شرح حديث / بادروا بالأعمال فتنا
باب
المبادرة إلى الخيرات
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / بادروا بالأعمال فتنا
أحاديث رياض الصالحين
باب
المبادرة إلى الخيرات الحديث رقم 88
عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ
قال: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح
الرجل مؤمنا ويمسي كافراً ويمسي مؤمنا ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)
رواه مسلم.
الشرح
قال
المؤلف- رحمه الله -فيما رواه عن أبي هريرة- رضي الله عنه -أن النبي ﷺ قال: (بادروا بالأعمال) وبادروا: يعني أسرعوا إليها؛
والمراد الأعمال الصالحة؛ والعمل الصالح ما بني على أمرين: الإخلاص لله، والمتابعة
لرسول الله ﷺ،
وهذا تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، فالعمل الذي ليس بخالص
ليس بصالح، لو قام الإنسان يصلي؛ ولكنه يرائي الناس بصلاته، فإن عمله لا يقبل؛ حتى
لو أتى بشروط الصلاة، وأركانها، وواجباتها، وسننها، وطمأنينتها، وأصلحها إصلاحًا
تامًا في الظاهر، لكنها لا تقبل منه، لأنها خالطها الشرك، والذي يشرك بالله معه
غيره لا يقبل الله عمله، كما في الحديث الصحيح؛ عن أبي هريرة- رضي الله عنه -أن
النبي ﷺ
قال: قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك)
يعني إذا أحد شاركني؛ فأنا غني عن شركه، (من عمل
عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
كذلك
أيضًا: لو أن الإنسان أخلص في عمله، لكنه أتى ببدعة ما شرعها الرسول عليه الصلاة
والسلام؛ فإن عمله لا يقبل حتى لو كان مخلصًا، حتى لو كان يبكي من الخشوع، فإنه لا
ينفعه ذلك؛ لأن البدعة وصفها النبي ﷺ بأنها ضلالة، فقال: (فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
ثم
قال: (فتنًا كقطع الليل المظلم) أخبر أنه
ستوجد فتن كقطع الليل المظلم- نعوذ بالله -يعني أنها مدلهمة مظلمة؛ لا يرى فيها
النور والعياذ بالله، ولا يدري الإنسان أين يذهب؛ يكون حائرًا، ما يدري أين
المخرج، أسأل الله أن يعيذنا من الفتن.
والفتن
منها ما يكون من الشبهات، ومنها ما يكون من الشهوات، ففتن الشبهات: كل فتنة مبنية
على الجهل، ومن ذلك ما حصل من أهل البدع الذين ابتدعوا في عقائدهم ما ليس من شريعة
الله، أو أهل البدع الذين ابتدعوا في أقوالهم وأفعالهم ما ليس من شريعة الله، فإن
الإنسان قد يفتن- والعياذ بالله -فيضل عن الحق بسبب الشبهة.
ومن
ذلك أيضًا: ما يحصل في المعاملات من الأمور المشتبهة التي هي واضحة في قلب الموقن،
مشتبهة في قلب الضال والعياذ بالله، تجده يتعامل معاملة تبين أنها محرمة، لكن لما
على قلبه من رين الذنوب- نسأل الله العافية -يشتبه عليه الأمر، فيزين له سوء عمله،
ويظنه حسنًا، وقد قال الله في هؤلاء: ﴿قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا ً﴾
[الكهف: 103-104]، فهؤلاء هم
الأخسرون والعياذ بالله.
وتكون
الفتن أيضًا من الشهوات، بمعنى أن الإنسان يعرف أن هذا حرام، ولكن لأن نفسه تدعوه
إليه فلا يبالي النبي ﷺ
بل يفعل الحرام، ويعلم أن هذا واجب، لكن نفسه تدعوه للكسل فيترك هذا الواجب، هذه
فتنة شهوة، يعني فتنة إرادة، ومن ذلك أيضًا- بل من أعظم ما يكون -فتنة شهوة الزنا
أو اللواط والعياذ بالله، وهذه من أضر ما يكون على هذه الأمة، قال النبي عليه
الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال
من النساء) وقال: (اتقوا النساء، فإن أول فتنة
بني إسرائيل كانت في النساء)، ولدينا الآن وفي مجتمعنا من يدعو إلى هذه
الرذيلة- والعياذ بالله -بأساليب ملتوية، يلتوون فيها بأسماء لا تمت إلى ما يقولون
بصلة، لكنها وسيلة إلى ما يريدون؛ من تهتك لستر المرأة، وخروجها من بيتها لتشارك
الرجل في أعماله، ويحصل بذلك الشر والبلاء، ولكن نسأل الله أن يجعل كيدهم في
نحورهم، وأن يسلط حكامنا عليهم؛ بإبعادهم عن كل ما يكون سببًا للشر والفساد في هذه
البلاد، ونسأل الله- سبحانه وتعالى -أن يوفق لحكامنا بطانة صالحة؛ تدلهم على
الخير، وتحثهم عليه.
إن
فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وهي أعظم فتنة، وهناك أناس الآن يحيكون كل حياكة
من أجل أن يهدروا كرامة المرأة، من أجل أن يجعلوها كالصورة، كالدمى، مجرد شهوة
وزهرة يتمتع بها الفساق والسفلاء من الناس، ينظرون إلى وجهها كل حين وكل ساعة-
والعياذ بالله -، ولكن بحول الله أن دعاء المسلمين سوف يحيط بهم، وسوف يكبتهم
ويردهم على أعقابهم خائبين، وسوف تكون المرأة السعودية- بل المرأة في كل مكان من
بلاد الإسلام -محترمة مصونة، حيث وضعها الله عز وجل.
المهم
أن الرسول- عليه الصلاة والسلام -حذرنا من هذه الفتن التي هي كقطع الليل المظلم،
يصبح الإنسان مؤمنًا ويمسي كافرًا، والعياذ بالله. يوم واحد يرتد عن الإسلام، يخرج
من الدين، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا. نسأل الله العافية. لماذا؟ (يبيع دينه بعرض من الدنيا) ولا تظن أن العرض من
الدنيا هو المال، كل متاع الدنيا عرض، سواء مال، أو جاه أو رئاسة، أو نساء، أو غير
ذلك، كل ما في الدنيا من متاع فإنه عرض، كما قال تعالى: ﴿تَبْتَغُونَ
عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ [النساء:
94] فما في الدنيا كله عرض.
فهؤلاء
الذين يصبحون مؤمنين ويمسون كفارًا، أو يمسون مؤمنين ويصبحون كفارًا، كلهم يبيعون
دينهم بعرض من الدنيا، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الفتن. واستعيذوا دائمًا يا
أخواني من الفتن، وما أعظم ما أمرنا به نبينا عليه الصلاة والسلام، حيث قال: (إذا تشهد أحدكم- يعني التشهد الأخير -فليستعذ بالله من
أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا
والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال) نسأل الله أن يثيبنا وإياكم بالقول
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
شرح حديث / بادروا بالأعمال فتنا
Reviewed by احمد خليل
on
11:50:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: