Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح حديث سعد بن أبي وقاص / إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله

باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس

لفضيلة الدكتور خالد بن عثمان السبت
شرح – حديث – سعد – بن – أبي – وقاص – إني – لأول – العرب – رمى – بسهم – في – سبيل - الله
شرح حديث سعد بن أبي وقاص / إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله

أحاديث رياض الصالحين: باب فضل الجوع وخشونة العيش

٥٠٤ - وعن أبي موسى الأَشْعَريِّ - رضي اللَّهُ عنه - قال: أَخْرَجَتْ لَنا عائِشَةُ - رضي اللَّهُ عنها - كِساء وَإِزاراً غَلِيظاً قالَتْ: قُبِضَ رسُولُ اللَّهِ  في هذين. متفقٌ عَلَيْهِ.
٥٠٥ - وعنْ سَعد بن أَبي وَقَّاصٍ - رضيَ اللَّه عنه - قَالَ: إِنِّي لأَوَّلُ العَربِ رَمَى بِسَهْمِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَقَدْ كُنا نَغْزُو مَعَ رسولِ اللَّهِ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الحُبْلَةِ. وَهذا السَّمَرُ. حَتى إِنْ كانَ أَحَدُنا لَيَضَعُ كما تَضَعُ الشاةُ مالَهُ خَلْطٌ. متفقٌ عَلَيْهِ.
«الحُبْلَةِ» بضم الحاءِ المهملة وإِسكانِ الباءِ الموحدةِ: وهي والسَّمُرُ، نَوْعانِ مَعْروفانِ مِنْ شَجَرِ البَادِيَةِ. 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس أورد المصنف - رحمه الله - حديث أبي بردة، قال هنا: عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: أخرجت لنا عائشة - رضي الله عنها - كساء، والحديث هو من حديث أبي بردة بن أبي موسى، قال: أخرجت لنا عائشة -رضي الله عنها- كساء وإزارًا غليظًا، قالت: قبض رسول الله  في هذين [١]، متفق عليه.

قوله: "أخرجت لنا عائشة - رضي الله عنها - كساء وإزارًا غليظًا" الإزار معروف، وهو ما يستر أسافل البدن، والرداء ما يكون في أعلاه، فالشاهد أنها أخرجت كساءً وإزارًا غليظًا، وليس ذلك من لبس أهل الدنيا، وأهل الترف والتنعم، وإنما يدل ذلك على الزهد، ثم إنه يدل أيضًا على أن النبي  بقي على ذلك حتى بعد أن فتح الله - عز وجل - عليه الفتوح، حتى فارق الدنيا، وكان  معرضًا عن زينتها، وبهرجها، وزخرفها، والتوسع في ملاذها - عليه الصلاة والسلام.

ثم أورد حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: "إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله"، وذلك في أول سرية، كما رجحه الحافظ ابن حجر - رحمه الله -، والسيوطي، وهي سرية حمزة، وعبيدة بن الحارث - رضي الله تعالى عنهما - وقيل: ثاني سرية، ولم يكن هناك قتال، وإنما رمى سعد - رضي الله عنه - بسهم في سبيل الله، فكان أول من رمى بسهم، فهذه مزية ومنقبة لسعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه وأرضاه -، ويقول: (ولقد كنا نغزو مع رسول الله  ما لنا طعام إلا ورق الحُبْلة، وهذا السَّمُر، حتى إن أحدنا ليضع ...) [٢].

ما لنا طعام إلا ورق الحُبْلة، وهذا السَّمُر، الحُبْلة هو السَّمُر، وهو من شجر العضاه، شجر يعتبر من الشجر الصحراوي الذي له شوك، ولا زال معروفًا إلى اليوم، ويكثر في أرض الحجاز، يقول: "ما لنا طعام إلا ورق الحبلة، وهذا السمر"، وهذه الرواية عند البخاري هكذا: "وهذا السمر"، وفي بعض الروايات: "ما لنا طعام إلا ورق الحبلة هذا السمر"، يعني: يكون ورق الحبلة هذا السمر، يعني: ورق السمر، وبعض أهل العلم جمع بينهما باعتبار أن "ما لنا طعام إلا ورق الحبلة، وهذا السمر" يعني: أنه يخرج فيه شيء يشبه الثمر، فيأكلونه مع هذا الورق ورق السمر، وورق السمر إنما تأكله الدواب (البهائم)، ولهذا قال: "حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة" يعني: حينما يذهب إلى الخلاء يضع كما تضع الشاة، "ماله خَلْط" يعني: كما جاء في رواية: أنه يَبْعر، يعني: يُخرج البعر - أكرمكم الله -، وذلك أنه يأكل أكل الدواب وهو ورق الأشجار ماله خلط.

هذا يدل على الحالة التي كان فيها أشرف جيل عرفه التاريخ، وأكرم الناس على الله - عز وجل - بعد الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قوم اختارهم الله - عز وجل - لصحبة نبيه  فلو كان جمْع الملاذ وألوان المطاعم والمشارب، وألوان البهرج والزينة في هذه الحياة الدنيا خيرًا للإنسان لجمعه الله - عز وجل - لهؤلاء، بل إن هؤلاء لما سيقت لهم الدنيا بعد أن فتحوا فارس والروم لم يحصل لهم ما حصل لغيرهم ممن جاء بعدهم من التنعم والتوسع والغفلة التي تكون ناتجة عن الاشتغال بالدنيا وبحطامها.

فالمقصود ألا يغفل الإنسان، وأن يتذكر هذه المعاني دائمًا، وأن يربي أولاده وأهله على ترك البطر والتوسع في الدنيا، وليس معنى ذلك الحرمان، لا، وإنما الاعتدال في الأمور، والناس إذا أردت أن تعرف عقولهم فانظر إليهم في مناسباتهم، انظر إليهم في مناسباتهم تعرف عقولهم، فمن الناس من تراهم على حال معتدلة في ظاهر الأمر، وبادئ الرأي، لكن إذا صار عندهم مناسبة في زواج أو نحو ذلك، رأيت أنواع الفخفخة كما يقال، والتفاخر، والمباهاة، وما أشبه ذلك في اللباس الذي لربما يمضي العام الكامل والنساء قد أعددنه بأغلى أنواع الألبسة، فتخرج الواحدة بشكلها والألوان التي على وجهها، وما إلى ذلك مما يفعلونه من ألوان البطر ربما تكلف الحفلة الواحدة الملايين، فهل هذا كمال أو نقص؟ هذا لا شك أنه من النقص، فأقول: الإنسان يبقى على حالة معتدلة، حالة مستوية لا إفراط ولا تفريط، إذا حصلت له النعمة فإنه لا يحرم نفسه، ولا يحرم أولاده، ولا يبقى رث الثياب، ثم إنه يسع الإنسان في نفسه ما لا يسعه في غيره، يعني: الإنسان قد يرتضي لنفسه حالة من الزهد في الطعام والشراب، لكن قد لا يطيقها أهله وولده وزوجته، فلا يحملهم عليها، فيكون ذلك سببًا لنفرة قلوبهم، أو نفور قلوبهم منه، وإنما بين بين، سددوا وقاربوا، والاعتدال في مثل هذه الأمور والتوسط يختلف من زمان لآخر، ومن مكان لآخر، والتوسط في هذا البلد غير التوسط في بلد آخر، والتوسط في هذا العصر غير التوسط في زمن النبي .

فأسأل الله - عز وجل - أن يغنينا وإياكم بحلاله عن حرامه، وألا يشغلنا بهذه الدنيا، وألا يفتن قلوبنا بها، وأن يلطف بنا، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، وصل الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه

[١] أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب الأكسية والخمائص، (١٤٧/٧)، برقم: (٥٨١٨)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه واليسير في اللباس والفراش وغيرهما، وجواز لبس الثوب الشعر، وما فيه أعلام، (١٦٤٩/٣)، برقم: (٢٠٨٠)، بلفظ: (فأقسمتْ بالله إن رسول الله ﷺ قبض في هذين الثوبين).
[٢] أخرجه البخاري، كتاب أصحاب النبي ﷺ، باب مناقب سعد بن أبي وقاص، (٥/٢٢)، برقم: (٣٧٢٨).

الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث سعد بن أبي وقاص / إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله Reviewed by احمد خليل on 2:55:00 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.