شرح حديث / ثلاثة أقسم عليهن
باب
الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى
لفضيلة
الدكتور خالد بن عثمان السبت
شرح
حديث / ثلاثة أقسم عليهن
أحاديث
رياض الصالحين: باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى
٥٦٢
- وعن أبي كَبشَةَ عُمرو بِنَ سَعدٍ الأَنمَاريِّ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- أَنه
سمَع رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: «ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيهِنَّ وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثًا
فَاحْفَظُوهُ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبدٍ مِن صَدَقَةٍ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ
مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيهَا إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ
باب مَسأَلَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ باب فَقْرٍ -أَوْ كَلِمَةً
نَحْوَهَا- وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، قال إِنَّمَا الدُّنْيَا
لأَرْبَعَةِ نَفَر:
عَبدٍ رَزَقَه اللَّه مَالًا وَعِلْمًا، فَهُو يَتَّقي فِيهِ
رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقا فَهذَا بأَفضَل
المَنازل.
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّه عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقهُ مَالًا،
فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَو أَنَّ لي مَالًا لَعمِلْتُ بِعَمَل
فُلانٍ، فَهُوَ نِيَّتُهُ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ.
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَمْ يرْزُقْهُ عِلْمًا،
فهُوَ يَخْبِطُ في مالِهِ بِغَير عِلمٍ، لا يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ وَلا يَصِلُ
رَحِمَهُ، وَلا يَعلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقا، فَهَذَا بأَخْبَثِ المَنَازِلِ.
وَعَبْدٍ لَمْ يرْزُقْهُ اللَّه مَالًا وَلا عِلْمًا، فَهُوَ
يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَل فُلانٍ، فَهُوَ
نِيَّتُهُ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ»
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
الشرح:
ذكر
حديث أبي كبشة عمر بن سعد الأنماري -رضي الله عنه- أنه سمع النبي ﷺ يقول: «ثلاثة أقسم
عليهن وأحدثكم حديثًا فاحفظوه»، وذكر هذا، قال: ما نقص مال عبد من صدقة،
ولا ظُلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزًّا، معناها كما قال العز بن عبد
السلام -رحمه الله-: إنه ما يضيع شيء، لاحظ «ولا ظُلم
عبد مظلمة»، "مظلمة" نكرة في سياق النفي، نحن نأتي بهذه الأشياء
على أساس بعض الإخوان ما تشكل عليه هذه العبارات، لكن هذا للعموم، أيّ مظلمة صغيرة
في مال أو نفس أو عرض فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا، لا يليق بالإنسان أن يجعل
من نفسه مشاكسًا لعباد الله، ويريد أن لا يفوت مظلمة ويذهب إلى هذا ويضرب هذا
وينتقم من هذا ويزجر، هذا ما يليق.
«ولا فتح عبد باب مسألة»، يعني: يسأل الناس «إلا فتح الله عليه باب فقر» -نسأل الله العافية-
ولهذا هؤلاء الذين يسألون الناس هل يحصل لهم الغنى ويغتنون؟ لا، بل يبقى -نسأل
الله العافية- من مسغبة إلى مسغبة، (أو كلمة نحوها).
قال:
«وأحدثكم حديثًا فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربعة نفر»،
يعني: الناس في هذه الدنيا أربعة، على أربعة أحوال، على أربع صفات:
الأولى:
«عبد رزقه الله مالًا وعلمًا»، علمًا ليس
المقصود أنه يكون عالمًا، لا، علمًا يعني بالأمور وبصرًا فيما ينبغي أن يكون فيه
التدبير وبذل المال وما لله -عز وجل- من حق، قال: «فهو
يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل»،
عنده مال وعنده نظر صحيح هداه الله -عز وجل- إلى الطريق الصحيح في التصرف في هذا
المال، وهو ينفقه في وجوهه فهذا في أعلى المنازل.
«وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا فهو صادق النية يقول:
لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء»، يقول: لو كان عندي
مثل فلان كنت فعلت مثله بنيت مساجد، وضعت أوقافًا، وتصدقت وفطّرت الصائمين، وحججت
واعتمرت، وبذلت ذلك في وجوه الخير.
الثالث:
«وعبد رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا»، هذا
إنسان سيئ في عمله وفي تصرفاته وفي بذله للمال قال: «ولم
يرزقه علمًا فهو يخبط في ماله بغير علم»، يخبط يعني: يتصرف فيه على غير
اهتداء، «لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم
لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل»، أُعطي مالا لكنه -نسأل الله العافية-
لم يُعطَ هداية وعلمًا.
قال:
«وعبد لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا فهو يقول: لو أن
لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فوزرهما سواء»، لاحظوا هذا ما عمل،
لكن يتمنى يقول: لو أن عندي مثل مال فلان كان كل أجازه أذهب وأسافر، كفلان يفعل
ويفجر وما يترك شيئًا، فهذا مماثل له في الوزر مع أنه ما عمل، وهذا يدل على أهمية
النية، وأن الإنسان قد يبلغ بها، وقد ينحط وينسحب، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن
يبذل وأن يقدم فلا أقل من أن تكون نيته صالحة ينوي الخير دائمًا ويتمناه، ويقول:
لو كان عندي مثل فلان كنت فعلت كذا وفعلت كذا من وجوه الخير وما إلى ذلك من أجل أن
يؤجر، ويحصل له ما يحصل لهؤلاء من الثواب والأجر، وهذا من لطف الله -عز وجل-
بعباده.
هذا،
والله أعلم، وصل الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: