Top Ad unit 728 × 90

باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
باب – توقير – العلماء – والكبار – وأهل - الفضل

باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل

أحاديث رياض الصالحين: باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم عَلَى غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبتهم.
قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر: ٩].

٣٥٢- وعن أَبي مسعودٍ عُقبةَ بنِ عمرٍو البدريِّ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه : «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا في الْقِراءَةِ سَواءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كانُوا في الهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُد في بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» [١] رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: "فَأَقْدمُهُمْ سِلْمًا" بَدل "سِنًّا"، أَيْ: إِسْلامًا.
وفي روايةٍ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ، وأَقْدَمُهُمْ قِراءَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِراءَتُهمْ سَواءً فَيَؤُمُّهم أَقْدمُهُمْ هِجْرةً، فَإِنْ كَانوا في الهِجْرَةِ سوَاءً فَلْيَؤُمّهُمْ أَكْبرُهُمْ سِنًّا».

والمراد "بسلطانه" محل ولايته، أو الموضع الذي يختص به. "وتكرمته" بفتح التاء وكسر الراء: وهي ما ينفرد به من فراش وسرير ونحوهما.

الـشـرح:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: "باب توقير العلماء، وأهل الفضل، وتقديمهم على غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبتهم"، يعني: وما يتعلق بهذا من المعاني الجليلة. 

يريد المؤلف رحمه الله، بالعلماء علماء الشريعة الذين هم ورثة النبي ، فإن العلماء ورثة الأنبياء؛ لأن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، فإن النبي توفي عن بنته فاطمة وعمه العباس ولم يرثوا شيئًا؛ لأن الأنبياء لا يورثون إنما ورثوا العلم.

 

فالعلم شريعة الله عزَّ وجلَّ، فمن أخذ بالعلم؛ أخذ بحظ وافر من ميراث العلماء.

وإذا كان الأنبياء لهم حق التبجيل والتعظيم والتكريم، فلمن ورثهم نصيب من ذلك، أن يبجل ويعظم ويكرم، فلهذا عقد المؤلف رحمه الله، لهذه المسألة العظيمة بابًا؛ لأنها مسألة عظيمة ومهمة.

وبتوقير العلماء توقر الشريعة؛ لأنهم حاملوها، وبإهانة العلماء تهان الشريعة؛ لأن العلماء إذا ذلوا وسقطوا أمام أعين الناس؛ ذلت الشريعة التي يحملونها، ولم يبق لها قيمة عند الناس، وصار كل إنسان يحتقرهم ويزدريهم فتضيع الشريعة.

كما أن ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم تعظيمهم وطاعتهم، حسب ما جاءت به الشريعة؛ لأنهم إذا احتقروا أمام الناس، وأذلوا، وهون أمرهم؛ ضاع الأمن وصارت البلاد فوضى، ولم يكن للسلطان قوة ولا نفوذ.

 

فهذان الصنفان من الناس: العلماء والأمراء، إذا احتقروا أمام أعين الناس فسدت الشريعة، وفسدت الأمن، وضاعت الأمور، وصار كل إنسان يرى أنه هو العالم، وكل إنسان يرى أنه هو الأمير، فضاعت الشريعة وضاعت البلاد، ولهذا أمر الله تعالى بطاعة ولاة الأمور من العلماء والأمراء فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩].

 

ونضرب لكم مثلًا: إذا لم يعظم العلماء والأمراء، فإن الناس إذا سمعوا من العالم شيئًا قالوا: هذا هين، قال فلان خلاف ذلك.

أو قالوا: هذا هين هو يعرف ونحن نعرف، كما سمعنا عن بعض السفهاء الجهال، أنهم إذا جودلوا في مسألة من مسائل العلم، وقيل لهم: هذا قول الإمام أحمد بن حنبل، أو هذا قول الشافعي، أو قول مالك، أو قول أبي حنيفة، أو قول سفيان، أو ما أشبه ذلك، قال: نعم، هم رجال ونحن رجال، لكن فرق بين رجولة هؤلاء ورجولة هؤلاء، من أنت حتى تصادم بقولك وسوء فهمك وقصور علمك وتقصيرك في الاجتهاد وحتى تجعل نفسك ندًا لهؤلاء الأئمة رحمهم الله؟ 

فإذا استهان الناس بالعلماء كل واحد يقول: أنا العالم، أنا النحرير، أنا الفهامة، أنا العلامة، أنا البحر الذي لا ساحل له وصار كل يتكلم بما شاء، ويفتي بما شاء، ولتمزقت الشريعة بسبب هذا الذي يحصل من بعض السفهاء.

 

وكذلك الأمراء، إذا قيل لواحد مثلًا: أمر الولي بكذا وكذا، قال: لا طاعة له؛ لأنه مخل بكذا ومخل بكذا، وأقول: إنه إذا أخل بكذا وكذا، فذنبه عليه، وأنت مأمور بالسمع والطاعة، حتى وإن شربوا الخمور وغير ذلك ما لم نر كفرًا بواحًا عندنا فيه من الله برهان، وإلا فطاعتهم واجبة؛ ولو فسقوا، ولو عتو، ولو ظلموا.

وقد قال النبي : «تسمعُ وتُطيعُ الأميرَ، وإن ضرب ظهرَك، وأخذ مالَك» [٢].

وقال لأصحابه فيما إذا أخل الأمراء بواجبهم، قال: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فإنَّما عليهم ما حُمِّلُوا، وَعلَيْكُم ما حُمِّلْتُمْ» [٣].

 

أما أن نريد أن تكون أمراؤنا كأبي بكر وعمر، وعثمان وعليّ، فهذا لا يمكن، لنكن نحن صحابة أو مثل الصحابة حتى يكون ولاتنا مثل خلفاء الصحابة.

أما والشعب كما نعلم الآن؛ أكثرهم مفرط في الواجبات، وكثير منتهك للحرمات، ثم يريدون أن يولي الله عليهم خلفاء راشدين، فهذا بعيد، لكن نحن علينا أن نسمع ونطيع، وإن كانوا هم أنفسهم مقصرين فتقصيرهم هذا عليهم. عليهم ما حملوا، وعلينا ما حملنا.

فإذا لم يوقر العلماء ولم يوقر الأمراء؛ ضاع الدين والدنيا. نسأل الله العافية. 

 

ثم استدل المؤلف بقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩]،قُلْ هَلْ يَسْتَوِي يعني: لا {يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}؛ لأن الجاهل متصف بصفة ذم، والعالم متصف بصفة مدح، ولهذا لو تعير أدنى واحد من العامة وتقول له: أنت جاهل، غضب وأنكر ذلك، مما يدل على أن الجهل عيب مذموم، كلُ ينفر منه، والعلم خير، ولا {يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} في أي حال من الأحوال.

العالم يعبد الله على بصيرة، يعرف كيف يتوضأ، وكيف يصلي، وكيف يزكي، وكيف يصوم، وكيف يحج، وكيف يبر والديه، وكيف يصل رحمه.

العالم يهدي الناس: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: ١٢٢]، لا يمكن أن يكون هذا مثل هذا، فالعالم نور يهتدي به ويرفع الله به، والجاهل عالة على غيره، لا ينفع نفسه ولا غيره، بل إن أفتى بجهل؛ ضر نفسه وضر غيره، فلا {يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}. 

 

ثم استدل المؤلف بحديث عقبة بن عامر أن النبي قال: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ» يعني: يكون إماماً فيهم أقرؤهم كاتب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُنّة، فإن كانوا بالسُنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا، أي: إسلامًا، وفي لفظ سنًا، أي: أكبرهم سنًا. 

وهذا يدل على أن صاحب العلم مقدم على غيره؛ يقدم العلم بكتاب الله، ثم العالم بسُنّة رسول الله ، ولا يقدم من القوم في الأمور الدينية إلا خيرهم أفضلهم.

 

وهذا يدل على تقديم الأفضل فالأفضل في الإمامة، وهذا في غير الإمام الراتب، أما الإمام الراتب فهو الإمام وإن كان في الناس من هو أقرأ منه؛ لقول النبي في الحديث: «وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ» وإمام المسجد الراتب سلطان في مسجده، حتى إن بعض العلماء يقول: لو أن أحدًا تقدم وصلى بجماعة المسجد بدون إذن الإمام فصلاتهم باطلة، وعليهم أن يعيدوا؛ لأن النبي نهي عن الإمامة، والنهي يقتضي الفساد، والله الموفق.

 

[١] رواه مسلم: كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة، رقم (٦٧٣).

[٢] أخرجه البخاري: (٧٠٨٤)، ومسلم: (١٨٤٧).

[٣] رواه مسلم: كتاب الإمارة، باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق، رقم (١٨٤٦).


الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين

اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم

تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال

باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل Reviewed by احمد خليل on 7:04:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.