شرح حديث/ لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام
كتاب
السلام: باب تحريم ابتدائنا الكافر بالسلام وكيفية الرد عليهم
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث/ لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام
أحاديث
رياض الصالحين: باب تحريم ابتدائنا الكافر بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب
السلام على أهل مجلس فيهم مسلمون وكفار.
٨٧١ - عن أبي هريرة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ-
أنَّ رسولَ الله ﷺ
قال: «لا تَبْدَؤوا اليَهُودَ ولا النَّصَارى بالسَّلام،
فَإِذَا لَقِيتُم أحَدَهُم في طَرِيقٍ فَاضطَرُّوهُ إلى أضْيَقِهِ» رواه
مسلم.
٨٧٢ - وعن أنس ٍ-رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قال:
قال رسولُ الله ﷺ:
«إذَا سَلَّمَ عَلَيكُم أهلُ الكِتَابِ فَقُولُوا:
وعَلَيْكُمْ» متفقٌ عَلَيْهِ.
٨٧٣ - وعن أُسامة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ-
أنَّ النَّبيَّ ﷺ
مَرَّ عَلَى مَجْلسٍ فِيهِ أخلاطٌ مِنَ المُسلِمِينَ والمُشرِكِين عَبَدةِ
الأوثَانِ واليَهُودِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِم النبيُّ ﷺ. متفقٌ عليه.
الشرح:
هذا
الباب ذكره المؤلف في كتابه (رياض الصالحين) في حكم السلام على الكفار الخلص، وعلى
الكفار المختلطين بالمسلمين.
وقد
سبق الكلام في السلام على المسلمين الخلص وأنه سنة مؤكدة، أما السلام على الكفار
فإنه لا يحل لنا أن نبدأهم بالسلام، يعني: لا يجوز للإنسان إذا مر بالكافر أو دخل
عليه أن يقول: السلام عليك؛ لأن النبي ﷺ نهى عن ذلك كما في
حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ وذلك لأن تسليمنا عليهم فيه نوع من الذل لهم، ونوع
من الإكرام لهم؛ لأن التحية والسلام إكرام، والكافر ليس أهلا للإكرام، بل الكافر
حقه منا أن نغيظه وأن نذله وأن نهينه؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ
عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ
فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}. قال: {أَشِدَّاءُ
عَلَى الْكُفَّارِ} يعني: أقوياء عليهم أعزة عليهم {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ
اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذٰلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ
شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: ٢٩] هذا الشاهد.
وقال
تعالى في سورة التوبة: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا
يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم
بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: ١٢٠] وابتداؤنا إياهم بالسلام إكرام لهم
وإعزاز لهم والمؤمن ينبغي أن يكون عزيزا على الكافرين. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن
دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: ٥٤] فهم
لهم العزة على الكافرين، يعني: يرى المسلم أنه أعز من الكافر، وأن له العزة عليه،
ولهذا لما كثرت العمالة النصرانية بيننا اليوم ذهبت الغيرة من القلوب وكأن
النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الوثني كأنه لا يخالفنا إلا كما يخالف المالكي
الحنبلي والشافعي أو ما أشبه، ذلك عند بعض الناس يظنون أن اختلافنا مع أهل الكفر
كاختلاف المذاهب الأربعة في الإسلام -نسأل الله العافية.
وهذا
لا شك أنه من موت القلوب، فلا يحل للإنسان أبدا أن يعز الكافر، والمشروع أن نعمل
كل ما فيه غيظ لهم، ولكن يجب علينا أن نفي لهم بالعهد الذي بيننا وبينهم إذا كان
بيننا وبينهم عهد. فمثلا عمال ولو كانوا نصارى، أولا نقول: لا تأتي بعمال نصارى في
الجزيرة العربية؛ لأن الرسول ﷺ
قال: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب" وأمر فقال: أخرجوا اليهود
والنصارى من جزيرة العرب. وقال وهو في مرض موته: "أخرجوا المشركين من جزيرة
العرب" فلا تأت بكافر، وأنت يمكنك أن تأتي بمسلم وأما ما يعتقده من أمات الله
قلبه -والعياذ بالله- أو نقول: أزاغ الله قلبه، يقول: أنا آتي بعمال كفار؛ لأنهم
لا يصلون فلو صلوا لنقص العمل وحتى لا يصوموا ومن ثم فلا ينقص العمل، وحتى لا
يذهبوا لعمرة أو حج ومن ثم فلا ينقص العمل فهذا- والعياذ بالله- ممن اختار الدنيا
على الآخرة -نسأل الله العافية- فالحاصل أنه لا يجوز أن نبدأ أي كافر بالسلام لا يهودي
ولا نصراني ولا بوذي ولا وثني فأي إنسان على غير الإسلام لا يجوز أن نبدأه بالسلام
قال ﷺ:
"وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" يعني: لا نوسع لهم الطريق،
لو كان جماعة مسلمون وجماعة كفار تلاقوا في الطريق لا يفسح المسلمون لهم المجال
ولو تفرقوا في الطريق؛ لأنك إذا أفسحت الطريق لهم يعد هذا إكراما أو ما أشبه ذلك.
لماذا
نعاملهم هذه المعاملة؛ لأنهم أعداء لله قبل كل شيء وأعداء لنا. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا
بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: ١] هم أعداء الله أولا قبل كل
شيء، وثانيا أعداء لنا وأفعالهم بالمسلمين سابقا ولاحقا وإلى اليوم تدل على ذلك
وعلى شدة عداوتهم للمسلمين فلا يجوز أن نسلم عليهم، ولكن إذا سلموا ماذا نقول؟ قال
النبي على الصلاة والسلام: "إذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم" فقط لا تزد
على هذا. لماذا؛ لأنهم في عهد رسول الله ﷺ كانوا يسلمون على
المسلمين سلام خبيث، يقولون: السام عليكم، يعني: الموت. فهم من يسمعهم يظن أنهم
يقولون: السلام عليكم وهم يقولون: السام عليكم يعني: الموت فانظر إلى العداوة حتى
في التحية، لذا قال النبي ﷺ:
"قولوا: وعليكم" فقط. فإن كانوا قد قالوا السام فعليهم، وإن كانوا قد
قالوا السلام فعليهم وهذا من العدل؛ لأن الله قال: {وَإِذَا
حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}
[النساء: ٨٦] هذا عدل.
ولذا
قال بعض العلماء: إذا قال الكافر السلام عليك باللام الواضحة فقل عليك السلام؛
لأنه زال الأمر الذي بنى عليه الرسول ﷺ قوله، قولوا:
"وعليكم" كما في حديث ابن عمر في البخاري أنهم يقولون: السام عليكم،
فإذا سلموا فقولوا: "وعليكم"، وهذه علة واضحة؛ لأن السبب أننا نقول
وعليكم؛ لأنهم يقولون السام عليكم، أما إذا قالوا السلام صراحة فنقول وعليكم
السلام؛ لأن أقوم الناس بالعدل هم المسلمون والحمد لله، فإذا قالوا: "السلام
عليكم" نقول: وعليكم السلام، وإن قالوا: أهلا وسهلا فقل أهلا وسهلا، وإن
قالوا: مرحبا فقل مرحبا فنعطيهم مثل ما يعطوننا، لكن قد أشكل على بعض الناس الآن
أننا ابتلينا بقوم من الكفار يكونون رؤساء في بعض الشركات فيدخل المسلم على مكتب
الرئيس رئيس الشركة وهو يهودي أو نصراني فماذا يقول؟ نقول: يسلم ويقول السلام فقط،
وينوي بذلك أنه السلام عليه هو على المسلم؛ لأنك إذا حذفت المتعلق فلا يدري لمن
هذا السلام، وهذا إذا خفت من شره أما إذا لم تخف من شره وأنه رجل لا يبالي سلمت أم
لم تسلم فادخل لقضاء مصلحتك منه دون سلام؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال:
"لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام" لكن إذا خفت من شره فنقول: السلام
فقط، واختلف العلماء -رحمهم الله- هل يجوز أن نبدأهم بغير السلام مثل مرحبا أهلا
وسهلا.
فمنهم
من قال: لا بأس به تأليفا لا سّيما إن خاف منه أو لم يأمن شره، ومنهم من قال: لا؛
لأن ذلك فيه تعظيم له، والإنسان في هذه الحال مرحبا أهلا وما أشبه ذلك ينظر ما
تقتضيه الحاجة أو المصلحة.
ثم
ذكر المؤلف حديث إذا مر الإنسان بجمع فيه مسلمون وكفار هل يترك السلام؛ لأن فيهم
كفارا أم يسلم؛ لأن فيه مسلمين، اجتمع الآن سببان مبيح وحاظر. المبيح: وهم المسلمون،
والحاظر: المانع، وهم الكفار لكن هنا يمكن تشذير الحكم وإلا فالقاعدة الشرعية أنه
إذا اجتمع مبيح وحاظر وتعذر انفكاك أحدهما عن الآخر فإنه يغلب جانب الحاظر، أي:
المنع، لكن هنا يمكن من الانفكاك تسلم وتنوي على المسلمين؛ لأن النبي ﷺ مر بمجلس فيه أخلاط من
المشركين واليهود وفيهم مسلمون فسلم عليهم، والله الموفق.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح
الأعمال
ليست هناك تعليقات: