شرح حديث / ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان
باب
الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان
شرح حديث / لا حسد إلا في
اثنتين
شرح حديث / أيكم مال وارثه أحب
إليه من ماله
شرح حديث / اتقوا النار ولو
بشق تمرة
شرح حديث جابرٍ رضي اللَّه عنه / ما سئل رسول الله صلى الله
عليه وسلم شيئا قط فقال: لا
شرح الحديث القدسي الشريف / أنفِق
يا ابنَ آدم
باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير الحديث رقم 549 -550 -551 -552 -553 -554
قال
اللَّه تعالى:﴿ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ
يُخْلِفُهُ ﴾] سبأ: 39[
وقال
تعالى:﴿ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ
ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ
خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾] البقرة:
272[
وقال
تعالى:﴿ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ
بِهِ عَلِيمٌ ﴾] البقرة: 273[
549
-عَنِ ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه، عن النبي ﷺ
قال: (لا حَسَدَ إِلاَّ في اثنتينِ: رَجُلٌ آتَاهُ
اللَّه مَالًا، فَسَلَّطَه عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاه اللَّه
حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُها) متفقٌ عليه.
معناه:
يَنَبِغِي أَن لا يُغبَطَ أَحَدٌ إِلاَّ على إحدَى هَاتَينِ الخَصْلَتَيْنِ.
550
-عَنِ ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه قالَ: قال رسولُ اللَّه ﷺ: (أَيُّكُمْ
مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِليه مِن مَالهِ؟) قالُوا:
يا رَسولَ اللَّه. ما مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِليه. قال: (فَإِنَ مَالَه ما قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثهِ ما أَخَّرَ)
رواه البخاري.
551
-عَن عَدِيِّ بنِ حاتم رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه ﷺ قال: (اتَّقُوا
النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمَرةٍ) متفقٌ عليه.
552
-عن جابرٍ رضي اللَّه عنه قال: (ما سُئِل رسول اللَّه ﷺ شَيئًا قَطُّ فقالَ: لا) متفقٌ
عليه.
553
-عن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه ﷺ: (مَا
مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ
أَحَدَهُمَا: اللَّهُمَّ أَعطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ
أَعطِ مُمسكًا تَلَفًا) متفقٌ عليه.
554
-عن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه ﷺ قـال: (قال
اللَّه تعالى: أنفِق يا ابْنَ آدمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ) متفقٌ عليه.
الشرح
قال
المؤلف رحمه الله تعالى: باب الحث على إنفاق المال في سبل الخير مع الثقة بالله عز
وجل.
المال
الذي أعطاه الله بني آدم، أعطاهم الله إياه فتنة؛ ليبلوهم هل يحسنون التصرف فيه أم
لا.
قال الله تعالى:﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾] التغابن: 15[، فمن الناس من ينفقه في شهواته المحرمة، وفي لذائذه التي لا تزيده من الله إلا بعدًا، فهذا يكون ماله وبالًا عليه والعياذ بالله.
قال الله تعالى:﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾] التغابن: 15[، فمن الناس من ينفقه في شهواته المحرمة، وفي لذائذه التي لا تزيده من الله إلا بعدًا، فهذا يكون ماله وبالًا عليه والعياذ بالله.
ومن
الناس من ينفقه ابتغاء وجه الله فيما يقرب إلى الله على حسب شريعة الله، فهذا ماله
خيرا له.
ومن
الناس من يبذل ماله في غير فائدة، ليس في شيء محرم ولا في شيء مشروع، فهذا ماله
ضائع عليه، وقد نهى النبي ﷺ عن إضاعة المال.
وينبغي
للإنسان إذا بذل ماله فيما يرضي الله أن يكون واثقًا بوعد الله سبحانه وتعالى حيث
قال في كتابه:﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾]
سـبأ: 39[،﴿ فَهُوَ
يُخْلِفُهُ ﴾أي يعطيكم خلفًا عنه.
وليس
معناه فهو يخلُفهُ، إذ لو كانت فهو يخلفه، لكان معنى الآية: أن الله يكون خليفة،
وليس الأمر كذلك، بل فهو يُخلفه أي يعطيكم خلفًا عنه.
ومنه
الحديث): اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها (ولا تقل واخلف لي
خيرًا منها، بل وأخلف أي أرزقني خلفًا عنها خيرًا منها. ولا تقل واخلف لي خيرًا
منها، بل وأخلف أي ارزقني خلفًا عنها خيرًا منها.
فالله
عز وجلَّ وعد في كتابه أن ما أنفقه الإنسان فإن الله يخلفه عليه، يعطيه خلفًا عنه،
وهذا يفسره قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الأحاديث التي ساقها المؤلف مثل
قوله ﷺ
:(ما من يوم يصبح
العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: الله أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر:
الله أعط ممسكًا تلفًا) يعني أتلف ماله.
والمراد
بذلك من يمسك عما أوجب الله عليه من بذل المال فيه، وليس كل ممسك يُدعى عليه، بل
الذي يمسك ماله عن إنفاقه فيما أوجب الله، فهو الذي تدعو عليه الملائكة بأن الله
يتلفه ويتلف ماله.
والتلف
نوعان: تلف حسي، وتلف معنوي:
1
-التلف الحسي: أن يتلف المال نفسه، بأن يأتيه آفة تحرقه أو يُسرق أو ما أشبه ذلك.
2 -والتلف
المعنوي: أن تنزع بركته، بحيث لا يستفيد الإنسان منه في حسناته، ومنه ما ذكره
النبي ﷺ حيث قال لأصحابه (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟) قالوا: يا رسول
الله، ما منا أحد إلا وماله أحب إليه.
فمالك
أحب إليك من مال زيد وعمرو وخالد، ولو كان من ورثتك، قال: " فإن ماله ما قدّم
وماله وارثه ما أخَّر".
وهذه
حكمة عظيمة ممن أوتي جوامع الكلم ﷺ، فمالك
الذي تقدمه لله عز وجل تجده أمامك يوم القيامة، ومال الوارث ما يبقى بعدك من الذي
ينتفع به ويأكله هو الوارث، فهو مال وارثك على الحقيقة. فأنفق مالك فيما يرضي
الله، وإذا أنفقت؛ فإن الله يخلفه وينفق عليك، كما قال رسول الله ﷺ): قال الله تعالى: يا ابن آدم أنفق ينفق عليك (وهذه الأحاديث كلها
وكذلك الآيات تدل على أنه ينبغي للإنسان أن يبذل ماله حسب ما شرع الله عز وجل، كما
جاء في الحديث الذي صدر به المؤلف هذا الباب؛ أن الرسول ﷺ
قال: (لا حسد إلا في اثنتين) يعني لا
غبطة، ولا أحد يغبط على ما أعطاه الله سبحانه وتعالى من مال وغيره إلا في اثنتين
فقط:
الأولى:
رجل أعطاه الله مالًا، فسلطه على هلكته في الحق، صار لا يبذله إلا فيما يرضي الله،
هذا يحسد؛ لأنك الآن تجد التجار يختلفون، منهم من ينفق أمواله في سبيل الله، في
الخيرات، في أعمال البر، إعانة فقير، بناء مساجد، بناء مدارس، طبع كتب، إعانة على
الجهاد، وما أشبه ذلك. فهذا سلط على هلكته في الحق.
ومنهم
من يسلطه على هلكته في اللذائذ المحرمة والعياذ بالله، يسافر إلى الخارج فيزني،
ويشرب الخمر، ويلعب القمار، ويتلف ماله فيما يغضب الرب عز وجل، فالذي سلطه الله
على هلكة ماله في الحق هذا يغبط؛ لأن الغالب أن الذي يستغني يبطر ويمرح ويفسق،
فإذا رؤي أن هذا الرجل الذي أعطاه الله المال ينفقه في سبيل الله؛ فهو يغبط.
والثانية:
رجل آتاه الله الحكمة يعني العلم، الحكمة هنا العلم كما قال الله تعالى:﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾]
النساء: 113[، فهو يقضي بها ويعلمها الناس يقضي بها في
نفسه وفي أهله، وفي من تحاكم عنده، ويعلمها الناس أيضًا، ليس يقتصر على أن يأتيه
الناس فيقول: إذا جاءوني حكمت وقضيت؛ بل يقضي ويعلم، ويبدأ الناس بذلك، فهذا لا شك
أنه مغبوط على ما آتاه الله عز وجل من الحكمة.
والناس
في الحكمة ينقسمون إلى أقسام:
قسم
آتاه الله الحكمة فبخل بها حتى على نفسه، لم ينتفع بها في نفسه، ولم يعمل بطاعة
الله، ولم ينته عن معصية الله، فهذا خاسر والعياذ بالله، وهذا يشبه اليهود الذين
علموا الحق واستكبروا عنه.
وقسم
أخر أعطاه الله الحكمة فعمل بها في نفسه، لكن لم ينفع بها عباد الله، وهذا خيرٌ من
الذي قبله، لكنه ناقص.
وقسم آخر أعطاه الله
الحكمة فقضي بها وعمل بها في نفسه وعلمها الناس، فهذا خير الأقسام.
وهناك قسم رابع لم يؤت
الحكمة إطلاقًا فهو جاهل، وهذا حُرم خيرًا كثيرًا، لكنه أحسن حالًا ممن أوتي
الحكمة ولم يعمل بها؛ لأن هذا يُرجى إذا علم أن يتعلم ويعمل، بخلاف الذي أعطاه
الله العلم، وكان عمله وبالًا عليه والعياذ بالله نسأل الله تعالى أن يرزقنا
وإياكم الحكمة والعلم النافع والعمل الصالح.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل
الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان
Reviewed by احمد خليل
on
6:54:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: