شرح حديث/ من أهان السلطان أهانه الله
باب
وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
أحاديث رياض الصالحين: باب وجوب طاعة
ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية.
٦٧٦- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ:
قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه، وَمَنْ عَصَاني
فَقَدْ عَصَى اللَّه، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَني، ومَنْ يَعْصِ
الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي» [١] متفقٌ عَلَيْهِ.
٦٧٨- وعن أبي بكرة رضي الله عنه، قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ
اللَّه ﷺ يقول: «مَن
أهَانَ السُّلطَانَ أَهَانَهُ اللَّه» [٢] رواه الترمذي وقال: حديثٌ
حسنٌ.
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح، وقد
سبق بعضها في أبواب.
الشرح:
هذانِ الحديثانِ بقيّةُ بابِ وُجوبِ
طاعةِ وُلاةِ الأُمورِ في غيْر معصيَةٍ اللّهِ.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن
النبي ﷺ قال: «مَنْ أَطَاعَني
فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه، وَمَنْ عَصَاني فَقَدْ عَصَى اللَّه، وَمَنْ يُطِعِ
الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَني، ومَنْ يَعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي».
ففي هذا الحديثُ بيّن النّبيُّ ﷺ أنّ طاعتهُ مِن طاعةٍ اللّهِ. قال اللهُ تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} [النساء:
٨٠]، والنّبيُّ عليه الصّلاة والسّلام لا يأمُرُ إلّا بِالوَحي؛ إلّا
بِالشّرعِ الّذي شرعهُ اللّهُ تعالى لهُ ولأمتهُ، فإذا أمرٍ بِشيْءٍ؛ فهوَ شرع
اللّهُ -سُبحانه وتعالى- فمن أطاعهُ فقد أطاع الله، ومِن عصاَهُ فقد عصَى اللهُ.
الأميرُ إذا أطاعُهُ الإنسان فقد أطاع الرّسول؛
لِأنّ النّبيّ ﷺ أمرً في أكثرُ مِن حديثٍ،
وأمرُّ بِطاعةِ وليِّ الأمرِ، وقال: «وَأَطِعْ وإنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ»
[٣]، وقال: «اسمَعوا وأطيعوا وإنِ استُعمِلَ عليْكم
عبدٌ حبشيٌّ كأنَّ رأسَهُ زبيبةٌ» [٤]، وقال: «عليكَ
السمْعُ والطاعة، في عُسْرِكَ ويُسرِكَ، ومَنشَطِكَ، ومَكرَهِكَ، وأثَرَةٍ عليْكَ»
[٥].
والأحاديثُ في هذا كثيرةٍ، فقد أمرُّ
بِطاعةِ وليِّ الأمرِ، فإذا أُطِعتِ وليّ الأمرِ فقد أطعتِ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام،
وإذا أطعتِ الرّسول فقد أُطِعتِ الله.
وهذا الحديثُ وما سبقهُ وما لم يذكُرُهُ
المُؤلِّفُ كُلُّها تدُلُّ على وُجوبِ طاعةِ وُلاةِ الأُمورِ إلّا في معصيَةٍ اللّهِ،
لمّا في طاعتِهُم مِن الخيْرِ والأمِنِ والاِستِقرار وعدمُ الفوْضى وعدمُ
اِتِّباعِ الهوَى. أمّا إذا عصيِّ وُلاةِ الأُمورِ في أمرِ تلزمُ طاعتهُم فيه؛
فإنّه تحصُل الفوْضى، ويَحصُلُ إعجابٌ كُلُّ ذي رأي بِرأيِهِ، ويَزولُ الأمن،
وتُفسِدُ الأُمور، وتكثُرُ الفِتن، فلِهذا يجِبُ علينا نحنُ أن نسمع ونطيع
لِوُلاةِ أمورُنا إلّا إذا أمروَنا بِمعصيَةٍ؛ فإذا أمروَنا بِمعصيَةٍ اللّهِ
فربُّنا ورِبُهُم اللهِ لهُ الحُكمُ، ولا نطيعهم فيها؛ بل نقولُ لِهُم: أنتُم
يجِبُ عليكُم أن تتجنّبوا معصيَةً اللّهِ، فكيْف تأمُروننا بِها؟ فلا نسمعُ لكُم
ولا نطيع.
وقد سبّق لنا أنّ قُلّنا: إنّ ما أمرٌ
بِهِ وُلاةُ الأُمورِ ينقسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامِ:
القسم الأول: أن يكون اللّهُ قد أمرّ بِهِ،
مِثلُ أن يأمُرونا بِإقامةِ الجماعةِ في المساجِدِ، وأن يأمُرونا بِفِعلِ الخيْرِ
وترُكُّ المُنكِر، وما أشبه ذلِكً، فهذا واجِبٌ مِن وجهيْنٍ: أوْلًا: أنّه واجِبٌ أصلًا.
الثّاني: أنّه أمرٌ بِهِ وُلاةُ الأُمورِ.
القسم الثاني: أن يأمُرونا بِمعصيَةٍ اللّهِ،
فهذا لا يُجوِّز لنا طاعتهُم فيها مهما كان، مِثلُ أن يقولوا: لا تصِلوا جماعةً،
أحلّقوا لِحاكِمٍ، أنُزِلوا ثيابكُم إلى أسفلِ، أظلِموا المُسلِمين بِأخذِ المالِ
أوْ الضّربُ أوْ ما أشبه ذلِكً، فهذا أمرٌ لا يُطاعُ ولا يحِل لنا طاعتهُم فيه،
لكِنّ علينا أن نناصحهم وأنّ نُقولً: اُتُّقوا الله، هذا أمرٌ لا يُجوِّز، لا يحِل
لكُم أن تأمُروا عِبادً اللّهِ بِعصيّةِ اللهِ.
القسم الثالث: أن يأمُرونا بِأمرٍ ليْس
فيه أمرٌ مِن اللهِ ورسولهُ بذاته، وليْس فيه نهي بذاته، فيَجِبُ علينا طاعتهُم فيه؛
كالأنظِمةِ الّتي يستنونها وهي لا تُخالِفُ الشّرع، فإنّ الواجِب علينا طاعتهُم
فيهُما واِتِّباعٌ هذِهِ الأنظِمةِ وهذا التّقسيمُ، فإذا فِعلِ النّاسِ ذلِكً؛
فإنّهُم سيجدون الأمن والاِستِقرار والرّاحة والطُّمأنينة، ويُحِبّون وُلاة أمورُهُم،
ويُحِبُّهُم وُلاة أمورُهُم.
ثمّ ذكرً المُؤلِّفُ آخِرُ حديثٌ في هذا البابُ؛
حديثُ أبي بكرة أن الرسول ﷺ قال: «مَن
أهَانَ السُّلطَانَ أَهَانَهُ اللَّه» وإهانة السلطان لها عدة صور:
منها: أن يُسخِّر بِأوامرِ السُّلطانِ،
فإذا أمرٍ بِشيْءِ قالٍ: اُنظُروا ماذا يقولُ؟
ومنها: إذا فعلًّ السُّلطان شيئًا لا
يراه هذا الإنسانُ. قالٌ: اُنظُروا، اُنظُروا ماذا يفعلُ؟ يُريدُ أن يهون أمر السُّلطانُ
على النّاسِ؛ لِأنّه إذا هونٍ أمر السُّلطانُ على النّاسِ اِستهانوا بِهِ، ولم
يمتثِلوا أمرهُ، ولم يجتنِبوا نهيَهُ. ولِهذا فإنّ الّذي يُهين السُّلطان بِنشرِ
معايِبِهِ بيْن النّاسِ وذمّهُ والتّشنيعُ عليه والتّشهير بِهِ يكونُ عُرضةٌ؛ لِأن
يُهينهُ الله عزّ وجلّ؛ لِأنّه إذا أهان السُّلطان بِمِثلُ هذِهٍ الأُمورُ؛
تمرُّدُ النّاسِ عليه فعُصوهُ، وحينئذٍ يكون هذا سببُ شرِّ فيُهينُهُ الله عزّ
وجلّ.
فإنّ أهانهُ في الدُّنيا فقد أُدرِك عُقوبتهُ،
وإنّ لم يُهِنهُ في الدُّنيا فإنّه يستحِقُّ أن يُهان في الآخِرةِ والعياذ بِاللهِ؛
لِأنّ كلام الرّسولِ ﷺ حقّ: «مَن أهَانَ
السُّلطَانَ أَهَانَهُ اللَّه»، ومِن أعانُ السُّلطان أعانهُ اللّهُ؛ لِأنّه أعان
على خيْرٍ وعلى برٍّ، فإذا بيّنتِ لِلنّاسِ ما يجِبُ عليهُم لِلسُّلطانِ وأعنِّتُهُم
على طاعتِهِ في غيْر معصيَةٍ فهذا خيْرٌ كثيرٌ، بِشرطٍ أن يكونُ إعانةٌ على البرِّ
والتّقوَى وعلى الخيْرِ، نسألُ الله لنا ولكُم الحِمايَة عمّا يُغضِب وجهًا،
والتّوْفيقُ لما يُحِبُّهُ ويَرضاهُ.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
[١] صحيح البخاري: (٧١٣٧)، مسلم: (١٨٣٥).
[٢] إسناد ضعيف: أحمد (٥/٤٢، ٤٩)،
الترمذي: (٢٢٢٤)، البغوي في "شرح السنة" (١٠/٥٤)، وعلته سعد بن أوس،
وزياد بن كسيب العدوي.
[٣] صحيح مسلم: (١٨٤٧).
[٤] صحيح البخاري: (٧١٤٢).
[٥] صحيح مسلم: (١٨٣٦).
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: