Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح حديث السبدة عائشة / إن كان رسول الله صل الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به

باب تعظيم حُرمات المُسلمين

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

شرح - حديث - السبدة - عائشة - إن - كان - رسول - الله - صل - الله - عليه - وسلم - ليدع - العمل - وهو - يحب - أن - يعمل - به

شرح حديث السبدة عائشة / إن كان رسول الله صل الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به


أحاديث رياض الصالحين: باب تعظيم حُرمات المُسلمين

 

٢٣٤ - وعن عائشة -رضي اللَّه عنها- قَالَتْ: "إِنْ كَان رسولُ اللَّه لَيدعُ الْعَمَلَ وهُوَ يحِبُّ أَنَ يَعْمَلَ بِهِ؛ خَشْيةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ"[١] متفقٌ عَلَيهِ.

٢٣٥ - وعن عائشة -رضي اللَّه عنها- قَالَتْ: نَهَاهُم النَّبِيُّ عَن الْوِصال رَحْمةً لهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُواصلُ؟! قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُني رَبِّي ويَسْقِيني» [٢] متفقٌ عَلَيهِ. 

مَعناهُ: يجعَلُ فيَّ قُوَّةَ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ.

الشرح:

قال المؤلف رحمه الله تعالى، فيما نقله عن عائشة -رضي الله عنها- في باب الرفق بالمسلمين والشفقة عليهم، قالت عائشة -رضي الله عنها-: إن كان النبي ليدع العمل وهو يحب أن يفعله؛ خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم.

قولها: (إن كان) "إن" هذه مخففة من الثقيلة، وأصلها "إنّ"، ويقول النحويون: إن اسمها محذوف ويسمونه ضمير الشأن، وجملة (كان ليدع) خيرها. فالجملة هنا ثبوتية وليست سلبية. والمعنى: أن النبي كان يترك العمل وهو يحب أن يفعله، لئلا يعمل به الناس، فيفرض عليهم، فيشق عليهم.

 

ومن ذلك ما فعله في رمضان عليه الصلاة والسلام.

صلى في رمضان ذات ليلة، فعلم به أُناسٌ من الصحابة، فاجتمعوا إليه وصلوا معه، وفي الليلة الثانية صلوا أكثر، وفي الثالثة أكثر وأكثر، ثم ترك الصلاة في المسجد، فقال عليه الصلاة والسلام: «أما بعد، فإنه لم يخف علىّ مكانكم» يعني: ما جرى منهم من الاجتماع «ولكني كرهت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها» [٣]. فترك هذا القيام جماعة خوفًا من أن يفرض على الأمة وهذا من شفقته ، وكان يقول: لو لا أن أشق على أمتي لفعلت كذا وكذا، أو لآمرت بكذا وكذا، مثل قوله: «لولا أن أشق على أمتي لأمرته بالسواك عند كل صلاة» [٤]. ومثله قوله حين تأخر في صلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل، فقال: "إنه لوقتها"[٥]. يعني: آخر الوقت.

ثم قال: «لولا أن أشق على أمتي» فهو عليه الصلاة والسلام، كان يدع العمل ويدع الأمر بالعمل؛ خوفًا من أن يشق على الأمة.

 

ومن ذلك أيضًا ما روته عائشة -رضي الله عنها- أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم، يعني: نهى الصحابة عن الوصال. والوصال يعني: إن يصل الإنسان يومين فأكثر في الصيام من غير فطر، يعني: يصوم الليل والنهار يومين أو ثلاثة أو أكثر، فنهاهم النبي عن ذلك، ولكنهم -رضي الله عنهم- فهموا أنه نهاهم رحمة بهم لا كراهة للعمل، فواصلوا ثم واصلوا حتى هل شهر شوال، فقال : «لو تأخر الهلال لزدتكم» [٦] يعني: لأبقيتكم تواصلون، قال ذلك تنكيلًا لهم، حتى يعرفوا ألم الجوع والعطش، ويكفوا عن الوصال من أنفسهم.


الحاصل أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم.

فقالوا: إنك تواصل ونحن نقتدي بك. فقال: «إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني» يعني: أنه عليه الصلاة والسلام ليس كالأمة، بل هو يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه، ومعنى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام يتهجد بالليل، ويخلو بالله -عزّ وجلّ- بذكره، وقراءة كلامه، وغير ذلك مما يغنيه عن الأكل والشرب؛ لأن الإنسان إذا اشتغل بالشيء نسي الأكل والشرب، خصوصًا إذا كان الشيء مما يحبه ويرضاه، ولهذا قال الشاعر في محبوبته:

لها أحاديث من ذكراك تشعلها

عن الشراب وتلهيها عن الزاد

يعني: أنها إذا قعدت تتحدث عن هذا الرجل تكثر من ذكره حتى يلهيها ذلك عن الطعام والشراب، وهو أمر واقع واضح.

حتى إن الإنسان قد يكون في الأشغال يشتغل بها، فيلهو عن الأكل والشرب، مثل طالب العلم الذي يكون منهومًا بالعلم شغوفًا به، ربما يبقى في مكتبته يطالع من الصباح إلى المساء، فينسى الأكل والشرب، ينسى الغداء والعشاء، وربما ينسي النوم، وكذلك طالب الدنيا منهوم لا يشبع، ربما يبقى في دفاتره وحساباته فينشغل عن الأكل والشرب.


ويذكر أن رجلًا غنيًا كان يشتغل بحساباته وبكتاباته وماله وله زوجة، وكان له جار فقير متزوج، وكانوا يشعرون بأن هذا الجار الفقير يعاشر زوجته بالمعروف، فغارت زوجة الغني؛ لأن الغني غافل عنها، فقالت له: ألا تنظر إلى جارنا يعاشر زوجته بالمعروف، ويستأنس مع أهله، ففطن الرجل الغني لهذا، فدعا الرجل الفقير وقال له: إنك رجلٌ فقيرٌ تحتاج على المال، وأنا سأعطيك مالًا تتجر به، فأعطاه المال يتجر به، فانشغل به الفقير عن اهله، وصال لا يعاشرهم ولا يؤنسهم، فصار مثل التاجر.


فالإنسان إذا انشغل بالشيء المحبوب إليه أنساه كلّ شيء، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين» فلست كهيئتكم، وما زعمه بعض أهل العلم من أن المراد بالإطعام والإسقاء، الإطعام من الجنة والإسقاء من الجنة فليس بصحيح؛ لأنه لو طعم طعامًا حِسِّيًّا وشرب شرابًا حِسِّيًّا، لم يكن واصلًا، وإنما المراد بالطعام والسقي ما يشتغل به
من ذكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه.

والحاصل: أن النبي كان يواصل وينهى أمته على الوصال رحمة بهم، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


[١] أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب تحريض النبي  على قيام الليل، رقم (١١٢٨)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى، رقم (٧١٨).

[٢] أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب الوصال، رقم (١٩٦٤) ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم، رقم (١١٠٥).

[٣] أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء. رقم (٩٢٤)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان، رقم (٧٦١)

[٤] أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، رقم (٨٨٧)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب السواك رقم (٢٥٢).

[٥] أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب وقت العشاء وتأخيرها، رقم (٦٣٨).

[٦] أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب التنكيل لمن أكثر الوصال، رقم (١٩٦٥) ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال، رقم (١١٠٣).

الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

شرح حديث السبدة عائشة / إن كان رسول الله صل الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به Reviewed by احمد خليل on 10:50:00 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.