شرح حديث / أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال
باب
الأمر بأداء الأمانة
الدرر السنية
شرح حديث / أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال
أحاديث رياض الصالحين: باب الأمر بأداء الأمانة
٢٠٥ - وعن حُذيْفَة
بنِ الْيمانِ - رضي الله عنه - قَالَ: "حدَّثنا رسولُ اللَّه ﷺ حَديثَين قَدْ
رَأَيْتُ أَحدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظرُ الآخَرَ: حدَّثَنا أَنَّ الأَمَانَة
نَزلتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرآنُ، فَعلموا مِنَ
الْقُرْآن، وَعلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ حَدَّثنا عَنْ رَفْعِ الأَمانَةِ
فَقال: «يَنَامُ الرَّجلُ النَّوْمةَ فَتُقبضُ
الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيظلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ ينامُ
النَّوْمَةَ فَتُقبضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيظَلُّ أَثَرُهَا مِثْل أثرِ
الْمَجْلِ، كجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ، فَنفطَ، فتَراه مُنْتَبِرًا،
وَلَيْسَ فِيهِ شَيءٌ» ثُمَّ أَخذَ حَصَاةً فَدَحْرجَهَا عَلَى رِجْلِهِ، «فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتبايَعونَ، فَلا يَكادُ أَحَدٌ
يُؤدِّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ في بَنِي فلانٍ رَجُلًا أَمِينًا،
حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ! مَا أَظْرَفهُ! مَا أَعْقلَهُ! وَمَا
في قلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمانٍ» وَلَقَدْ أَتَى
عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا
ليَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُه، ولَئِنْ كَانَ نَصْرانيًّا أَوْ يَهُوديًّا
لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وأَمَّا الْيَوْمَ فَما كُنْتُ أُبَايِعُ
مِنْكُمْ إِلَّا فُلانًا وَفلانًا" متفقٌ عَلَيهِ [١].
قوله: " جَذْرِ" بفتحِ الجيمِ وإسكان الذالِ المعجمةِ: وهو أصلُ الشيء. و"الْوَكْتِ" بالتاء المثناة من فوقُ: الأثر اليسيرُ، "والْمَجْلِ" بفتح الميم وإسكان الجيم، وهو تنفظ في اليد ونحوها من أثرِ عمل وغيره. قوله: "مُنْتَبِرًا" مُرتفعًا. قوله: "سَاعِيهِ" الوالي عليه.
الشرح
كان
حُذيفةُ بنُ اليمانِ - رضِي اللهُ عنهما - كثيرًا ما يَسألُ النَّبيَّ ﷺ عَنِ ألفِتنِ، وفي هذا
الحديث يُخبرُ حُذيفةُ - رضِي اللهُ عنه - أنَّ النَّبيَّ ﷺ قدْ حدَّثَهم
بحَديثينِ تحقَّقَ أحدُهما ووقَعَ في زَمانِهم، أمَّا الآخَرُ فلم يقعْ، وأنَّه -
رضِي اللهُ عنه - كان يَنتظرُ وقوعَه، أمَّا الَّذي وقَعَ فهو أنَّ الأمانةَ في
جَذْرِ قلوبِ الرِّجالِ، يعني: أنَّ الإيمانَ قدِ استقرَّ في أصْلِ قلوبِ
الرِّجالِ مِن أصحابِ النَّبيِّ ﷺ،
ثُمَّ بعد ذلك تَعلَّموا مِنَ القرآنِ ومِنَ السُّنَّة، فكانَ إيمانُهم هو
السَّببَ في قَبولِهم ِبالأخذِ بِالقرآنِ والسُّنَّةِ.
أمَّا
الأمرُ الآخَرُ الَّذي لم يقعْ في زمانِ حُذيفةَ - رضِي اللهُ عنه - وكان ينتظرُ
وقوعَه، فهو رفْعُ الأمانةِ من قلوبِ الرِّجالِ، أي: رفعُ ثمرتِها، حتَّى إنَّ
الرَّجلَ ينامُ فينهضُ وقد قُبضَتْ يعني: رُفِعَ أثرُ الإيمانِ من قلبِه ولم
يتبَقَّ منه سوى أثرِها الَّذي هو كأثرِ الوكْتِ، وهو الأثرُ الىَسيرُ كالنُّقطةِ،
ثُمَّ ينامُ الرَّجلُ فَينهضُ وقد نُزعَ الإيمانُ وأثرُه من قلبه فلم يتبقَّ من
أثَرِه إلا مِثلُ المجْلِ، وهو النَّفَّاخاتُ الَّتي تَخرُجُ في الأيدي عندَ كثرةِ
العملِ بِنحوِ الفأسِ، كجمرٍ دحرجتَهُ على رِجْلِك فنفَطَ فتراه مُنتَبِرًا وليس
فيه شيءٌ، يعني: أثرُ ذلك مِثلُ أثرِ الجمرِ الَّذي يُقلَّبُ ويُدارُ على القَدمِ
فُيخلِّفُ انتفاخًا على القدَمِ، وهذا الانتفاخُ ليسَ فيه شيءٌ صالحٌ، إنَّما هو
ماءٌ فاسدٌ، يُريدُ أنَّ الأمانةَ تُرفعَ عَنِ القلوبِ؛ عقوبةً لِأصحابِها على ما
اجْتَرحوا مِنَ الذُّنوبِ، حتَّى إذا استيقظوا مِن منامِهم لم يَجدوا قلوبَهم على
ما كانتْ عليه، ويَبقى فيه أثرٌ، تارةً مثلَ الوكْتِ وتارةً مِثلَ الْمَجْلِ، وهو
انتفاطُ اليدِ مِنَ العملِ، فيصبحُ النَّاسُ، أي: يَدْخُلونَ في الصَّباحِ
يَتبايعونَ، أي: يَجري بينهمُ التَّبايعُ، ويَقَعُ عندهمُ التَّعاهدُ، ولا يكادُ
أحدٌ يُؤدِّي الأمانةَ، بل يَظهرُ مِن كلِّ أحدٍ منهمُ الخيانةُ في الْمُبايعةِ
والْمُواعدةِ والْمُعاهَدةِ، فَيُقالُ مِن قِلَّةِ الأمانةِ: إنَّ في بني فلانٍ
رجلًا أمينًا، أي: كاملَ الإيمانِ وكاملَ الأمانةِ، ويقالُ في ذلك الزَّمانِ
لِلرَّجلِ، أي: مِن أربابِ الدُّنيا ممَّنْ له عقْلٌ في تَحصيلِ المالِ والجاهِ:
ما أعقلَه! وما أظرفَه! وما أجلدَه! وما في قلبِه مثقالُ حبَّةٍ مِن خردلٍ مِنَ
الإيمانِ، أي: الشَّيءُ القليلُ مِنَ الإيمانِ.
ثم أخْبَر حُذيفةُ بوقوعِ ذلِك، وأنَّه أتَى عليه زَمانٌ وما يُبالي أيَّ: الناسِ بايَع، أي: عامَلَ بيعًا وشِراءً؛ لوجودِ الأمانةِ؛ لأنَّه لو كان مُسلمًا سَيرُدُّه علىَّ الإسلامُ، أي: سيَمنعُه دِينُه من الخِيانَةِ ويَحملُه على أَدَاءِ الأمانَةِ، وإنْ كان نصرانيًّا- ومِثلُه اليهوديُّ - ردَّه علىَّ ساعيُه، أي: سيقوم عَلَيْهِ الوالي بالأمانةِ فِي ولَأيَتِه فيُنصِفُني ويَستخرجُ حَقِّي مِنْهُ، فأمَّا اليوم: فما كنتُ أبايع إلَّا فلانًا وفلانًا، إشارةً منه إلى أنَّ الأمانةَ قدْ ذهبَتْ من الناسِ؛ فلا يُؤتمَن على البيعِ والشِّراءِ إلَّا القليلُ؛ لعدمِ الأمانةِ.
ثم أخْبَر حُذيفةُ بوقوعِ ذلِك، وأنَّه أتَى عليه زَمانٌ وما يُبالي أيَّ: الناسِ بايَع، أي: عامَلَ بيعًا وشِراءً؛ لوجودِ الأمانةِ؛ لأنَّه لو كان مُسلمًا سَيرُدُّه علىَّ الإسلامُ، أي: سيَمنعُه دِينُه من الخِيانَةِ ويَحملُه على أَدَاءِ الأمانَةِ، وإنْ كان نصرانيًّا- ومِثلُه اليهوديُّ - ردَّه علىَّ ساعيُه، أي: سيقوم عَلَيْهِ الوالي بالأمانةِ فِي ولَأيَتِه فيُنصِفُني ويَستخرجُ حَقِّي مِنْهُ، فأمَّا اليوم: فما كنتُ أبايع إلَّا فلانًا وفلانًا، إشارةً منه إلى أنَّ الأمانةَ قدْ ذهبَتْ من الناسِ؛ فلا يُؤتمَن على البيعِ والشِّراءِ إلَّا القليلُ؛ لعدمِ الأمانةِ.
وفي
الحديثِ: عَلَمٌ مِن أعلامِ نُبوَّتِه؛ حيث أخْبَر بما وقَعَ.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال
Reviewed by احمد خليل
on
1:49:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: