شرح الحديث القدسي ان رحمتي سبقت غضبى
شرح أبو عبد الرحمن عصام الدين
الصبابطى
الحديث القدسي الصحيح
ان رحمتي سبقت غضبى.......وشرحه على مدونة فذكر
عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن
رحمتي غلبت غضبي) متفق علية
شرح
الحديث
أخرجه
مسلم في التوبة باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه رقم 2751. (قضى) خلقه
وأحكمه وأمضاه وفرغ منه. (كتب في كتابه) أمر القلم أن يكتب في اللوح
المحفوظ. (فهو عنده) أي الكتاب. (إن رحمتي غلبت غضبي) أي تعلق
رحمتي سابق وغالب تعلق غضبي أو المراد إن رحمتي أكثر من غضبي لأنها وسعت كل شيء.
والمراد بالرحمة إرادة الثواب وبالغضب إرادة العقاب أو المراد بهما لازمهما
فالمراد بالرحمة الثواب والإحسان وبالغضب الانتقام والعقاب
درجة
الحديث:
[3194] قَوْلُهُ
لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ أَيْ خَلَقَ الْخَلْقَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ أَوِ الْمُرَادُ أَوْجَدَ جِنْسَهُ وَقَضَى
يُطْلَقُ بِمَعْنَى حَكَمَ وَأَتْقَنَ وَفَرَغَ وَأَمْضَى قَوْلُهُ كَتَبَ فِي
كِتَابِهِ أَيْ أَمَرَ الْقَلَمَ أَنْ يَكْتُبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَرِيبًا فَقَالَ لِلْقَلَمِ
اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ
بِالْكِتَابِ اللَّفْظُ الَّذِي قَضَاهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كَتَبَ
اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي قَوْلُهُ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ
قِيلَ مَعْنَاهُ دُونَ الْعَرْشِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى بَعُوضَةً فَمَا
فَوْقَهَا وَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ اسْتِبْعَادُ أَنْ يَكُونَ
شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فَوْقَ الْعَرْشِ وَلَا مَحْذُورَ فِي إِجْرَاءِ
ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْعَرْشَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ أَيْ ذِكْرُهُ
أَوْ عِلْمُهُ فَلَا تَكُونُ الْعِنْدِيَّةُ مَكَانِيَّةٌ بَلْ هِيَ إِشَارَةٌ
إِلَى كَمَالِ كَوْنِهِ مَخْفِيًّا عَنِ الْخَلْقِ مَرْفُوعًا عَنْ حَيِّزِ
إِدْرَاكِهِمْ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظَ
فَوْقَ زَائِدٌ كقوله فان كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ وَالْمُرَادُ اثْنَتَانِ
فَصَاعِدًا وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّ مَحَلَّ دَعْوَى
الزِّيَادَةِ مَا إِذَا بَقِيَ الْكَلَامُ مُسْتَقِيمًا مَعَ حَذْفِهَا كَمَا فِي
الْآيَةِ.
وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَعَ الْحَذْفِ فَهُوَ عِنْدَهُ الْعَرْشُ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ قَوْلُهُ إِنَّ رَحْمَتِي بِفَتْحِ إِنَّ عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ كَتَبَ وَبِكَسْرِهَا عَلَى حِكَايَةِ مَضْمُونِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ غَلَبَتْ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فِي التَّوْحِيدِ سَبَقَتْ بَدَلَ غَلَبَتْ وَالْمُرَادُ مِنَ الْغَضَبِ لَازِمُهُ وَهُوَ إِرَادَةُ إِيصَالِ الْعَذَابِ إِلَى مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الْغَضَبُ لِأَنَّ السَّبْقَ وَالْغَلَبَةَ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ أَيْ تَعَلُّقِ الرَّحْمَةِ غَالِبٌ سَابِقٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْغَضَبِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُقْتَضَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ.
وَأَمَّا الْغَضَبُ فَإِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى سَابِقَةِ عَمَلٍ مِنَ الْعَبْدِ الْحَادِثِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ مَنْ أَوْرَدَ وُقُوعَ الْعَذَابِ قَبْلَ الرَّحْمَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ كَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَى الْغَلَبَةِ الْكَثْرَةُ وَالشُّمُولُ تَقُولُ غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ أَيْ أَكْثَرُ أَفْعَالِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ وَالْغَضَبَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الرَّحْمَةُ وَالْغَضَبُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَقَدُّمِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ عَلَى بَعْضٍ فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ بِالرَّحْمَةِ إِلَى إِسْكَانِ آدَمَ الْجَنَّةَ أَوَّلَ مَا خُلِقَ مَثَلًا وَمُقَابِلُهَا مَا وَقَعَ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنْهَا وَعَلَى ذَلِكَ اسْتَمَرَّتْ أَحْوَالُ الْأُمَمِ بِتَقْدِيمِ الرَّحْمَةِ فِي خَلْقِهِمْ بِالتَّوَسُّعِ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يَقَعُ بِهِمُ الْعَذَابُ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَأَمَّا مَا أَشْكَلَ مِنْ أَمْرِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ فَالرَّحْمَةُ سَابِقَةٌ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا وَلَوْلَا وُجُودُهَا لَخُلِّدُوا أَبَدًا.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي سَبْقِ الرَّحْمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قِسْطَ الْخَلْقِ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِمْ مِنَ الْغَضَبِ وَأَنَّهَا تَنَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَأَنَّ الْغَضَبَ لَا يَنَالُهُمْ إِلَّا بِاسْتِحْقَاقٍ فَالرَّحْمَةُ تَشْمَلُ الشَّخْصَ جَنِينًا وَرَضِيعًا وَفَطِيمًا وَنَاشِئًا قَبْلَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّاعَةِ وَلَا يَلْحَقُهُ الْغَضَبُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوب مَا يسْتَحق مَعَه ذَلِك( قَوْلُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ أَوْ فِي بَيَانِ وَضْعِهَا) قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ الْآيَةَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَرَضِينَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِثْلُ السَّمَاوَاتِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّة وَأَن السَّبع متجاورة وَحكى بن التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَرْضَ وَاحِدَةٌ قَالَ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
قُلْتُ لَعَلَّهُ الْقَوْلُ بِالتَّجَاوُرِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ صَرِيحًا فِي الْمُخَالَفَةِ وَيَدُلُّ لِلْقَوْلِ الظَّاهِر مَا رَوَاهُ بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ قَالَ فِي كُلِّ أَرْضٍ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ وَنَحْوُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُطَوَّلًا وَأَوَّلَهُ أَيْ سَبْعَ أَرَضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ آدَمُ كآدامكم وَنُوحٌ كَنُوحِكُمْ وَإِبْرَاهِيمُ كإبراهيميكم وَعِيسَى كَعِيسَى وَنَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيح إِلَّا أَنه شَاذ بِمرَّة وروى بن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عَبَّاس قَالَ لَو حدثتكم بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَكَفَرْتُمْ وَكُفْرُكُمْ تَكْذِيبُكُمْ بِهَا وَمن طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَزَادَ وَهُنَّ مَكْتُوبَاتٌ بَعْضُهُنَّ عَلَى بَعْضٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَرُدُّ أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْهَيْئَةِ قَوْلَهُمْ أَنْ لَا مَسَافَةَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ وَإِنْ كَانَتْ فَوْقَهَا وَأَنَّ السَّابِعَةَ صَمَّاءُ لَا جَوْفَ لَهَا وَفِي وَسَطِهَا الْمَرْكَزُ وَهِيَ نُقْطَةٌ مُقَدَّرَةٌ مُتَوَهَّمَةٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَأَنَّ سُمْكَ كُلِّ سَمَاءٍ كَذَلِكَ وَأَنَّ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ نَحْوَهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَرْفُوعًا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَجُمِعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ بُطْءِ السَّيْرِ وَسُرْعَتِهِ قَوْلُهُ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ السَّمَاءُ هُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِد أخرجه عبد بن حميد وبن أبي حَاتِم وَغَيرهمَا من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ نَحْوَهُ وَسَيَأْتِي عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ فِي بَابِ الْمَلَائِكَةِ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِفان كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ وَالْمُرَادُ اثْنَتَانِ فَصَاعِدًا وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّ مَحَلَّ دَعْوَى الزِّيَادَةِ مَا إِذَا بَقِيَ الْكَلَامُ مُسْتَقِيمًا مَعَ حَذْفِهَا كَمَا فِي الْآيَةِ.
وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَعَ الْحَذْفِ فَهُوَ عِنْدَهُ الْعَرْشُ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ قَوْلُهُ إِنَّ رَحْمَتِي بِفَتْحِ إِنَّ عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ كَتَبَ وَبِكَسْرِهَا عَلَى حِكَايَةِ مَضْمُونِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ غَلَبَتْ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فِي التَّوْحِيدِ سَبَقَتْ بَدَلَ غَلَبَتْ وَالْمُرَادُ مِنَ الْغَضَبِ لَازِمُهُ وَهُوَ إِرَادَةُ إِيصَالِ الْعَذَابِ إِلَى مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الْغَضَبُ لِأَنَّ السَّبْقَ وَالْغَلَبَةَ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ أَيْ تَعَلُّقِ الرَّحْمَةِ غَالِبٌ سَابِقٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْغَضَبِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُقْتَضَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ.
وَأَمَّا الْغَضَبُ فَإِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى سَابِقَةِ عَمَلٍ مِنَ الْعَبْدِ الْحَادِثِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ مَنْ أَوْرَدَ وُقُوعَ الْعَذَابِ قَبْلَ الرَّحْمَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ كَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَى الْغَلَبَةِ الْكَثْرَةُ وَالشُّمُولُ تَقُولُ غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ أَيْ أَكْثَرُ أَفْعَالِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ وَالْغَضَبَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الرَّحْمَةُ وَالْغَضَبُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَقَدُّمِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ عَلَى بَعْضٍ فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ بِالرَّحْمَةِ إِلَى إِسْكَانِ آدَمَ الْجَنَّةَ أَوَّلَ مَا خُلِقَ مَثَلًا وَمُقَابِلُهَا مَا وَقَعَ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنْهَا وَعَلَى ذَلِكَ اسْتَمَرَّتْ أَحْوَالُ الْأُمَمِ بِتَقْدِيمِ الرَّحْمَةِ فِي خَلْقِهِمْ بِالتَّوَسُّعِ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يَقَعُ بِهِمُ الْعَذَابُ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَأَمَّا مَا أَشْكَلَ مِنْ أَمْرِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ فَالرَّحْمَةُ سَابِقَةٌ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا وَلَوْلَا وُجُودُهَا لَخُلِّدُوا أَبَدًا.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي سَبْقِ الرَّحْمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قِسْطَ الْخَلْقِ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِمْ مِنَ الْغَضَبِ وَأَنَّهَا تَنَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَأَنَّ الْغَضَبَ لَا يَنَالُهُمْ إِلَّا بِاسْتِحْقَاقٍ فَالرَّحْمَةُ تَشْمَلُ الشَّخْصَ جَنِينًا وَرَضِيعًا وَفَطِيمًا وَنَاشِئًا قَبْلَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّاعَةِ وَلَا يَلْحَقُهُ الْغَضَبُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوب مَا يسْتَحق مَعَه ذَلِك( قَوْلُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ أَوْ فِي بَيَانِ وَضْعِهَا) قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ الْآيَةَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَرَضِينَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِثْلُ السَّمَاوَاتِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّة وَأَن السَّبع متجاورة وَحكى بن التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَرْضَ وَاحِدَةٌ قَالَ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
قُلْتُ لَعَلَّهُ الْقَوْلُ بِالتَّجَاوُرِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ صَرِيحًا فِي الْمُخَالَفَةِ وَيَدُلُّ لِلْقَوْلِ الظَّاهِر مَا رَوَاهُ بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ قَالَ فِي كُلِّ أَرْضٍ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ وَنَحْوُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُطَوَّلًا وَأَوَّلَهُ أَيْ سَبْعَ أَرَضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ آدَمُ كآدامكم وَنُوحٌ كَنُوحِكُمْ وَإِبْرَاهِيمُ كإبراهيميكم وَعِيسَى كَعِيسَى وَنَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيح إِلَّا أَنه شَاذ بِمرَّة وروى بن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عَبَّاس قَالَ لَو حدثتكم بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَكَفَرْتُمْ وَكُفْرُكُمْ تَكْذِيبُكُمْ بِهَا وَمن طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَزَادَ وَهُنَّ مَكْتُوبَاتٌ بَعْضُهُنَّ عَلَى بَعْضٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَرُدُّ أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْهَيْئَةِ قَوْلَهُمْ أَنْ لَا مَسَافَةَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ وَإِنْ كَانَتْ فَوْقَهَا وَأَنَّ السَّابِعَةَ صَمَّاءُ لَا جَوْفَ لَهَا وَفِي وَسَطِهَا الْمَرْكَزُ وَهِيَ نُقْطَةٌ مُقَدَّرَةٌ مُتَوَهَّمَةٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَأَنَّ سُمْكَ كُلِّ سَمَاءٍ كَذَلِكَ وَأَنَّ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ نَحْوَهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَرْفُوعًا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَجُمِعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ بُطْءِ السَّيْرِ وَسُرْعَتِهِ قَوْلُهُ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ السَّمَاءُ هُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِد أخرجه عبد بن حميد وبن أبي حَاتِم وَغَيرهمَا من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ نَحْوَهُ وَسَيَأْتِي عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ فِي بَابِ الْمَلَائِكَةِ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِخَبَرِ الصَّادِقِ وَكَانَ السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ حَتَّى يَدْخُلَ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ بِجَمِيعِ أَحْوَالِ الْمَخْلُوقَاتِ مُنْذُ ابْتُدِئَتْ إِلَى أَنْ تَفْنَى إِلَى أَنْ تُبْعَثَ فَشَمِلَ ذَلِكَ الْإِخْبَارَ عَنِ الْمَبْدَإِ وَالْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَفِي تَيْسِيرِ إِيرَادِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَةِ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَيَقْرَبُ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ مُعْجِزَاتِهِ لَا مِرْيَةَ فِي كَثْرَتِهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَمِثْلُ هَذَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ مِثْلَهُ فِي أَهْلِ النَّارِ.
وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَقَالَ بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا ثُمَّ قَالَ فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ تَيْسِيرُ الْقَوْلِ الْكَثِيرِ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ وَهَذَا فِيهِ تَيْسِيرُ الْجُرْمِ الْوَاسِعِ فِي الظَّرْفِ الضَّيِّقِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَنَبَذَهُمَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ أَنَّهُمَا كَانَا مَرْئِيَّيْنِ لَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِحَدِيثِ الْبَابِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَدَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ كَذَلِكَ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ فَحَدَّثَنَا بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا لَفْظُ أَحْمَدَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ مُطَوَّلًا وَتَرْجَمَ لَهُ بَابُ مَا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ سَاقَهُ بِلَفْظِ صَلَّى بِنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلَاةَ الْعَصْرِ ثُمَّ قَامَ يُحَدِّثُنَا فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا أَخْبَرَنَا بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي زَيْدِ بْنِ أَخْطَبَ وَأَبِي مَرْيَمَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ انْتَهَى وَلَمْ يَقَعْ لَهُ حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثُ الْبَابِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ وَأَفَادَ حَدِيثُ أَبِي زَيْدٍ بَيَانَ الْمَقَامِ الْمَذْكُورِ زَمَانًا وَمَكَانًا فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثَالِثُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مِنَ الْإِلَهِيَّاتِ
والحمد لله رب العالمينوَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَعَ الْحَذْفِ فَهُوَ عِنْدَهُ الْعَرْشُ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ قَوْلُهُ إِنَّ رَحْمَتِي بِفَتْحِ إِنَّ عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ كَتَبَ وَبِكَسْرِهَا عَلَى حِكَايَةِ مَضْمُونِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ غَلَبَتْ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فِي التَّوْحِيدِ سَبَقَتْ بَدَلَ غَلَبَتْ وَالْمُرَادُ مِنَ الْغَضَبِ لَازِمُهُ وَهُوَ إِرَادَةُ إِيصَالِ الْعَذَابِ إِلَى مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الْغَضَبُ لِأَنَّ السَّبْقَ وَالْغَلَبَةَ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ أَيْ تَعَلُّقِ الرَّحْمَةِ غَالِبٌ سَابِقٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْغَضَبِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُقْتَضَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ.
وَأَمَّا الْغَضَبُ فَإِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى سَابِقَةِ عَمَلٍ مِنَ الْعَبْدِ الْحَادِثِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ مَنْ أَوْرَدَ وُقُوعَ الْعَذَابِ قَبْلَ الرَّحْمَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ كَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَى الْغَلَبَةِ الْكَثْرَةُ وَالشُّمُولُ تَقُولُ غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ أَيْ أَكْثَرُ أَفْعَالِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ وَالْغَضَبَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الرَّحْمَةُ وَالْغَضَبُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَقَدُّمِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ عَلَى بَعْضٍ فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ بِالرَّحْمَةِ إِلَى إِسْكَانِ آدَمَ الْجَنَّةَ أَوَّلَ مَا خُلِقَ مَثَلًا وَمُقَابِلُهَا مَا وَقَعَ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنْهَا وَعَلَى ذَلِكَ اسْتَمَرَّتْ أَحْوَالُ الْأُمَمِ بِتَقْدِيمِ الرَّحْمَةِ فِي خَلْقِهِمْ بِالتَّوَسُّعِ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يَقَعُ بِهِمُ الْعَذَابُ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَأَمَّا مَا أَشْكَلَ مِنْ أَمْرِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ فَالرَّحْمَةُ سَابِقَةٌ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا وَلَوْلَا وُجُودُهَا لَخُلِّدُوا أَبَدًا.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي سَبْقِ الرَّحْمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قِسْطَ الْخَلْقِ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِمْ مِنَ الْغَضَبِ وَأَنَّهَا تَنَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَأَنَّ الْغَضَبَ لَا يَنَالُهُمْ إِلَّا بِاسْتِحْقَاقٍ فَالرَّحْمَةُ تَشْمَلُ الشَّخْصَ جَنِينًا وَرَضِيعًا وَفَطِيمًا وَنَاشِئًا قَبْلَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّاعَةِ وَلَا يَلْحَقُهُ الْغَضَبُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوب مَا يسْتَحق مَعَه ذَلِك( قَوْلُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ أَوْ فِي بَيَانِ وَضْعِهَا) قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ الْآيَةَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَرَضِينَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِثْلُ السَّمَاوَاتِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّة وَأَن السَّبع متجاورة وَحكى بن التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَرْضَ وَاحِدَةٌ قَالَ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
قُلْتُ لَعَلَّهُ الْقَوْلُ بِالتَّجَاوُرِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ صَرِيحًا فِي الْمُخَالَفَةِ وَيَدُلُّ لِلْقَوْلِ الظَّاهِر مَا رَوَاهُ بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ قَالَ فِي كُلِّ أَرْضٍ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ وَنَحْوُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُطَوَّلًا وَأَوَّلَهُ أَيْ سَبْعَ أَرَضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ آدَمُ كآدامكم وَنُوحٌ كَنُوحِكُمْ وَإِبْرَاهِيمُ كإبراهيميكم وَعِيسَى كَعِيسَى وَنَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيح إِلَّا أَنه شَاذ بِمرَّة وروى بن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عَبَّاس قَالَ لَو حدثتكم بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَكَفَرْتُمْ وَكُفْرُكُمْ تَكْذِيبُكُمْ بِهَا وَمن طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَزَادَ وَهُنَّ مَكْتُوبَاتٌ بَعْضُهُنَّ عَلَى بَعْضٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَرُدُّ أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْهَيْئَةِ قَوْلَهُمْ أَنْ لَا مَسَافَةَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ وَإِنْ كَانَتْ فَوْقَهَا وَأَنَّ السَّابِعَةَ صَمَّاءُ لَا جَوْفَ لَهَا وَفِي وَسَطِهَا الْمَرْكَزُ وَهِيَ نُقْطَةٌ مُقَدَّرَةٌ مُتَوَهَّمَةٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَأَنَّ سُمْكَ كُلِّ سَمَاءٍ كَذَلِكَ وَأَنَّ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ نَحْوَهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَرْفُوعًا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَجُمِعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ بُطْءِ السَّيْرِ وَسُرْعَتِهِ قَوْلُهُ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ السَّمَاءُ هُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِد أخرجه عبد بن حميد وبن أبي حَاتِم وَغَيرهمَا من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ نَحْوَهُ وَسَيَأْتِي عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ فِي بَابِ الْمَلَائِكَةِ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِفان كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ وَالْمُرَادُ اثْنَتَانِ فَصَاعِدًا وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّ مَحَلَّ دَعْوَى الزِّيَادَةِ مَا إِذَا بَقِيَ الْكَلَامُ مُسْتَقِيمًا مَعَ حَذْفِهَا كَمَا فِي الْآيَةِ.
وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَعَ الْحَذْفِ فَهُوَ عِنْدَهُ الْعَرْشُ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ قَوْلُهُ إِنَّ رَحْمَتِي بِفَتْحِ إِنَّ عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ كَتَبَ وَبِكَسْرِهَا عَلَى حِكَايَةِ مَضْمُونِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ غَلَبَتْ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فِي التَّوْحِيدِ سَبَقَتْ بَدَلَ غَلَبَتْ وَالْمُرَادُ مِنَ الْغَضَبِ لَازِمُهُ وَهُوَ إِرَادَةُ إِيصَالِ الْعَذَابِ إِلَى مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الْغَضَبُ لِأَنَّ السَّبْقَ وَالْغَلَبَةَ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ أَيْ تَعَلُّقِ الرَّحْمَةِ غَالِبٌ سَابِقٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْغَضَبِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُقْتَضَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ.
وَأَمَّا الْغَضَبُ فَإِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى سَابِقَةِ عَمَلٍ مِنَ الْعَبْدِ الْحَادِثِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ مَنْ أَوْرَدَ وُقُوعَ الْعَذَابِ قَبْلَ الرَّحْمَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ كَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَى الْغَلَبَةِ الْكَثْرَةُ وَالشُّمُولُ تَقُولُ غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ أَيْ أَكْثَرُ أَفْعَالِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ وَالْغَضَبَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الرَّحْمَةُ وَالْغَضَبُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَقَدُّمِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ عَلَى بَعْضٍ فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ بِالرَّحْمَةِ إِلَى إِسْكَانِ آدَمَ الْجَنَّةَ أَوَّلَ مَا خُلِقَ مَثَلًا وَمُقَابِلُهَا مَا وَقَعَ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنْهَا وَعَلَى ذَلِكَ اسْتَمَرَّتْ أَحْوَالُ الْأُمَمِ بِتَقْدِيمِ الرَّحْمَةِ فِي خَلْقِهِمْ بِالتَّوَسُّعِ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يَقَعُ بِهِمُ الْعَذَابُ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَأَمَّا مَا أَشْكَلَ مِنْ أَمْرِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ فَالرَّحْمَةُ سَابِقَةٌ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا وَلَوْلَا وُجُودُهَا لَخُلِّدُوا أَبَدًا.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي سَبْقِ الرَّحْمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قِسْطَ الْخَلْقِ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِمْ مِنَ الْغَضَبِ وَأَنَّهَا تَنَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَأَنَّ الْغَضَبَ لَا يَنَالُهُمْ إِلَّا بِاسْتِحْقَاقٍ فَالرَّحْمَةُ تَشْمَلُ الشَّخْصَ جَنِينًا وَرَضِيعًا وَفَطِيمًا وَنَاشِئًا قَبْلَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّاعَةِ وَلَا يَلْحَقُهُ الْغَضَبُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوب مَا يسْتَحق مَعَه ذَلِك( قَوْلُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ أَوْ فِي بَيَانِ وَضْعِهَا) قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ الْآيَةَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَرَضِينَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِثْلُ السَّمَاوَاتِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّة وَأَن السَّبع متجاورة وَحكى بن التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَرْضَ وَاحِدَةٌ قَالَ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
قُلْتُ لَعَلَّهُ الْقَوْلُ بِالتَّجَاوُرِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ صَرِيحًا فِي الْمُخَالَفَةِ وَيَدُلُّ لِلْقَوْلِ الظَّاهِر مَا رَوَاهُ بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ قَالَ فِي كُلِّ أَرْضٍ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ وَنَحْوُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُطَوَّلًا وَأَوَّلَهُ أَيْ سَبْعَ أَرَضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ آدَمُ كآدامكم وَنُوحٌ كَنُوحِكُمْ وَإِبْرَاهِيمُ كإبراهيميكم وَعِيسَى كَعِيسَى وَنَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيح إِلَّا أَنه شَاذ بِمرَّة وروى بن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عَبَّاس قَالَ لَو حدثتكم بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَكَفَرْتُمْ وَكُفْرُكُمْ تَكْذِيبُكُمْ بِهَا وَمن طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَزَادَ وَهُنَّ مَكْتُوبَاتٌ بَعْضُهُنَّ عَلَى بَعْضٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَرُدُّ أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْهَيْئَةِ قَوْلَهُمْ أَنْ لَا مَسَافَةَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ وَإِنْ كَانَتْ فَوْقَهَا وَأَنَّ السَّابِعَةَ صَمَّاءُ لَا جَوْفَ لَهَا وَفِي وَسَطِهَا الْمَرْكَزُ وَهِيَ نُقْطَةٌ مُقَدَّرَةٌ مُتَوَهَّمَةٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَأَنَّ سُمْكَ كُلِّ سَمَاءٍ كَذَلِكَ وَأَنَّ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ نَحْوَهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَرْفُوعًا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَجُمِعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ بُطْءِ السَّيْرِ وَسُرْعَتِهِ قَوْلُهُ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ السَّمَاءُ هُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِد أخرجه عبد بن حميد وبن أبي حَاتِم وَغَيرهمَا من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ نَحْوَهُ وَسَيَأْتِي عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ فِي بَابِ الْمَلَائِكَةِ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِخَبَرِ الصَّادِقِ وَكَانَ السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ حَتَّى يَدْخُلَ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ بِجَمِيعِ أَحْوَالِ الْمَخْلُوقَاتِ مُنْذُ ابْتُدِئَتْ إِلَى أَنْ تَفْنَى إِلَى أَنْ تُبْعَثَ فَشَمِلَ ذَلِكَ الْإِخْبَارَ عَنِ الْمَبْدَإِ وَالْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَفِي تَيْسِيرِ إِيرَادِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَةِ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَيَقْرَبُ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ مُعْجِزَاتِهِ لَا مِرْيَةَ فِي كَثْرَتِهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَمِثْلُ هَذَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ مِثْلَهُ فِي أَهْلِ النَّارِ.
وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَقَالَ بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا ثُمَّ قَالَ فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ تَيْسِيرُ الْقَوْلِ الْكَثِيرِ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ وَهَذَا فِيهِ تَيْسِيرُ الْجُرْمِ الْوَاسِعِ فِي الظَّرْفِ الضَّيِّقِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَنَبَذَهُمَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ أَنَّهُمَا كَانَا مَرْئِيَّيْنِ لَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِحَدِيثِ الْبَابِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَدَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ كَذَلِكَ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ فَحَدَّثَنَا بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا لَفْظُ أَحْمَدَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ مُطَوَّلًا وَتَرْجَمَ لَهُ بَابُ مَا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ سَاقَهُ بِلَفْظِ صَلَّى بِنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلَاةَ الْعَصْرِ ثُمَّ قَامَ يُحَدِّثُنَا فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا أَخْبَرَنَا بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي زَيْدِ بْنِ أَخْطَبَ وَأَبِي مَرْيَمَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ انْتَهَى وَلَمْ يَقَعْ لَهُ حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثُ الْبَابِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ وَأَفَادَ حَدِيثُ أَبِي زَيْدٍ بَيَانَ الْمَقَامِ الْمَذْكُورِ زَمَانًا وَمَكَانًا فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثَالِثُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مِنَ الْإِلَهِيَّاتِ
الحمد لله رب العالمين
مدونة فذكر
|
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح الحديث القدسي ان رحمتي سبقت غضبى
Reviewed by احمد خليل
on
2:17:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: