ما الحكم في حديث/ لا تنسنا يا أخي من دعائك
شرح العلامة
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
كتاب
الأدب: باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب الدعاء
منه
أحاديث رياض الصالحين: باب وداع الصاحب
ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب الدعاء منه.
٧١٨- وعن عُمَرَ بنِ الخطابِ رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ، قَالَ:
اسْتَأْذَنْتُ النَّبيَّ ﷺ في الْعُمْرَةِ،
فَأَذِنَ، وَقالَ: «لا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ
دُعَائِك» [١]، فقالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّني أَنَّ لِي بهَا الدُّنْيَا.
وفي روايةٍ قَالَ: «أَشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ في دُعَائِكَ» رواه أَبُو
داود والترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
٧١٩- وعن سالم بنِ عَبْدِ اللَّه بنِ
عُمَرَ: أَنَّ عبدَ اللَّه بنَ عُمَرَ رضي اللَّه عنهما، كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ
إِذَا أَرَادَ سَفَرًا: ادْنُ مِنِّي حَتَّى أُوَدِّعَكَ كمَا كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ يُودِّعُنَا فيقُولُ: «أَسْتَوْدِعُ
اللَّه دِينَكَ، وَأَمانَتَكَ، وخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ» [٢]، رواه
الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
٧٢٠- وعن عبدِ اللَّهِ بنِ يزيدَ الخَطْمِيِّ
الصَّحَابيِّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ:
كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ إِذا أَرَادَ أَنْ
يُوَدِّعَ الجَيْشَ قالَ: «أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ
دِينَكُمْ، وَأَمَانَتكُم، وَخَوَاتِيمَ أَعمَالِكُمْ» [٣]، حديثٌ
صحيحٌ، رواه أَبُو داود وغيرُه بإِسنادٍ صحيحٍ.
٧٢١- وعن أَنسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى النَّبيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رسُولَ
اللَّه، إِني أُرِيدُ سَفَرًا، فَزَوِّدْني، فَقَالَ: «زَوَّدَكَ
اللَّهُ التَّقْوَى»، قَالَ: زِدْني، قَالَ: «وَغَفَرَ
ذَنْبَكَ»، قَالَ: زِدْني، قَالَ: «وَيَسَّرَ
لكَ الخيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ» [٤]، رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
الشرح:
هذه الأحاديث ذكرها النووي رحمه الله، في
هذا الباب فيما يستحب من وداع الصاحب والدعاء له وطلب الدعاء منه فذكر حديث عمر بن
الخطاب رضي الله عنه، أنه أراد أن يعتمر فاستأذن النبي ﷺ فأذن له.
وقال: "لا تنسنا يا أخي من دعائك"،
وفي رواية: "أشركنا يا أخي في دعائك" وذكر أن الترمذي أخرجه وقال: إنه
حسن صحيح، ولكن الحقيقة أنه ضعيف وأنه لا يصح عن النبي ﷺ وطلب الدعاء من الغير ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يطلب من الغير الدعاء
لصالح المسلمين جميعا، أي: شيء عام فهذا لا بأس به، وقد دخل رجل يوم الجمعة
والنبي ﷺ يخطب فقال: يا رسول الله
هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي ﷺ يديه وقال: «اللَّهُمَّ
أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا» فأنشأ الله سحابة
فانتشرت وتوسعت وأمطرت ولم ينزل النبي ﷺ من
المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعا كاملا وفي الجمعة الثانية
دخل رجل آخر أو الأول فقال: يا رسول الله غرق المال وتهدم البناء فادع الله يمسكها
عنا فرفع النبي ﷺ يديه وقال: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولَا عَلَيْنَا» [٥]، وجعل
يشير إلى النواحي فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت وتمايز السحاب حتى خرج الناس
يمشون في الشمس. فإذا طلبت من شخص صالح مرجو الإجابة شيئا عاما للمسلمين فهذا لا
بأس به؛ لأنك لم تسأل لنفسك مثال ذلك: لو أن رجلا جاء إليك يطلب منك الشفاعة لتغيث
رجلا ملهوفا أو تقضى عنه دينه أو ترفع الظلم عن رجل ضعيف من المسلمين فإن هذا لا
بأس به؛ لأن المصلحة لغيره.
القسم الثاني: أن يطلب الدعاء من الرجل
الصالح من أجل أن ينتفع الرجل بهذا الدعاء ولا يهمه هو أن ينتفع، لكن يحب من هذا
الرجل الذي طلب منه الدعاء أن يلجأ إلى الله وان يسأل الله عزَّ وجلَّ، وأن يعلق
قلبه بالله وأن يعلم أن الله سبحانه وتعالى، سميع الدعاء. المهم أن يكون قصده
مصلحة هذا الرجل فهذا لا بأس به أيضا؛ لأنك لم تسأله لمحض نفعك، ولكن لنفعه هو،
فأنت تريد أن يزداد هذا الرجل الصالح خيرا بدعاء الله عزَّ وجلَّ، وأن يتقرب إلى
الله بالدعاء وأن يحصل على الأجر والثواب.
القسم الثالث: أن يطلب الدعاء من الغير
لمصلحة نفسه هو فهذا أجازه بعض العلماء، وقال لا بأس أن تطلب من الرجل الصالح أن
يدعو لك لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال لا ينبغي إذا كان قصدك مصلحة
نفسك فقط؛ لأن هذا قد يدخل في المسألة المذمومة؛ لأن النبي ﷺ بايع أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا [٦].
وكذلك؛ لأنه ربما يعتمد هذا السائل الذي سأل غيره أن يدعو له ربما يعتمد على دعاء
هذا الغير وينسى أن يدعو هو لنفسه فيقول: أنا قلت لفلان وهو رجل صالح ادع الله لي
وإذا استجاب الله هذا الدعاء فهو كاف فيعتمد على غيره وكذلك؛ لأنه ربما يلحق
المسئول غرور في نفسه وأنه رجل صالح يطمع الناس إلى دعائه فيحصل في هذا شر على
المسئول، وعلى كل حال فإن هذا القسم الثالث مختلف فيه. فمن العلماء من قال: لا بأس
أن تقول للرجل الصالح يا فلان ادع الله لي، ومنهم من قال: لا ينبغي والأحسن ألا
تقول ذلك؛ لأنه ربما يمن عليك بهذا وربما تذل أمامه بسؤالك، ثم إنه من الذي يحول
بينك وبين ربك ادع الله بنفسك لا أحد يحول بينك وبين الله، لماذا تذهب تفتقر إلى
غيرك وتقول: ادع الله لي وأنت ليس بينك وبين ربك واسطة؟ قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:
٦٠]، وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦].
[١] ضعيف: أبو داود: (١٤٩٨)، الترمذي:
(٣٥٦٢)، علته: عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب ضعيف.
[٢] صحيح: أحمد (٢/٧) أبو داود (٢٦٠٠)،
الترمذي: (٣٤٤٣)، النسائي في "عمل اليوم والليلة" ص (٣٥٧)، الحاكم:
(١/٤٤٢)، (٢/٩٧)، وقال الشيخ أحمد شاكر في "تحقيق المسند" إسنادة صحيح.
[٣] صحيح: أبو داود: (٢٦٠١)، الحاكم:
(٢/٩٨،٩٧)، قلت: والحديث صحيح ويشهد له ما قبله.
[٤] إسنادة ضعيف: الترمذي (٣٤٤٤)، الحاكم
(٢/٩٧) فيه: سيار بن حاتم العنزي، قال الحافظ في التقريب (١/٣٤٣): صدوق له أوهام.
[٥] صحيح البخاري: (١٠١٤)، مسلم: (٨٩٧) باختلاف
يسير.
[٦] صحيح مسلم: (١٠٤٣).
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: