Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح حديث / إنا كنا يوم الخندق نحفر

باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس
الدرر السنية
شرح – حديث – إنا -كنا – يوم – الخندق - نحفر
شرح حديث / إنا كنا يوم الخندق نحفر

أحاديث رياض الصالحين: باب فضل الجوع وخشونة العيش
٥٢٥ - وعن جابر - رضي اللَّه عنه - قال: إِنَّا كُنَّا يَوْم الخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرضَتْ كُدْيَةٌ شَديدَةٌ، فجاءُوا إِلى ِالنبيِّ  فقالوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضتْ في الخَنْدَقِ. فَقَالَ: «أَنَا نَازِلٌ» ثُمَّ قَامَ وبَطْنُهُ معْصوبٌ بِحَجرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقاً، فَأَخَذَ النَّبِيُّ  المِعْول، فَضرَب فَعَادَ كَثيباً أَهْيَلَ، أَوْ أَهْيَمَ. فقلتَ: يَا رسولَ اللَّه ائْذَن لي إِلى البيتِ، فقلتُ لامْرَأَتي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ  شَيْئاً مافي ذلكَ صبْرٌ فِعِنْدَكَ شَيءٌ؟ فقالت: عِندِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ، فَذَبحْتُ العَنَاقَ، وطَحَنْتُ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللحمَ في البُرْمَة، ثُمَّ جِئْتُ النبيَّ  وَالعجِينُ قَدْ انْكَسَرَ والبُرْمَةُ بيْنَ الأَثَافِيِّ قَد كَادَتَ تَنْضِجُ. فقلتُ: طُعَيِّمٌ لي فَقُمْ أَنْت يَا رسولَ اللَّه وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ، قَالَ: «كَمْ هُوَ؟» فَذَكَرتُ لَهُ فَقَالَ: «كثِير طَيِّبٌ، قُل لَهَا لاَ تَنْزِع البُرْمَةَ، ولا الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتيَ» فَقَالَ: «قُومُوا» فقام المُهَاجِرُون وَالأَنْصَارُ، فَدَخَلْتُ عليها فقلت: وَيْحَكِ جَاءَ النبيُّ  وَالمُهَاجِرُونَ، وَالأَنْصارُ وَمن مَعَهم، قالت: هَلْ سأَلَكَ؟ قلتُ: نَعَمْ، قَالَ: «ادْخُلوا وَلا تَضَاغَطُوا» فَجَعَلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ، وَيجْعَلُ عليهِ اللحمَ، ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ إِذا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ وَيَغْرفُ حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ مِنه، فَقَالَ: «كُلِي هذَا وَأَهدي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ» متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: قَالَ جابرٌ: لمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيتُ بِالنبيِّ  خَمَصاً، فَانْكَفَأْتُ إِلى امْرَأَتي فقلت: هَلْ عِنْدَكِ شَيْء، فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرسول اللَّه  خَمَصاً شَدِيداً. فَأَخْرَجَتْ إِليَّ جِراباً فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ، داجِنٌ فَذَبحْتُهَا، وَطَحنتِ الشَّعِير فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا في بُرَمتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رسول اللَّه ، فَقَالَتْ: لاَ تفضحْني برسول اللَّه  وَمَنْ معَهُ، فجئْتُه فَسَارَرْتُهُ فقلتُ يَا رسول اللَّه، ذَبَحْنا بُهَيمَةً لَنَا، وَطَحَنْتُ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، فَتَعالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، فَصَاحَ رسول اللَّه  فَقَالَ: «يَا أَهْلَ الخَنْدَق: إِنَّ جَابِراً قدْ صنَع سُؤْراً فَحَيَّهَلاًّ بكُمْ» فَقَالَ النبيُّ : «لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلا تَخْبِزُنَّ عجِينَكُمْ حَتَّى أَجيءَ» . فَجِئْتُ، وَجَاءَ النَّبِيُّ  يقْدُمُ النَّاسَ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتي فقالتْ: بِك وَبِكَ، فقلتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ. فَأَخْرَجَتْ عَجِيناً فَبسَقَ فِيهِ وبارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلى بُرْمَتِنا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قال: «ادْعُ خَابزَةً فلْتَخْبزْ مَعكِ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُم وَلا تَنْزلُوها» وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّه لأَكَلُوا حَتَّى تَركُوهُ وَانَحرَفُوا، وإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَأَنَّ عَجِينَنَا لَيخْبَز كَمَا هُوَ.
قَوْلُه: "عَرَضَت كُدْيَةٌ": بضم الكاف وإِسكان الدال وبالياءِ المثناة تَحْتَ، وَهِيَ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ صُلْبَةٌ مِنَ الأَرْضِ لا يَعْمَلُ فيها الْفَأْسُ. "وَالْكَثِيبُ" أَصْلُهْ تَلُّ الرَّمْلِ، والمُرَادُ هُنَا: صَارتْ تُراباً ناعِماً، وَهُوَ مَعْنَى "أَهْيَلَ". وَ "الأَثَافي": الأَحْجَارُ الَّتي يَكُونُ عَلَيْهَا القِدرُ. وَ "تَضَاغَطُوا": تَزَاحَمُوا. وَ "المَجاعَةُ": الجُوعُ، وَهُوَ بفتحِ الميم. وَ "الخَمصُ" بفتحِ الخاءِ المعجمة والميم: الجُوعُ. وَ "انْكَفَأْتُ": انْقَلَبْتُ وَرَجَعْتُ. و "الْبُهَيمَةُ" بضم الباءِ: تَصغير بَهْمَة، وَهِيَ الْعنَاقُ بفتح العين وَ "الدَّاجِنُ": هِيَ الَّتي أَلِفَتِ الْبيْتَ. وَ "السُّؤْر": الطَّعَام الَّذِي يُدْعَى النَّاسُ إَلَيْه وَهُوَ بُالْفارِسيَّةِ، وَ "حَيَّهَلا" أيْ: تَعَالوا. وَقَوْلها "بكَ وَبكَ" أَي: خَاصَمَتْهُ وَسَبَّتْهُ، لأَنَّهَا اعْتَقْدَت أَنَّ الَّذي عندهَا لاَ يَكفيهم، فَاسْتَحْيَتْ وَخَفِيَ علَيْهَا مَا أَكَرَم اللَّه سُبحانَهُ وَتَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ مِنْ هذِهِ المُعْجِزَةِ الظَّاهِرةِ والآيَةِ الْبَاهِرَةِ. "بَسقَ" أَي: بصَقَ، وَيُقَالُ أَيضاً: بَزقَ ثَلاثُ لُغَاتٍ. وَ "عَمَد" بفتح الميم: قصَد. وَ "اقْدَحي" أَي: اغرِفي، والمِقْدَحةُ: المِغْرفَةُ. وَ "تَغِطُّ" أَي لِغَلَيَانِهَا صَوْتٌ. واللَّه أعلم
.
الشرح
في هذا الحَديثِ جُملة مِن مُعجِزاتِه وبَرَكاتِه ؛ فإنَّ الصحابةَ - رِضوانُ الله عليهم - كانوا يَحفِرون الخَنْدَقَ استعدادًا لهجومِ المُشرِكين في غزوةِ الأَحْزَابِ، وفي في في أثناءِ حَفْرِهم عَرَضَتْ لهم كُدْيَةٌ شديدةٌ، أي: ظَهَرت لهم صَخْرة لا يَستطِيعون كسرَها، فلمَّا أَخْبَروا النبيَّ قام إليها، وكان بَطْنُه معصوبًا بحَجَرٍ، أي: مربوطًا عليه حجرٌ، مِن شِدَّة الجُوع، وكان قد مرَّ عليه وعلَى أصحابِه ثلاثةُ أيَّامٍ لم يَذُوقوا فيها ذَوَاقًا، أي: طعامًا، فلمَّا نَزَل النبيُّ إلى الكُدْيَةِ وضَرَبها بالمِعْوَلِ، وهو الحَدِيدَةُ يُنْقَر بها الجِبَال، تَحَوَّلَتْ هذه الصخرةُ إلى كَثِيبٍ أَهْيَلَ أو أَهْيَمَ، أي: صارَتْ رَمْلًا غيرَ مُتماسِك، ولَمَّا رَأَى جَابِرُ بنُ عبدِ الله - رضِي اللهُ عنهما - الحالَ التي عليها النبيُّ مِنَ الجُوع، طَلَب مِن النبيِّ أن يَذْهَبَ إلى بيتِه، وقال لامرأتِه: رأيتُ بالنبيِّ شيئًا ما كان في ذلك صَبْرٌ؛ فعِنْدَكِ شيءٌ؟ أي: لا أَقْدِر أن أَصْبِرَ وأنا أَرَى النبيَّ على هذه الحالِ؛ فهل عِنْدَك أيُّ شيءٍ للنبيِّ ؟ فقالت له: عِنْدِي شَعِيرٌ وعَنَاقٌ، والعَنَاقُ: الأُنثَى مِن وَلَدِ المَعْزِ، فذَبَحَتِ العَنَاقَ وطَحَنت الشَّعِيرَ وجعَلوا اللَّحْمَ في البُرْمَة، وهو القِدْر الذي يُطبَخ فيه اللحم، حتَّى إذا انْكَسَر العَجِينُ، أي: لَانَ ورَطُب وتمكَّن منه الخَمِيرُ، والبُرْمَةُ كادتْ أن تَنْضَجَ وهي بينَ الأَثَافِيِّ، وهي الحجارةُ تُوضَع تحت القِدر عندما يُوقَد عليه النارُ، وجاء جَابِرٌ - رضِي اللهُ عنه - إلى النبيِّ يَدعُوه إلى الطَّعامِ، وقال له: طُعَيِّمٌ لي- أي: إنِّي أَعْدَدْتُ طعامًا يَسِيرًا-، فسَأَلَه النبيُّ : كم هو؟ فأَخْبَرَه جَابِرٌ، فقال النبيُّ : كَثِيرٌ طَيِّبٌ، وأَمَره ألَّا تَنْزِعَ امرأتُه البُرمَةَ، أي: مِن فوقِ الأَثَافِيِّ، ولا الخُبْزَ مِن التَّنُّورِ، وهو الفرنُ الذي يُخبَز فيه، وكان يُصنَع مِن الطِّينِ، حتَّى يأتِيَ النبيُّ إلى البيتِ، ثُمَّ دَعَا النبيُّ جميعَ المهاجِرين والأنصارِ الموجودين عندَ الخَنْدَقِ، فلمَّا ذهَبوا إلى بَيتِ جابرٍ؛ وعَلِمتِ امرأةُ جَابِرٍ، قالتْ: ويحكَ! جاءَ النبيُّ بالمهاجِرين والأنصارِ ومَن مَعهم! وقالت له: «هل سألك؟» تعني: هل سألَك النبيُّ عن قَدْرِ الطَّعَامِ؟ فقال لها: نَعَمْ. فسَكَن ما عِندَها وكَشَفَتْ عن جابرٍ غمًّا شديدًا؛ لعِلْمِها بإمكانِ خرْقِ العادةِ بكِفايةِ الطعامِ لِكلِّ مَن دَعاهم النبيُّ حيثُ عَلِم قَدْرَ الطَّعامِ. ثُمَّ دَخَل ، وأَمَر أصحابَه بالدُّخولِ وقال لهم: «لَا تَضَاغَطُوا»، أي: لا تَزْدَحِمُوا، فجَعَل يَكسِر الخبزَ، ويَجْعَل عليه اللَّحْمَ، ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ إذا أَخَذ منه، أي: يُغَطِّيهما إذا أَخَذ منهما، ويُقرِّب إلى أصحابِه، وظَلَّ كذلك حتَّى شَبِع الصحابةُ جميعُهم، ثُمَّ بَقِيَ بعدَ كلِّ ذلك طَعَامٌ، فقال النبيُّ لِامْرَأَةِ جَابِرٍ: كُلِي هذا وأَهْدِي؛ فإنَّ الناسَ أصابَتْهم مَجَاعَةٌ، أي: كُلِي ما يُشْبِعُك أنتِ وزَوْجَك، ثُمَّ أَهْدِي للناسِ؛ لأنَّ الناسَ أصابَتْهم مَجَاعَةٌ وشِدَّةٌ. وفي روايةٍ: فلم نَزَلْ نَأكُل ونُهْدِي يومَنا أَجْمَعَ.
وفي الحديث: ما كانَ عليه النبيُّ وأصحابُه من الشِّدَّةِ وضِيقِ العَيشِ.
وفيه: فضلُ جابرٍ وامرأتِه - رضِي اللهُ عنهما - ووفورُ عقْلِها وكمالُ فضلِها.
وفيه: عَلامةٌ ظاهرةٌ مِن عَلَامَات النُّبُوَّة.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / إنا كنا يوم الخندق نحفر Reviewed by احمد خليل on 3:59:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.