شرح حديث/ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله
كتاب السلام: باب استحباب
تشميت العاطس إِذَا حمد الله تَعَالَى وكراهة تشميته إذا لَمْ يحمد الله تَعَالَى،
وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب
شرح حديث/ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله
أحاديث رياض الصالحين: باب استحباب
تشميت العاطس إِذَا حمد الله تَعَالَى وكراهة تشميته إذا لَمْ يحمد الله تَعَالَى،
وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب
٨٨٣ - عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن النَّبيَّ ﷺ
قَالَ: «إنَّ الله يُحِبُّ العطاسَ، وَيَكْرَهُ
التَّثاؤُبَ، فَإذَا عَطس أحَدُكُم وَحَمِدَ الله تَعَالَى كانَ حقًّا عَلَى كُلِّ
مُسْلِمٍ سمعهُ أنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وأمَّا التَّثاؤُب فَإنَّمَا
هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإذَا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فليَردّهُ مَا اسْتَطَاعَ،
فَإنَّ أحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» رواه
البخاري.
٨٨٤
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا عَطسَ
أحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ للهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ:
يَرْحَمُكَ الله، فإذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ
اللهُ وَيُصْلِحُ بالَكم» رواه البخاري.
٨٨٥
- وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «إِذَا عَطس
أحدُكُم فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتُوهُ، فإنْ لَمْ يَحْمَدِ الله فَلا تُشَمِّتُوه»
رواه مسلم.
٨٨٦
- وعن أنسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: عَطسَ رَجُلانِ عِنْدَ النبيِّ ﷺ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ،
فَقَالَ الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ: عَطسَ فُلانٌ فَشَمَّتهُ، وَعطستُ فَلَم
تُشَمّتني؟ فَقَالَ: «هَذَا حَمِدَ الله، وإنَّك لَمْ
تَحْمَدِ الله» متفقٌ عَلَيْهِ.
الشرح:
قال
المؤلف النووي -رحمه الله- في كتاب (رياض الصالحين) باب استحباب تشميت العاطس إذا
حمد الله تعالى، وبيان آداب العاطس والتثاؤب:
العطاس
من الله -عز وجل- يحبه الله كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «إن الله يحب
العطاس» والسبب في ذلك أن العطاس يدل على النشاط والخفة ولهذا تجد الإنسان إذا عطس
نشط والله سبحانه وتعالى، يحب الإنسان النشيط الجاد وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: «المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير»
والعطاس يدل على الخفة والنشاط فلهذا كان محبوبا إلى الله وكان مشروعا للإنسان إذا
عطس أن يقول: الحمد لله لأنها نعمة أعطيها فليحمد الله عليها فيقول: (الحمد لله)
إذا عطس سواء أكان في الصلاة أو خارج الصلاة في أي مكان كان.
إلا
أن العلماء -رحمهم الله- يقولون: إذا عطس وهو في الخلاء فلا يقول بلسانه (الحمد
لله) ولكن يحمد بقلبه لأنهم يقولون رحمهم الله: إن الإنسان لا يذكر الله في الخلاء
فإذا عطس الإنسان وحمد الله كان حقا على كل من سمعه أن يقول له: (يرحمك الله)
فيدعو له بالرحمة جزاء له على حمده لله -عز وجل- فإنه لما حمد الله كان من جزائه
أن إخوانه يدعون له بالرحمة وقوله: «كان حقا على كل من سمعه» ظاهره أنه يجب على كل
السامعين بأعيانهم ويؤيده قوله في الحديث الآخر: «إذا عطس فحمد الله فشمتوه» وذهب
بعض العلماء إلى أن تشميت العاطس فرض كفاية يعني إذا قال واحد من الجماعة: يرحمك
الله كفى، لكن الاحتياط أن يشمته أي: يدعو له بالرحمة كل من سمعه كما جاء في
الحديث.
وأما
التثاؤب فإنه من الشيطان ولهذا كان الله يكرهه لماذا لأن التثاؤب يدل على الكسل
ولهذا يكثر التثاؤب فيمن كان فيه نوم ولأجل أنه يدل على الكسل كان الله يكرهه ولكن
إذا تثاءب فالأولى أن يرده أي: يرد التثاؤب يكظمه ويتصبر قال العلماء: وإذا أردت
أن تكظمه فعض على شفتك السفلى وليس عضا شديدا فتنقطع ولكن لأجل أن تضمها حتى لا
ينفتح الفم فالمهم أن تكظم سواء بهذه الطريقة أو غيرها فإن عجزت عن الكظم فضع يدك
على فمك وما ذكره بعض العلماء -رحمهم الله- أنك تضع ظهرها على الفم فلا أصل له
وإنما تضع بطنها تسد الفم والسبب في ذلك: أن الإنسان إذا تثاءب ضحك الشيطان منه
لأنه أي: الشيطان يعرف أن هذا يدل على كسله وعلى فتوره والشيطان يحب من بني آدم أن
يكون كسولا فتورا -أعاذنا الله وإياكم منه- ويكره الإنسان النشيط الجاد الذي يكون
دائما في حزم وقوة ونشاط فإذا جاءك التثاؤب فإن استطعت أن تكظمه وتمنعه فهذا هو
السنة وهذا هو الأفضل وإن لم تقدر فضع يدك على فمك.
ولكن
هل تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ لا، لأن ذلك لم يرد عن النبي -عليه الصلاة
والسلام- فالنبي ﷺ
علمنا ماذا نفعل عند التثاؤب ولم يقل: قولوا كذا، وإنما قال: اكظموا أو ردوا باليد
ولم يقل: قولوا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أما ما اشتهر عند بعض الناس أن الإنسان
إذا تثاءب يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فهذا لا أصل له، والعبادات مبنية
على الشرع لا على الهوى لكن قد يقول بعض الناس اليس الله يقول: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: ٣٦]،
وقد أخبر النبي ﷺ
أن التثاؤب من الشيطان فهذا نزغ؟ نقول: لا، فقد فهمت الآية خطأ فالمراد من الآية:
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يعني: الأمر
بالمعاصي أو بترك الواجبات فهذا نزغ الشيطان كما قال تعالى، فيه إنه ينزغ بين
الناس فهذا نزغه أمر بالمعاصي والتضليل عن الواجبات فإن أحسست بذلك فقل: أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم، أما التثاؤب فليس فيه إلا سنة فعلية فقط وهي الكظم ما
استطعت فإن لم تقدر فضع يدك على فمك.
ومن
آداب العطاس: أنه ينبغي للإنسان إذا عطس أن يضع ثوبه على وجهه قال أهل العلم وفي
ذلك حكمتان:
الحكمة
الأولى: أنه قد يخرج مع هذا العطاس أمراض تنتشر على من حوله.
الحكمة
الثانية: أنه قد يخرج من أنفه شيء مستقذر تتقزز النفوس منه فإذا غطى وجهه صار ذلك
خيرا، ولكن لا تفعل ما يفعله بعض الناس بأن تضع يدك على أنفك فهذا خطأ لأن هذا يحد
من خروج الريح التي تخرج من الفم عند العطاس وربما يكون في ذلك ضرر عليك.
وفي
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف دليل: على أن من عطس ولم يقل: الحمد لله فإنه لا
يقال: له يرحمك الله لأن النبي ﷺ
عطس عنده رجلان أحدهما قال له النبي ﷺ: «يرحمك الله» والثاني
لم يقل له ذلك فقال الثاني: يا رسول الله عطس فلان فقلت له: يرحمك الله وعطست فلم
تقل لي ذلك قال أي الرسول: «هذا حمد الله وإنك لم تحمد الله» وعلى هذا إذا عطس
إنسان ولم يحمد الله فلا تقل له يرحمك الله، ولكن هل نذكره فنقول له: قل: الحمد
لله. لا، الحديث هذا يدل على أنك لا تذكره فلم يقل النبي ﷺ في الحديث: إذا عطس
ولم يحمد الله فذكروه بل قال: «لا تشمتوه» فنحن لا نقل أحمد الله، ولكن فيما بعد
علينا أن نخبره أن الإنسان إذا عطس عليه أن يقول: (الحمد لله) ويكون ذلك من باب
التعليم.
ولا
بدّ أن يكون حمد العاطس مسموعا كما أن العاطس إذا قيل له: يرحمك الله يقول:
(يهديكم الله ويصلح بالكم) أي: يصلح شأنكم فتدعو له بالهداية وإصلاح الشأن، ويقول
بعض العامة: (يهدينا أو يهديكم الله) وهذا خلاف المشروع، المشروع أن يقول: يهديكم
الله ويصلح بالكم كما بينا. والله الموفق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: