Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح حديث / ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه

باب الخوف
لفضيلة الدكتور خالد بن عثمان السبت
شرح - حديث - ما - منكم - من - أحد - إلا - سيكلمه - ربه
شرح حديث / ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه
أحاديث رياض الصالحين: باب الخوف
٤٠٧ - وعن المِقْدَاد - رضيَ اللَّه عنه - قال: سَمِعْتُ رسولَ يَقُولُ: «تُدْني الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيل» قَالَ سُلَيمُ بْنُ عَامرٍ الرَّاوي عنْ المِقْدَاد: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي ما يَعْني بِالميلِ، أَمَسَافَةَ الأَرضِ أَمِ المِيل الَّذي تُكْتَحَلُ بِهِ العيْنُ «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمالِهمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلي كعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلي رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ منْ يَكون إِلي حِقْوَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلجامًا» وَأَشَارَ رسول اللَّه بِيدِهِ إِلي فِيه. رواه مسلم.
٤٠٨ - وعن أبي هريرة - رضيَ اللَّه عنه - أَنَّ رسولَ اللَّهِ قال: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يذْهَب عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ» متفقٌ عليه.
ومعنى «يَذْهَبُ في الأَرْضِ»: ينزِل ويغوص.
٤٠٩ - وعن أبي هريرة - رضيَ اللَّه عنه - قال: كنا مع رسول اللَّه إِذ سَمِعَ وَجْبَةً فقال: «هَلْ تَدْرُونَ ما هذا؟» قُلْنَا: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: «هذا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَريفًا فَهُوَ يهْوِي في النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلي قَعْرِهَا، فَسَمِعْتُمْ وجْبَتَهَا» رواه مسلم.
٤١٠ - وعن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ - رضي اللَّه عنه - قال: قال رسولُ اللَّه : «ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمنَ مِنْهُ، فَلا يَرَى إِلاَّ ما قَدَّمَ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينْظُرُ بيْنَ يَدَيهِ، فَلا يَرَى إِلاَّ النَّارِ تِلْقَاءَ وَجهِهِ، فاتَّقُوا النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» متفقٌ عليه [١].
٤١١ - وعن أبي ذَرٍّ - رضي اللَّهُ عنه - قال: قال رسولُ اللَّه : «إِنِّي أَرى مالا تَرَوْنَ، أَطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا موْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ واضِعٌ جبهتهُ ساجِدًا للَّهِ تَعَالى، واللَّه لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لضَحِكْتمْ قَلِيلًا، وَلَبكَيْتُمْ كَثِيرًا، وما تَلَذَّذتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرجْتُمْ إِلي الصُّعُداتِ تَجْأَرُون إِلي اللَّه تَعَالَى» رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن.
وَ «أَطَّتْ» بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ، «وَتَئِطُّ» بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة، والأَطِيطُ: صَوْتُ الرَّحلِ وَالْقَتَبِ وشِبْهِهِمَا، ومعْناهُ: أَنَّ كَثْرَةَ مَنْ في السَّماءِ مِنَ المَلائِكَةِ الْعابِدينَ قَدْ أَثْقَلَتْهَا حَتَّى أَطَّتْ.
وَ «الصُّعُدَاتِ» بضم الصاد والعين: الطُّرُقَاتُ، ومعنى «تَجأَرُونَ»: تَسْتَغِيثُونَ.
٤١٢ - وعن أبي بَرْزَة - بِراءٍ ثم زايٍ - نَضْلَةَ بنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ - رضي اللَّه عنه - قال: قال رسولُ اللَّه : «لا تَزُولُ قَدمَا عبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيم فَعَلَ فِيهِ، وعَنْ مالِهِ منْ أَيْنَ اكْتَسبهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

الشرح
فقوله: «ما منكم من أحد» أي: أن كل أحد سيقع له ذلك، وهذه الصيغة "ما" نافية و"أحد" نكرة في سياق النفي فهذا للعموم، وإذا دخلت على هذه النكرة التي في سياق النفي "مِن" فإن ذلك ينقلها من حيز الظهور في العموم إلى حيز التنصيص الصريح في العموم، ما منكم من أحد، كل أحد، إلا سيكلمه ربه، وهذا فيه إثبات صفة الكلام لله - سبحانه وتعالى - على ما يليق بجلاله وعظمته، فالله يتكلم كما شاء بما شاء كلامًا يليق به، لا يماثل كلام المخلوقين، فالله - سبحانه وتعالى - كلّم آدم وكلّم موسى وكلّم محمدًا ، ويقول لعيسى - عليه الصلاة والسلام - في الآخرة: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ}[المائدة: ١١٦
ويقول له: {اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ}[المائدة: ١١٠]، إلى غير ذلك من المواطن التي دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الله يتكلم فيها كلامًا حقيقيًّا لائقًا بجلاله وعظمته، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه تَرجُمان، التَرجُمان فيه لغات، يقال: تُرجُمان، وتَرجَمان، وتَرجُمان كما هنا، والتَرجُمان يقال لمن ينقل الكلام لغيره، ويقال ذلك أيضًا لمن ينقل من لغة إلى لغة، يعني يقال لمن ينقله باللغة نفسها، ويقال أيضًا لمن ينقله من لغة إلى لغة أخرى، فهنا ليس بينه وبينه ترجمان، المقصود هنا بهذا الحديث: أنه يكلمه مباشرة بلا واسطة، ليس عن طريق الملَك، وإنما يكلمه تكليمًا مباشرًا، وإذا استشعر الإنسان مثل هذا الموقف، وأن الله يكلم عبده تكليمًا مباشرًا، ويحاسبه على أعماله، ويقول له كما دلت عليه الأحاديث: اذكر كذا، فعلتَ في يوم كذا، وكذا، فإذا أنكر الإنسان ختم على فيه، ونطقت جوارحه، حتى الأرض التي يمشي عليها الإنسان تنطق وتتكلم.
كما قال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس: ٦٥]، وقال: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: ٢١]، وكذلك أخبر عن الأرض، قال: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: ٤]، فتذْكُر ما فعل عليها، فهذه ينبغي للإنسان أن يضعها دائمًا نصب عينيه، أن الجوارح تتكلم والأرض تتكلم، وأن الله سيحاسبه ويكلمه مباشرة، ولو قيل له: إن أحدًا من الناس ممن يعظمه أو يخافه سيكلمك ويحاسبك مباشرة، وسيكون لك يوم معه، فإن الإنسان يحسب لذلك، ويكف عما لا يليق، الشاهد قال: فينظر أيمن منه أي: الجهة اليمنى، فلا يرى إلا ما قدم أي: لا يرى إلا الأعمال التي عملها من صلاة وصيام وصدقة، وغير ذلك، وينظر أشأم منه يعني: ناحية الشمال، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه أي: قبالة وجهه، بمعنى: أنه لا يخلصه بعد رحمة الله ولطفه إلا العمل، لا تخلصه القرابات ولا الأنساب، ولا يخلصه الجاه في الدنيا، ولا يخلصه المال والثروة، وإنما يخلصه عمله، ولهذا قال النبي هنا: «فاتقوا النار ولو بشق تمرة»[٢]. متفق عليه.
بشق تمرة أي: ولو بنصف تمرة، وقال: «لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» [٣]، والآخرة الميزان فيها بمثاقيل الذر، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧-٨]، فماذا يساوي مثقال الذرة إزاء شق التمرة؟ شق التمرة أعظم بكثير، وأثقل في الميزان، فكيف بما هو أكثر وأعظم من ذلك؟ فيحتاج الإنسان أن يضع بينه وبين النار أعمالًا يتقرب بها إلى الله تعالى، ولهذا قال النبي : «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا [٤]»، سبعين سنة، يوم واحد، فكيف بالذي يكثر من الصيام؟ فنحتاج إلى أن يلتفت الإنسان إلى نفسه وينظر في أعماله، يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: ٦]، يلتفت إلى نفسه وينظر في أعماله، ويضع له أرصدة في اليوم الآخر، من أجل أنه إذا لقي الله - سبحانه وتعالى - يكون له ما يتبلغ به، أما أن يقدم الإنسان على الآخرة، وليس عنده أعمال فإن الآخرة دار لا تصلح للمفاليس، ونحن في الدنيا يحرص الإنسان أن يكون له مستقبل ولأولاده من الدنيا، ويكون ذلك لربما هو أكبر الهم عند أكثر الناس، لكن أين الآخرة؟ وأين عمارة الآخرة كما نعمر هذه الحياة الدنيا؟ الواحد منا لربما يدرس سنوات طويلة من أجل مستقبله، ويدرس دراسة كثيرة من أجل أن يتفوق، يقول: من أجل المستقبل، ويعمل ويقول: من أجل المستقبل، إلى غير ذلك، مع أنه قد يجد كفايته فيما دون ذلك، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، ومع هذا لا يكتفي الإنسان بل يضاعف الجهود، ولو أن أحدًا من الناس توانى أو قعد، أو قبل بنصف الوقت الذي يعمل به، لو أنه تخرج طبيبًا وقال: أنا تكفيني أربع ساعات أشتغل لأحصل ما يكفيني من القوت، لو فعل هذا لتكلم الناس في حقه، ولامه القريب والبعيد، وكيف تترك هذه الفرص؟ وتترك ما يمكن أن يدر عليك أموالًا ونحو ذلك؟ وأما الآخرة فالتواني، والنوم عن الصلاة المفروضة، وترك طاعة الله - سبحانه وتعالى - في الفرائض والنوافل، ولا أحد يمكن أن يتكلم، أين عمارة الآخرة؟ أين المستقبل الحقيقي الذي لا ينقضي بملايين السنين؟ أمّا هذا المستقبل القريب المضمون الذي قد لا يزيد عن ستين سنة فهذا ينقضي نصف العمر فقط من أجل تهيئته، والنصف الباقي إلى أن يموت الإنسان وهو يعمل ويكد ويجتهد ويكدح.
فأقول: الآخرة تحتاج أيضًا إلى عمل، تحتاج إلى جهد، ولا يتكل الإنسان على سعة مغفرة الله تعالى، فإن الله - تبارك وتعالى - أدخل امرأة النار في هرة حبستها، والرجل المجاهد مع النبي لما قُتل، وقالوا: شهيد في الجنة، قال: إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا[٥]، وهو خادم للنبي ، وهو الذي كان يقوم على رحل النبي ، ومتاع النبي ، ينقله ويحمله، أقرب الناس إلى النبي ، خادم قريب، لمّا قالوا: في الجنة قال: كلا إن الشملة التي غلها لتُسعَّر عليه في قبره، وهذا الرب الرحيم أيضًا هو الذي أمر بقطع يد السارق بربع دينار، وهو الذي أمر بقتل الزاني المحصن بأبشع قتلة بالرجم إلى الموت، بسبب إيلاج مثل رأس الأصبع، وأمر بالجلد ثمانين من أجل شربة من الخمر، فالإنسان يخاف ولا يغتر، ولا ينظر إلى نصوص الرجاء فقط، بل ينظر أيضًا إلى نصوص الوعيد، ويعمل من أجل أن يسعد نفسه السعادة الأبدية.
نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يسعدنا وإياكم ووالدينا وإخواننا المسلمين، وأن يتولانا بألطافه ورحمته وفضله، وأن يشملنا بعفوه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصل الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
الحمد لله رب العالمين
[١] أخرجه البخاري، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [سورة القيامة: ٢٢-٢٣]، (٩/ ١٣٢)، رقم: (٧٤٤٣)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، (٧٠٣/٢).
[٢] أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب: اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة (2/ 110)، رقم: (1417)، ومسلم، كتاب الزكاة باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار (2/ 704)، رقم: (1016).
[٣] أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء (4/ 2026)، رقم: (2626).
[٤] أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الصوم في سبيل الله (4/ 26)، رقم: (2840)، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت حق (2/ 808)، رقم: (1153).
[٥] أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (5/ 138)، رقم: (4234).
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه Reviewed by احمد خليل on 2:05:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.