Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح حديث (ما خير رسول اللَّهِ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما) فذكر

باب الحلم والأناة والرفق
لفضيلة الدكتور خالد بن عثمان السبت

شرح – حديث – ما – خير – رسول – اللَّهِ – بين – أمرين – قط – إلا – أخذ – أيسرهما - فذكر

شرح حديث (ما خير رسول اللَّهِ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما) فذكر


أحاديث رياض الصالحين: باب الحلم والأناة والرفق

 

٦٤٦ - وعن عائشة -رَضِيَ اَللَّه عَنها- قالت: "مَا خُيِّر رسولُ اللَّه بَينَ أَمْرينِ قَطُّ إِلَّا أَخذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَم يَكُن إِثمًا، فإنْ كانَ إِثمًا كَانَ أَبعد النَّاسِ مِنْهُ، ومَا انتَقَمَ رسولُ اللَّه لِنَفْسِهِ في شَيءٍ قَطُّ، إِلَّا أَن تُنْتَهكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِم للَّهِ تَعَالَى" متفقٌ عَلَيْهِ.

 

الشرح:
وذكر حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: "ما خُير رسول الله بين أمرين قطُّ إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله لنفسه في شيء قطُّ إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله تعالى"[١]، متفق عليه.

 

(ما خُير رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما)، هذا أيضاً للعموم (ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما)، يدخل في هذا أمور الدنيا، القضايا المتعلقة بالدعوة أيضاً، يدخل في هذا قضايا العبادات، هذا ظاهره العموم، وإن قال بعضهم: إن العبادات غير داخلة في هذا، والواقع أنها داخلة فيه؛ لأن قصد التكلف والمشقة في العبادة غير مطلوب.
فيدخل في هذا أمور كثيرة جدًّا، في أمور العبادات، والعادات والمعاملات، على سبيل المثال: عندك طريقان في السفر: طريق فيه عقبة، وصعب، ووعورة وربما جلد، وطريق آخر سهل، في أرض سهلة، ليس فيه هذه العراقيل، فماذا تختار؟ تختار الأيسر.

 

ومن الناس من لا يروق له إلا الصعوبة والحُزُونة والشدة، يحب المغامرة، فيبحث عن الأصعب، وقد يكون هلاكه فيه، وهذا غلط، والمشكلة تكون أكبر إذا كان يحمّل الآخرين هذا، يعني: معه أطفال، معه نساء، معه أهله، ما يريدون هذا، لكن هو يريد هذا، فكم من إنسان مات وأهله عطشاً، أو جوعاً، أو نحو ذلك، أو تاهوا في صحراء، انقطعوا من الناس، وماتوا، والسبب هو حب المغامرة، ما يريد أن يسلك الطريق الذي يسلكه الناس، يريد أن يذهب كما يقول: قُطُوع، يريد أن يمشي في الصحراء، في الحر، معه أطفال، معه نساء، يريد أن يغامر، يسمع أن بعض الناس يذهبون من هذا الطريق، هذا غلط.

 

كذلك أيضاً في أي مشروع كالتخرّج مثلاً، عُرض عليك خيارات، يمكن أن تدرس ساعات معينة، يمكن أن تقدم بحثاً، يمكن أن تكتب مقالاً في الحال، بعض الناس ما يروق له إلا الأصعب، هذه الأيام أيام اختبارات، جاء له سؤال اختياري، اختر أي سؤال، بعض الناس ما يروق له إلا السؤال الصعب، هو لا يجد ذهنه يعيش في شيء من اللذة والمتعة، ونحو ذلك إلا مع الأشياء الصعبة، وكما قال شيخ الإسلام: إن من الناس من قد لا يقبل الحق، حينما يبين له إلا بطريقة فيها عُسر وصعوبة ودقة لا يفهمها كل أحد، من أجل أنه ما يريد أن يتساوى مع عموم الناس، ما تأتيه بأدلة واضحة، وتستدل بها، تحتاج أن تأتيه بأدلة معقدة، ما يفهمها إلا النادر من الناس، فهذا إذا ناقشته بهذه اللغة قبل وسلم لك وأذعن، وهكذا من الناس في التعليم من لا يريد الطريقة السهلة، يقول: هذه أشياء معروفة، آيات وأحاديث، وماذا تريدون؟، وما هو العلم إلا الآيات والأحاديث؟!، هو يريد كلامًا صعبًا، ويريد أن نكلمه بلغة الشَّرطي المنفصل، وبلغة لا يفهمها عامة الناس، كلام المناطقة، فهذا الكلام غير صحيح، هذه الطريقة خطأ، المفروض أن الإنسان يسلك الأسهل دائماً.

 

وقل مثل ذلك في أمور الأعمال والمكاسب، خُير بين عملين تريد هذا العمل أو تريد هذا العمل؟ ما هو الطبيعي؟ تختار الأيسر.
وقل مثل ذلك أيضاً فيما يتعاطاه الإنسان أحياناً في المشكلات، بعض الناس لابد أن يصعد المشكلة، ولابد من المحكمة، وقد يُعرض عليه صلح يسير، وتُنهى فيه المشكلة وانتهينا، ما يقبل، لابد أن يركب الطريق الأصعب، التعامل معه صعب، ما تستطيع أن تتخلص، لا تخلّص حقًّا، ولا حقك يأتيك.

 

قال: (ما لم يكن إثماً)، بمعنى: إنه لا مجال لاختيار الأسهل، كما يفعل بعض الناس، يختار الفتوى الأسهل مثلاً؛ لأنها توافق هواه، هذا لا يجوز؛ لأن الحق عند الله واحد، فحتى لو أفتاه من أفتاه، إذا ما وافق الحق، وقد سأله تتبعاً للرخص، وتجارياً مع الهوى، فإن الذمة لا تبرأ في هذه، ولو أفتاه من أفتاه.
وكل ما سبق يدل على معنى وهو: إن السهولة واليسر في الأمور هو المطلوب، وهذه قد تكون سجية في النفس، يُجبل الإنسان عليها، وقد يكون ذلك تكلفاً يتكلفه الإنسان، ويروض نفسه عليه، حتى يعتاد هذا الخُلق.
واختيار الأيسر والأسهل تجده إن وُفق الإنسان إليه صارت أموره سمحة غالباً، في كل شأن من شئونه.

 

قال: (وما انتقم رسول الله لنفسه في شيء قطُّ إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله تعالى).
(ما انتقم لنفسه في شيء قطُّ)، بمعنى: في الأمور الشخصية، وقوله: (إلا أن تنتهك حرمة الله)، هذا استثناء منقطع، معنى الاستثناء المنقطعإنه ليس المستثنى بجزء من المستثنى منه.
بمعنى: لكنْ إذا انتهكت حرمة الله انتقم لله وليس لنفسه، هذا معنى كونه استثناء منقطعًا، وبعضهم يقول غير هذا.

 

قال: (إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى)، إذاً ما ينتقم لنفسه، وهذا خلق رفيع عالٍ، يحتاج الإنسان أن يروض نفسه عليه، وأن يحملها على هذا قدر الإمكان، أن لا ينتقم لنفسه.
النفوس تكون حاضرة عند المخاصمات، وحينما يحصل للإنسان شيء لربما من الظلم أو الاستفزاز، أو نحو ذلك، فيريد أن ينتقم، فلربما انتقم بأعظم مما ظلم، ولربما كان ذلك -كما قال شيخ الإسلام- في الدعاء، يعني: إنسان ظلمه مظلمة يسيرة، فيدعو عليه بأعظم مما ظلمه، هذا الإنسان لربما أخذ عليه عشرة ريالات، فيدعو عليه بالموت والهلاك، وتيتيم الأطفال وترميل النساء، لأجل عشرة ريالات!، فهذا صار ظالماً بدعائه هذا بأعظم مما ظُلم فيه.
فإذا استطاع الإنسان أن يربي نفسه على هذا الخلق، لا ينتقم لنفسه، فهذا كمال، والله المستعان.

 

الناس يتفاوتون في هذا غاية التفاوت، من الناس من يكون قلبه كالجمل لابد أن يحمل، وأن ينتقم ويتربص، من الناس من يعفو ويصفح ويبقى في نفسه حُسيكة، ومن الناس من قد يعفو ويصفح ولا يبقى في نفسه شيء، من الناس من يكون غضبه سريعاً، لكن رجعته سريعة، ومنهم من يكون غضبه سريعاً، ورجعته بطيئة، ومنهم من يكون غضبه بطيئاً ورجعته سريعة، ومنهم من يكون غضبه بطيئاً ورجعته بطيئة، بعض الناس تسترضيه بكل وجه ولا يقبل، فهذا أمر لا يُحمد من الإنسان، والله أعلم.
وصل الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.


(١) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي (٤/١٨٩)، رقم: (٣٥٦٠)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته للآثام واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته (٤/١٨١٤)، رقم: (٢٣٢٨).


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

شرح حديث (ما خير رسول اللَّهِ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما) فذكر Reviewed by احمد خليل on 8:13:00 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.