باب النهي عن البخل والشح
باب
النهي عن البخل والشح
أحاديث رياض الصالحين: باب النهي عن
البخل والشح.
قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (٨) وَكَذَّبَ
بِالْحُسْنَىٰ (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (١٠) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ
مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ} [الليل: ٨-١١].
وقال تعالى: {وَمَنْ
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: ١٦].
الشرح:
ذكر المؤلف رحمه الله، في كتابه (رياض
الصالحين) باب: النهي عن البخل والشح.
والبخل: هو منع ما يجب وما ينبغي بذله.
والشح: هو الطمع فيما ليس عنده، وهو أشد
من البخل؛ لأن الشحيح يطمع فيما عند الناس ويمنع ما عنده، والبخيل يمنع ما عنده
مما أوجب الله عليه من زكاة ونفقات، ومما ينبغي بذله فيما تقتضيه المروءة.
وكلاهما -أعني البخل والشح- خلقان
ذميمان، فإن الله سبحانه وتعالى، ذم من يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، وقال: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: ١٦].
ثم استدل المؤلف رحمه الله، بآيتين من
كتاب الله:
الآية الأولي: وهي في البخل، وهي قوله
تعالى: {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (٨)
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (١٠) وَمَا يُغْنِي
عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ}، وهذه الآيات قسيم الآيات التي قبلها، وهي
قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (٥)
وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (٦) فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡیُسۡرَىٰ} [الليل: ٥-٧].
فالإنسان المصدق بالحق المعطي لما يجب
إعطاؤه وبذله من علم، ومال وجاه، والمتقي لله عز وجلّ، هذا ييسر لليسرى، أي: ييسره
الله تعالى لأيسر الطرق في الدنيا والآخرة.
وقد أجاب النبي ﷺ أصحابه حينما حدثهم. قال: «ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ
النَّارِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، يعني: أن الأمر مفروغ منه، قالوا:
يا رسول الله، أفلا نَتَّكِلُ ونَدَعُ العَمَلَ؟ يعني: نتكل على ما كتب لنا ونَدَعُ
العَمَلَ. قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما
خُلِقَ له» [١].
ثم قرأ قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (٥) وَصَدَّقَ
بِٱلۡحُسۡنَىٰ (٦) فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡیُسۡرَىٰ (٧) وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ
وَٱسۡتَغۡنَىٰ (٨) وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (٩) فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ}
[الليل: ٥-١٠].
فأنت فكر في نفسك، هل عندك تصديق وإعطاء
وبذل لما يجب بذله وتقوى لله عزَّ وجلَّ، فإنك موفق ميسر لليسرى، والعكس بالعكس.
الشاهد من هذه الآية في الباب قوله: {وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ} بخل بما يجب
بذله من مال أو جاه أو علم.
ومن ذلك ما جاء في الحديث عن النبي عليه
الصلاة والسلام، أنه قال: «البخيلُ الذي من ذُكِرْتُ عندَه فلم يُصَلِّ عليَّ»
[٢]. عليه الصلاة والسلام. وهذا بخل بما يجب على الإنسان إذا سمع ذكر نبيه عليه
الصلاة والسلام، الذي هداه الله على يديه. أن يبخل فلا يصلى عليه، عليه الصلاة
والسلام، وكان الأولى به والأجدر بالصلاة والسلام عليه.
وقوله: {وَاسْتَغْنَى}،
أي: استغنى بنفسه، وزعم أنه مستغن عن رحمة الله، والعياذ بالله، فلا يعمل ولا
يستقيم على أمر الله.
وقوله: {وَكَذَّبَ
بِالْحُسْنَى}، أي: كذب بالكلمة الحسنى وهي قول الحق، وهي ما جاء في كتاب
الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعسْرَى}، تعسر عليه الأمور التي تسهل على المتقي، فلا تسهل عليه
الطاعات يجد الطاعات ثقيلة؛ الصلاة ثقيلة، والصدقة ثقيلة، والصيام ثقيل، والحج
ثقيل، كل شيء متعسر عنده.
وقوله: {وَمَا
يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}، يعني: أي شيء يغني عنه ماله إذا
هلك؟ والجواب: أنه لا يغني عنه شيئاً، فهذا المال الذي بخل به لا يحميه من عذاب
الله وعقابه ولا يغني عنه شيئاً.
وأما الآية الثانية التي استدل بها
المؤلف فهي في الشح، وهي قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ
شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: ١٦]، يعني: من
يقيه الله شحَّ نفسه فلا يطمع فيما ليس له؛ فهذا هو المفلح.
[١] صحيح البخاري: (٤٩٤٩).
[٢] أخرجه الترمذي: (٣٥٤٦)، وأحمد:
(١٧٣٦)، والنسائي في (السنن الكبرى) (٨١٠٠).
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: