادها من عمه أبي طالب. ولو عَلِمَ كلمة هي أنجى لعمه منها لقالها له هي: لا إله إلاّ الله.

أيها الناس. فما شأن هذه الكلمة العظيمة يوم القيامة؟ قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله سَيُخَلِّصُ رجلًا يوم القيامة على رؤوس الأشهاد فينشر الله له تسعة وتسعينًا سجلًا كل سجل منها مد البصر. كلها سجلات أُحْصِيَتْ فيها سيئاته وكُتِبَتْ فيها ذنوبه تُنْشَر أمامه ثم يقول الله جل جلاله: "يا عبدي تُنْكِر من هذا شيئًا؟ فيقول لا يا ربي. أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحافظون؟ فيقول: لا يا ربي. فيقول الله له: ألك عُذْرٌ. فيقول: لا يا رب. كلها ذنوب قد عرفها لا ينكرها، فيقول الله له: إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم اليوم. فتخرج له بطاقة مكتوب فيها أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فيقول الله له: احضر وزنك فإنه لا ظلم اليوم فيقول: يا رب. ما هذه البطاقة مع هذه السجلات أتوزن سجلات مد البصر تسعة وتسعين سجلًا مع هذا البطاقة يا ربّ ما تبلغ هذه البطاقة مع هذه السجلات. فيقول الله جل جلاله له: إنك لا تُظْلَم. فتوضع تسعة وتسعون سجلًا كل سجلٍ منها مد البصر توضع في كفه وتوضع البطاقة في كفه. فطاشت السجلات وتناثرت وتطايرت ورجحت بهن لا إله إلاّ الله".

ثم قال صلى الله عليه وسلم " فلا يَثْقُل مع اسم الله تعالى شيء ".

نعم إنها لا إله إلا الله، من لقي الله مؤمنًا بها. نجى من العذاب لا محالة وإن عذب بما عذب به من ذنوبه. ومن لقي الله بدونها لقيه كافرًا بها لقي الله فهو آيسٌ من رحمته.

أيها الإخوة المؤمنون. إن لا إله إلاّ الله. ليست كلمة تُذْكَر في بداية الطريق عند الدعوة إلى الإسلام ولكنها كلمة تُذْكَر في بداية الطريق ووسطه ونهايته.

كلنا يقول لا إله إلاّ الله. ولكن من منا يعمل بِمُقْتَضَى هذه الكلمة. إن مِنَّا من يقولها ومع ذلك يحلف بغير الله، فيحلف بالنبي. أو بالأمانة أو الشرف أو غيرها ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك "

إن مِنَّا من يقولها بلسانه. ثم لا يُنَزِّهُ هذا اللسان من تعيير أو سب أو لعن.

إن مِنَّا من يقولها ثم لا يَتَوَرَّع عن الذهاب للسحرة والكهنة يستمد منهم العون واللجأ.

أو يقولها ويعلم أنها تأمره بالصلاة والصدقة والبر والإحسان. ومع ذلك يقصر في ذلك كله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما جاء فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروا إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلاّ الله تعظيمًا لشأنه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد أيها الأحبة في الله:

إن كلامنا عن التوحيد، وتعظيم لا إله إلا الله، يقتضي تعظيم أوامرها، ومقتضياتها.

ومن ذلك دعوة الناس إليها، وتعريفهم بها بالحسنى، وشرح معانيها، والحذر من التكفير والتفسيق والتبديع بغير دليل قائم أو حجة، والحذر أيضًا ممن يرفع شعار لا إله إلا الله، ويظن أنه ينصرها، وهو في الحقيقة يخالف ما دعت إليه من عدل وتَبَيُّن ورفق، وما أمرت به من دعوة وأناة وعلم.

إنها كلمة عظيمة، تجمع بين القوة والشجاعة، وبين الحِلم والأناة.

اللهم أصلح أحوالنا وتولنا في كل أمورنا.

اللهم إنا نسألك أن تسعد قلوبنا وتقر عيوننا.

الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال