شرح حديث / كانت ناقة رسول الله العضباء لا تسبق
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
شرح حديث / كانت ناقة رسول الله
العضباء لا تسبق
شرح حديث / إذا
سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى
شرح حديث / لو
دعيت إلى كراع أو ذراع لقبلت
أحاديث رياض الصالحين
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين الحديث رقم 613 -615 -616
613
-وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ
كان إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاث قال: وقال: (إذا
سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان) وأمر أن
تسلت القصعة قال: (فإنكم لا تدرون في أي طعامكم
البركة) رواه مسلم.
615
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ
قال: (لو دعيت إلى كراع أو ذراع لقبلتُ، ولو أهدي إلى
ذراعٌ أو كراعٌ لقبلتُ) رواه البخاري.
616
-وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله ﷺ العضباء لا تسبق، أو لا تكادُ
تسبقُ، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبي ﷺ فقال: (حق
على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعهُ) رواه البخاري.
الشَّرْحُ
هذه
الأحاديث ذكرها الحافظ النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب
التواضع، فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي ﷺ
كان إذا فرغ من الأكل لعق أصابعه الثلاث. لعقها: يعني لحسها حتى يكون ما بقي من
الطعام فيها داخلًا في طعامه الذي أكله من قبل، وفيه فائدة ذكرها بعض الأطباء؛ أن
الأنامل تفرز عند الأكل شيئًا يعين على هضم الطعام.
فيكون
في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان:
فائدة
شرعية: وهي الاقتداء بالنبي ﷺ.
وفائدة
صحية طبيه: وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم.
والمؤمن
لا يهمه ما يتعلق بالصحة البدينة، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول ﷺ والاقتداء به؛ لأن فيه صحة القلب، وكلما كان
الإنسان للرسول ﷺ أتبع؛ كان إيمانه أقوى.
وكذلك
قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سقطت لقمة أحدكم)
يعني على الأرض أو على السفرة (فليمط عنها الأذى
وليأكلها، ولا يدعها للشيطان) فإذا سقطت اللقمة أو التمرة أو ما أشبه ذلك
على السفرة؛ فخذها وأزل ما فيها من الأذى إن كان فيها أذى من تراب أو عيدان وكلها؛
تواضعًا لله عز وجلّ، وامتثالًا لأمر النبي ﷺ،
وحرمانًا للشيطان من الأكل معك، لأنك إذا تركتها أكلها الشيطان.
والشيطان
ربما يشارك الإنسان في أكله في مثل هذه المسألة، وفيما إذا أكل ولم يسم، فإن
الشيطان يشاركه في أكله.
والثالث
أمر بسلت الصحن أو القصعة، وهو الإناء الذي فيه الطعام، فإذا انتهيت فأسلته، بمعنى
أن تلحسه، تمر يدك عليه وتتبع ما علق فيه من طعام بأصابعك وتلعقه.
وهذا
أيضًا من السنة التي غفل عنها كثيرٌ من الناس مع الأسف كثير من الناس حتى من طلبة
العلم أيضًا، إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم ما زال الأكل باقيًا فيها،
لا يلعقون الصحفة، وهذا خلاف ما أمر به النبي ﷺ،
ثم بين الرسول عليه الصلاة والسلام الحكمة من ذلك فقال: (لا
تدرون في أي طعامكم البركة) قد تكون البركة من هذا الطعام في هذا الذي سلته
من القصعة.
وفي
هذا الحديث حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه إذا ذكر الحكم ذكر الحكمة
منه؛ لأن ذكر الحكمة مقرونًا بالحكم يفيد فائدتين عظيمتين:
الفائدة
الأولى: بيانه سمو الشريعة، وأنها شريعة مبنية على المصالح، فما من شيء أمر الله
به ورسوله ﷺ إلا والمصلحة في وجوده، وما من
شيء نهى الله عنه ورسوله ﷺ إلا والمصلحة في
عدمه.
الفائدة
الثانية: زيادة اطمئنان النفس؛ لأن الإنسان بشر قد يكون عنده إيمان وتسليم بما حكم
الله به ورسوله، لكن إذا ذكرت الحكمة ازداد إيمانًا، وازداد يقينًا، ونشط على فعل
المأمور أو ترك المحظور.
ثم
ذكر المؤلف حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي جاء بقعود له،
ناقة ليست كبيرة، أو جمل ليس بكبير، وكانت ناقة النبي ﷺ
العضباء وهي غير القصواء التي حجّ عليها، هذه ناقة أخرى، وكان من هدي الرسول عليه
الصلاة والسلام أنه يسمي دوابه وسلاحه وما أشبه ذلك.
فالعضباء
هذه كان الصحابة رضي الله عنهم يرون أنها لا تُسبق أو لا تكاد تُسبق، فجاء هذا
الأعرابي بقعوده فسبق العضباء، فكأن ذلك شقَّ على الصحابة رضي الله عنهم، فقال
النبي ﷺ لما عرف ما في نفوسهم: (حقٌ على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه).
فكل
ارتفاع يكون في الدنيا فإنه لا بدَّ أن يئول إلى انخفاض، فإن صحب هذا الارتفاع
ارتفاع في النفوس وعلو في النفوس، فإن الوضع إليه أسرع؛ لأن الوضع يكون عقوبة،
وأما إذا لم يصحبه شيء، فإنه لا بدَّ أن يرجع ويوضع؛ كما قال الله تبارك وتعالى:﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ
أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا
يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ ﴾]
يونس: 24[أي ظهر فيه من كل نوع.﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا
أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾] يونس: 24[ذهبت
كلها. كل هذه الزينة، وكل هذا النبات الذي اختلط من كل صنف، كله يزول كأن لم يكن،
وهكذا الدنيا كلها تزول كأن لم تكن، حتى الإنسان نفسه يبدو صغيرًا ضعيفًا، ثم
يقوى، فإذا انتهت قوته عاد إلى الضعف والهرم، ثم إلى الفناء والعدم، فما من شيء
ارتفع من الدنيا إلا وضعه الله عزّ وجلّ.
وفي
قوله عليه الصلاة والسلام: (من الدنيا) دليلٌ
على أن ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله، فقوله تعالى:﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾]
المجادلة: 11[، هؤلاء لا يضعهم الله عزّ وجلّ ما داموا على
وصف العلم والإيمان، فإنه لا يمكن أن يضعهم الله؛ بل يرفع لهم الذكر، ويرفع
درجاتهم في الآخرة، والله الموفق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل
الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / كانت ناقة رسول الله العضباء لا تسبق
Reviewed by احمد خليل
on
12:51:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: