شرح حديث/ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
الأربعين النووية
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
شرح حديث/ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
الحديث الثامن: حرمة دم المسلم وماله.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: «أُمِرْتُ
أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ، وَيُقِيْمُوْا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ،
فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهَمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ
بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى» رواه
البخاري ومسلم.
الشيخ:
بسم الله، اللهم صلِّ وسلم على رسول
الله.
يقول المؤلف -رحمه الله-: الحديث
الثامن: عن ابن عمر، ابن عمر هو عبد الله، إذا أطلق فهو عبد الله بن عمر بن الخطاب
رضي الله عنهما -يعني عنه وعن أبيه- أنه سمع النبي ﷺ
يقول: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى
يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ،
وَيُقِيْمُوْا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ
عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهَمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ،
وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى».
وهذَا يَدُل على أنَّ النَّاس
يُقاتلون حَتَّى يشْهدوا هاتيْنِ الشَّهادتيْنِ ويعْملوا بِهمَا، وَحتَّى يُقيموا
الصَّلَاة، وَحتَّى يُؤَدوا الزَّكَاة، فَإذَا اِمْتنعوا مِن الشَّهادتيْنِ، أو
مِن الصَّلَاة، أو مِن الزَّكَاة يُقاتلون؛ وَلِهذَا لِمَا اِمتنَع بَعْض النَّاس
مِن الزَّكَاة فِي عَهْد اَلصدِيق قاتلَهم هُو والصَّحابة حَتَّى أدَّوْهَا.
ومعْنى شَهادَة أنَّ لَا إِله إِلَّا
اَللَّه: أن يشْهدوهَا مع الإيمان بِالْمعْنى؛ حَتَّى يشْهدوا أنَّ لَا إِله
إِلَّا اَللَّه؛ أي: قوْلا وعملا، وَشَهادَة أنَّ لَا إِله إِلَّا اَللَّه تَعنِي:
أَنَّه لَا مَعبُود حقِّ إِلَّا اَللَّه، ويعْملون بِهَذا، يخصُّون اَللَّه
بِالْعبادة، ويشْهدون أنَّ مُحَمدا رَسُول اَللَّه ويتْبعونه، وَمِن ذَلِ : أَقَام
الصَّلَاة، وإيتَاء الزَّكَاة، فَإذَا فَعلُوا ذَلِك وجب اَلكَف عَنهُم، وَعِصمَة
دِمائِهم وأمْوالهم إِلَّا بِحقِّ الإسْلام، عَليهِم حُقُوق الإسْلام الباقية،
يُطالبون بِحقوق الإسْلام: الصِّيَام -صِيَام رَمَضان- وحجَّ البيْتِ، والْجهاد
إِذَا تَيسَّر، والْأَمْر بِالْمعْروف، والنَّهْي عن اَلمُنكر، وبرَّ الوالديْنِ،
وَصلَة اَلرحِم، والدَّعْوة إِلى اَللَّه، وترْك المعاصي: مِن الزِّنَا، وَشُرب
اَلمسْكِر، وأكْل الرِّبَا، إِلى غَيْر هذَا، يُطالبون بِحقوق الإسْلام، فَإذَا
اِمْتنعوا عن شَيْء مِن حُقُوق الإسْلام يُؤْخذون بِه: إِنَّ كان بِالزِّنَا
يُقَام عَليهِم اَلحَد، وَإِن كان بِالرِّبَا يُعزِّر، مِن تَعاطِي الرِّبَا ولم
يَتُب يُعزِّر، وَإِن كان مِن صَوْم رَمَضان يُعزِّر حَتَّى يَصُوم، إِذَا
اِسْتطَاع اَلحَج ولم يَحُج يُؤدِّب حَتَّى يَحُج، وهكذَا يُؤْخذون بِحقوق
الإسْلام، لَكِن لَا يُقاتلون على هذَا؛ بل يلْزمون بِهَذا الشَّيْء، اَلحُدود تُقَام،
والتَّعزيرات الشَّرْعيَّة تُقَام على من اِمتنَع مِن حقٍّ عليْه.
أَمَّا إِذَا اِمتنَع مِن
الشَّهادتيْنِ أو إِحْداهمَا، أو مِن الصَّلَاة أو الزَّكَاة؛ فإنَّهم يُقاتلون
حَتَّى يُنيبوا إِلى هذَا، وَحتَّى يَعبُدوا اَللَّه وَحدَه، وَحتَّى يُقرُّوا
لِلرَّسول ﷺ بِالرِّسالة ويتْبعوه، وَحتَّى
يُؤَدوا الصَّلوات الخمْس، وَحتَّى يُؤَدوا الزَّكَاة، فَإذَا كان مع المسْلمين
فَلِم يُقَاتِل وَلكِن بُخْل بِالزَّكاة تُؤخَذ مِنْه جبْرًا، تُؤخَذ بِالْقوَّة،
فَإذَا قاتلوا دُونهَا قُوتلوا، كمَا فعل اَلصدِيق والصَّحابة.
أَمَّا مِن جحد الصَّلَاة أو جحد
وُجُوب الزَّكَاة؛ فَهذَا كَافِر عِنْد اَلجمِيع -عِنْد جميع أَهْل العلْم-
وَكذَلِك إِذَا جحد وُجُوب صَوْم رَمَضان، أو جحد وُجُوب اَلحَج مع الاسْتطاعة؛
فَهذَا كَافِر عِنْد اَلجمِيع يُقَاتِل، لَكِن إِذَا لَم يَجحَد وُجُوب الصَّوْم،
ولَا وُجُوب اَلحَج، وَلكِن تَكاسُل؛ فَهذَا يُؤدِّب حَتَّى يَصُوم، وَحتَّى
يُؤدِّي اَلحَج إِذَا كان مُسْتطيعًا، وَإذَا تَكاسَل عن الجهَاد وَهُو مَأمُور
بِه يُؤدِّب حَتَّى يُجَاهِد إِذَا وجب عليْه الجهَاد، وهكذَا إِذَا لَم يَمتَنِع
مِن المعاصي يُؤدِّب ويقام عليْه اَلحَد فِي المعْصية اَلتِي فِيهَا حدٌّ، يُقَام
عليْه اَلحَد حَتَّى يَمتَنِع ؛ وَلِهذَا قال ﷺ:
«إِلَّا بِحقِّ الإسْلام» يَعنِي: يُؤخَذ
بِحقِّ الإسْلام فِي اَلبقِية.
ومثْل هذَا قَولُه فِي اَلحدِيث
الآخر: «أُمِرتُ أَنْ أُقاتِل النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا
لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّه فَمَنْ قَالهَا، فقَدْ عَصَمَ مِني مَالَهُ وَنَفْسَهُ
إِلاَّ بِحَقِّه» الشَّهادة لِلرَّسول بِالرِّسالة، وَمِن حَقهَا أَدَاء
الصَّلَاة، وَأَداء الزَّكَاة، وهكذَا، فَهُم يُقاتلون إِذَا لَم يُؤَدوا حَقهَا.
وَفْق اَللَّه اَلجمِيع.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح
الأعمال
ليست هناك تعليقات: