شرح الحديث النبوي الشريف (بينا أيوب عليه السلام يغتسل عريانًا فخر عليه جراد من ذهب) من رياض الصالحين
باب
التنافس في أمور الآخرة والاستنكار مما يتبرك به
الدرر السنية
شرح
حديث / بينا أيوب عليه السلام يغتسل عريانًا فخر عليه جراد من ذهب
أحاديث
رياض الصالحين: باب التنافس في أمور الآخرة والاستنكار مما يتبرك به
٥٧٥
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «بيْنَا أَيُّوبُ عليه السلام يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا،
فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ،
فَنَادَاهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ
عَمَّا تَرَى؟ قالَ: بَلَى وعِزَّتِكَ، ولَكِنْ لا غِنَى بي عن بَرَكَتِكَ»
رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
الشرح:
أحَلَّ
اللهُ سبحانَه وتعالَى، لِعبادِه الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ، وأمَرَهم بشُكرِ
نِعمتِه؛ فالعبدُ إذا أدَّى حقَّ المالِ وشَكَرَ المنعِمَ فقدْ أدَّى ما عليه،
والأنبياءُ هم أكمَلُ النَّاسِ وأكثرُهم شُكرًا وأداءً لِحقِّ النِّعمةِ.
وفي
هذا الحديثِ يُخبِرُ ﷺ
أنَّ نبيَّ اللهِ أيُّوبَ عليه السَّلامُ، كان يَغتسِلُ مرَّةً عُريانًا ولكن
بعيدًا عن الأعيُنِ، فنَزَلَ عليه مِنَ السَّماءِ جَرادٌ مِن ذهبٍ مُعجزةً مِنَ
الله تعالى، فجعَلَ أيُّوبُ عليه السَّلامُ، يأخذُ بيَدِه ويَرْمي في ثَوبِه.
فقال
له اللهُ تعالى: «يا أيُّوبُ، المْ أكُنْ أَغنيْتُك عمَّا ترى»، وهذا ليسَ بعِتابٍ
منه تعالَى، بل مِن قَبيلِ التَّلطُّفِ والامتحانِ بأنَّه هل يَشكُرُ على ما
أُنْعِمَ عليه فيَزيدَ في الشُّكرِ؛ ولذلك أقسَمَ أيُّوبُ عليه السَّلامُ،
بعِزَّةِ الله أنَّه يَعترِفُ ويُقِرُّ بنعمةِ الله عليه، ثمَّ قال: ولكنْ لا غِنى
لي عن بَرَكتِك، فمُحالٌ أنْ يكونَ أيُّوبُ صلَواتُ اللهِ عليه وسلامُه، أخَذَ هذا
المالَ حُبًّا لِلدُّنيا، وإنَّما أخَذَه كما أخبَر هو عن نفْسِه؛ لأنَّه بَرَكةٌ
مِن ربِّه تعالى؛ لأنَّه قريبُ العَهدِ بِتكوينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، أو أنَّه
نِعمةٌ جديدةٌ خارقةٌ لِلعادةِ، فيَنبغي تلقِّيها بالقَبوِل، مع إظهارِ أنَّه
فقيرٌ إلى ما أنزَلَه اللهُ مِن خَيرٍ، وفي ذلك شُكرٌ على النِّعمةِ، وتعظيمٌ
لِشأنِها، وفي الإعراضِ عنها كُفرٌ بها.
وفي
الحديثِ: مشروعيَّةُ الحِرصِ على المالِ الحَلالِ.
وفيه:
بيانُ فَضْلِ الغِنى لِمَن شَكَر؛ لأنَّه سمَّاه بَرَكةً.
قال
العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
وكذلك
قصة أيوب عليه الصلاة والسلام، لما كان يغتسل وأنزل الله عليه جرادًا من ذهبٍ،
فجعل يحثو منه، فقال له الله جلَّ وعلا: «الم أُغْنِكَ عن هذا؟» فقال: بلى، ولكن
لا غنى لي عن بركتك يعني: هذا من البركة، ولا غنى للمؤمن عن بركة الله، فكونه
جرادًا من ذهبٍ لا مانع من أخذه والاستفادة منه؛ لأنه من بركة الله. فكون الإنسان
يزداد ماله، وتزداد أسبابه الطيبة؛ لا بأس، إذا كان من طريق الخير، وإذا كان من
طريق الأمور الشرعية، فالبركة لا تُرَدّ بل تُقْبَل من طريق الكسب الحلال، ومن
طريق المنافسة في الكسب الحلال، لا بأس بهذا.
وإذا
كان المحلُّ خاليًا، ليس فيه مَن ينظر العورة فلا بأس إذا اغتسل عريانًا، كما
اغتسل موسى عريانًا عليه الصلاة والسلام، ووضع ثوبه على الحجر، وكما كان النبيُّ
يغتسل عريانًا في بيوته عليه الصلاة والسلام، فالغسل عُريانًا لا حرجَ فيه إذا كان
في محلٍّ مستورٍ عن الأعين، لا يراه إلا زوجته، أو لا يراه أحد، لا حرج في ذلك،
ومن ذلك ما وقع لأيوب عليه الصلاة والسلام. وفَّق الله الجميع.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: