شرح حديث / الإشراك بالله وعقوق الوالدين
باب
تحريم العقوق وقطيعة الرحم
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / الإشراك بالله وعقوق الوالدين
أحاديث رياض الصالحين
باب
تحريم العقوق وقطيعة الرحم
قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}
[محمد: ٢٢-٢٣].
وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ
مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي
الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار}
[الرعد: ٢٥].
وقال
الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا
تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ
الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
[الإسراء: ٢٣-٢٤].
عن
أبي بكرة نفيع بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» -ثلاثًا- قلنا: بلى يا
رسول الله. قال: «الإشراك
بالله، وعقوق الوالدين» وكان متكئًا فجلس فقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور» فما زال يكررها حتى قلنا:
ليته سكت. متفق عليه [١].
الـشـرح
قال
المؤلف - رحمة الله تعالى -: باب تحريم العقوق وقطيعة الأرحام. العقوق بالنسبة
للوالدين، وقطيعة الأرحام بالنسبة للأقارب غير الوالدين.
والعقوق
مأخوذ من العق وهو: القطع، ومنه سميت العقيقة التي تذبح عن المولود في اليوم
السابع؛ لأنها تعق يعني: تقطع رقبتها عند الذبح.
والعقوق
من كبائر الذنوب لثبوت الوعيد عليه من الكتاب والسنة، وكذلك قطيعة الرحم.
قال
الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ
أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} يعني أنكم إذا
توليتم أفسدتم في الأرض، وقطعتم الرحم وحقت عليكم اللعنة، وأعمى الله أبصاركم.
{وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}
المراد بالأبصار هنا البصيرة وليس بصر العين، والمراد أن الله تعالى يعمي بصيرة
الإنسان والعياذ بالله، حتى يرى الباطل حقًا والحق باطلًا.
وهذه
عقوبة أخروية ودنيوية:
أما
الأخروية فقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ
اللَّهُ} [النساء: ٥٢].
وأما
الدنيوية فقوله: {فَأَصَمَّهُمْ}، يعني: أصم
آذانهم عن سماع الحق والانتفاع به، {وَأَعْمَى
أَبْصَارَهُمْ} عن رؤية الحق والانتفاع به.
وقال
الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ
مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار}.
ميثاق
العهد: توكيده، فينقضون العهد، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل من القرابات
وغيرهم، ويفسدون في الأرض بكثرة المعاصي {أُولَئِكَ
لَهُمُ اللَّعْنَةُ} واللعنة تعني: الطرد والإبعاد عن رحمة الله، {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} أي سوء العاقبة.
وقال
الله تبارك تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ
لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ
لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا
رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: ٢٣-٢٤].
فأمر
الله بالإحسان إلى الوالدين، وقال إن بلغا عندك الكبر أحدهما أو كلاهما؛ إما الأم
أو الأب، أو الأم والأب جمعيًا فزجرت منهم؛ لأن الإنسان إذا كبر قد يصل إلى الهرم
وأرذل العمر فيتعب، فقال حتى في هذه الحال: {فَلا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أي: لا تقل إني متضجر منكما {وَلا تَنْهَرْهُمَا} أي: عند القول، {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} يعني: طيبًا حسنًا
يدخل السرور عليهما، ويزيل عنهما الكآبة والحزن، {وَاخْفِضْ
لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} يعني: ذل لهما مهما بلغت من
علو المنزلة، كما تعلو الطيور، فاخفض لهما جناح الذل، وتذلل لهما رحمة بهما، {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
فارحمهما أنت، وادع الله أن يرحمهما.
هذا
هو الذي أمر الله به بالنسبة للوالدين في حال الكبر، وأما في حال السباب؛ فإن
الوالد في الغالب يكون مستغنيًا عن ولده ولا يهمه.
ثم
ذكر المؤلف حديث أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «ألا أنبئكم
بأكبر الكبائر؟» -ثلاثًا- قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»، هذا من أكبر
الكبائر.
فالإشراك
كبيرة في حق الله، وعقوق الوالدين كبيرة في حق من هم أحق الناس بالولاية والرعاية،
وهما الوالدان.
وكان
ﷺ متكئًا فجلس أي: معتمدًا على يده، فجلس
واستقام في جلسته وقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور» هذا أيضًا من أكبر الكبائر،
وإنما جلس النبي ﷺ عند هذا؛ لأن هذا ضرره
عظيم، وعاقبته وخيمة.
وقول
الزور يعني: الكذب، وشهادة الزور أي: الذي يشهد بالكذب والعياذ بالله، وما أرخص
شهادة الزور اليوم عند كثير من الناس، يظن الشاهد أنه أحسن إلى من شهد له، ولكنه
أساء إلى نفسه، وأساء إلى من شهد له، وأساء إلى من شهد عليه.
أما
إساءته إلى نفسه فلأنه أتى كبيرة من كبائر الذنوب والعياذ بالله؛ بل من أكبر
الكبائر، وأما كونه أساء إلى المشهود له فلأنه سلطه على ما لا يستحق وأكله الباطل،
وأما إساءته إلى المشهود عليه فظاهرة؛ فإنه ظلمه واعتدى عليه، ولهذا كانت شهادة
الزور من أكبر الكبائر والعياذ بالله.
ولا
تظن أنك إذا شهدت لأحد زورًا أنك محسن إليه، لا والله بل أنت مسيء إليه، وللأسف
فكثير من الناس الآن يشهد عند الحكومة في المسائل بأن فلانًا هو المستحق، ويلبسون
على الحكومة، ويستعيرون أسماء ليست بصحيحة، كل هذا من أجل أن ينالوا شيئًا من
الدنيا، لكنهم خسروا الدنيا والآخرة بهذا الكذب والعياذ بالله.
وهذا
الحديث يوجب للعاقل الحذر من هذه الأمور الأربعة: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين،
وقول الزور، وشهادة الزور.
شرح حديث / الإشراك بالله وعقوق الوالدين
Reviewed by احمد خليل
on
1:51:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: