شرح حديث/ اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس
كتاب
السلام: بابُ فضلِ السّلامِ والأمر بِإفشائِهِ
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث/ اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس
أحاديث رياض الصالحين: بابُ فضلِ
السّلامِ والأمر بِإفشائِهِ.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن
النَّبيّ ﷺ قال: «لما خَلَقَ الله تعالى آدَمَ ﷺ قَالَ: اذْهَبْ
فَسَلِّمْ عَلَى أُولئِكَ نَفَرٍ مِنَ الَمَلاَئكة جُلُوسٌ فاسْتمعْ
مايُحَيُّونَكَ فَإنَّها تَحيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِك. فَقَالَ: السَّلام
عَلَيْكُمْ، فقالوا: السَّلام ُعَلَيْكَ وَرَحْمةُ اللهِ، فَزادُوهُ: وَرَحْمةُ اللهِ»
[١] متفقٌ عَلَيْهِ.
الشرح:
ذكر المُؤلِّف رحمهُ اللهِ، في كِتابِهِ (رياضِ
الصّالِحين) في بابٍ: فضلُ السّلامِ والأمر بِإفشائِهِ.
عن أبي هُريْرةٌ رضيَ اللهُ عنه، أنّ
الله لمّا خلق آدمُ قالً لهُ: «اذْهَبْ فَسَلِّمْ
عَلَى أُولئِكَ نَفَرٍ مِنَ الَمَلاَئكة جُلُوسٌ فاسْتمعْ مايُحَيُّونَكَ فَإنَّها
تَحيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِك» فذهِب آدمُ اِمتِثالا لِأمر الله فسلّمً
على الملائِكةِ الجُلوسُ السّلامُ عليكُم. قالوا: السّلامُ عليك ورحمةُ اللهِ.
فزادوا: «وَرَحْمةُ اللهِ» ففي هذا الحديثُ
دليلٌ على أنّ هذِهِ الخليفة البشريّة كانت منُّ العدمِ، وأنّها لم تكُن شيئا
مذكورًا مِن قبل، كما قال الله تبارك وتعالى: {هَلْ
أَتَىٰ عَلَى ٱلْإِنسَٰنِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْـًٔا مَّذْكُورًا} [الإنسان:
١] مِن قبل فخلفها الله وأوجِدها لِحِكمةِ عظيمةٍ ولِهذا لمّا قالت الملائِكةُ لله
عزَّ وجلَّ، حين أخبرهُما أنّه جاعلٌ في الأرضِ خليفةً قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ
مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠].
ومن فوائد هذا الحديث:
(فيه): خلقُ اللهِ هذهِ البشريةِ وجعلِ
منهمْ الأنبياءُ والرسلُ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ.
(وفيه): إِنَّ الملائكة أَجسَام وليْستْ
أرْواحًا بِلَا أَجسَام؛ لِأنَّهم جُلُوس والْجالس يَعنِي أَنَّه جِسْم وقد رأى
اَلنبِي ﷺ جِبْريل على صُورته اَلتِي خلق
عليْهَا لَه سِتّمائة جَنَاح قد سدَّ اَلأُفق وَاَللَّه -سُبْحانه وَتَعالَى- قال:
{جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ}
[فاطر: ١] فالْملائكة أَجسَام وَلكِن اَللَّه -عزَّ وجلَّ- حَجبُهم عَنَّا جعْلهم
عالمًا غيْبيًّا كمَا أنَّ اَلجِن أَجسَام، وَلكِن اَللَّه -عزَّ وجلَّ- حَجبُهم
فجعلَهم عالمًا غيْبيًّا وقد تظْهِر الملائكة فِي صُورَة إِنسَان كمَا جاء جِبْريل
إِلى رَسُول اَللَّه ﷺ مَرَّة بِصورة دِحْيَة
اَلكلْبِي، وَمرَّة بِصورة رَجُل غريب لَا يرى عليْه أثر السَّفر ولَا يعْرفه
الصَّحابة وعليْه ثِيَاب بِيض شِعْره أَسوَد وَجلَس إِلى اَلنبِي ﷺ وسأله عن الإسْلام والْإيمان والْإحْسان والسَّاعة
وأشْراطهَا.
(وفيه): أنَّ السُنّة فِي السَّلَام «السَّلَام
عليْك» إِذَا كان اَلمسْلِم عليْه واحدًا، وَإذَا كَانُوا جَماعَة تَقُول: «السَّلَام
عليْكم»؛ لِأنَّ الواحد يُخَاطِب بِخطاب الواحد، والْجماعة تخاطب بِخطاب الجماعة.
(وفيه): أنّ السّلام متلقن مِن
الملائِكةِ بِأمرِ اللهِ حيْثٌ قالً سُبحانه وتعالى: «إنّها تحيّتك وتحيّةُ
ذرّيّتُك» لكِنّ في قوْلِهُم في الرّدِّ: «السّلامُ عليك ورحمةُ اللهِ» إشكالٌ،
وهوَ أنّ المعروف في الرّدِّ أن يُقدِّم الخبر فيُقالُ عليك السّلام، والرّدّ على
ذلِكً نقولُ: إمّا أنّ هذا يُعلمونهُ التّحيّة الاِبتِدائيّة أوْ أنّ الشّريعة
وردّت بِخِلافٍ ذلِكً، أيْ: بِتقديمِ الخبرِ.
(وفيه): أنّ الأفضل في ردِّ السّلامِ أن
يزيد الإنسانُ ورحمةُ اللهِ؛ لِأنّ الملائِكة زادوا، والله سُبحانه وتعالى، قالً :{فَحَيُّوا
بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: ٨٦] فبدأ بالأحسن {أَوْ
رُدُّوهَا} إذا لم تردوا الأحسن.
[١] صحيح البخاري: (٣٣٢٦)، مسلم: (٢٨٤١).
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: