باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة
فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر
العسقلاني
باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ
مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ بَابٌ:
أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ.
٦٧٨-
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ،
عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ
أَبِي مُوسَى، قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ ﷺ، فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ،
فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ
بِالنَّاسِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ
مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ»
فَعَادَتْ، فَقَالَ: «مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ
بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» فَأَتَاهُ الرَّسُولُ،
فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ.
الشرح:
قوله: (باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة) أي:
ممن ليس كذلك، ومقتضاه أن الأعلم والأفضل أحق من العالم والفاضل، وذكر الفضل بعد
العلم من العام بعد الخاص، وسيأتي الكلام على ترتيب الأئمة بعد بابين.
قوله: (حدثنا حسين) هو ابن علي الجعفي،
والإسناد سوى الراوي عنه كلهم كوفيون، وأبو بردة هو ابن أبي موسى، ووهم من زعم أنه
هنا أخوه.
قوله: (رقيق) أي: رقيق القلب.
قوله: (لم يستطع) أي: من البكاء.
قوله: (فأتاه الرسول) هو بلال.
قوله: (فصلى بالناس في حياة رسول الله ﷺ) أي: إلى أن مات، وكذا صرح
به موسى بن عقبة في المغازي.
٦٧٩-
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي مَرَضِهِ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» قَالَتْ
عَائِشَةُ: قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ
النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَقَالَتْ
عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي
مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ
لِلنَّاسِ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَهْ
إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ
لِلنَّاسِ» فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ
خَيْرًا.
الشرح:
قوله: (عن أبيه عن عائشة) كذا رواه جماعة عن
مالك موصولا، وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلا ليس فيه عائشة.
قوله: «مه» هي كلمة زجر بنيت على
السكون.
قوله: «فليصل بالناس»، في رواية الكشميهني
"للناس" وقد تقدم الكلام على فوائد هذين الحديثين في "باب حد
المريض أن يشهد الجماعة" والظاهر أن حديث أبي موسى من مراسيل الصحابة، ويحتمل
أن يكون تلقاه عن عائشة أو بلال.
٦٨٠- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
الأَنْصَارِيُّ -وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ ﷺ وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ-
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ،
حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَشَفَ
النَّبِيُّ ﷺ
سِتْرَ الحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ
مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الفَرَحِ
بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ،
فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ
النَّبِيَّ ﷺ
خَارِجٌ إِلَى الصَّلاَةِ. فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ
وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ.
الشرح:
حديث أنس من طريق الزهري سيأتي في الوفاة
من آخر المغازي.
٦٨١- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ ﷺ ثَلاَثًا، فَأُقِيمَتِ
الصَّلاَةُ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: بِالحِجَابِ فَرَفَعَهُ،
فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ ﷺ، مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا
كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ وَضَحَ لَنَا،
فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ ﷺ
بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى النَّبِيُّ ﷺ الحِجَابَ، فَلَمْ يُقْدَرْ
عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ.
الشرح:
قوله: (حدثنا أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو،
لا إسماعيل بن إبراهيم، وعبد العزيز هو ابن صهيب. والإسناد كله بصريون.
قوله: (ثلاثا) كان ابتداؤها من حين خرج النبي ﷺ
فصلى بهم قاعدا كما تقدم.
قوله: (فقال نبي الله ﷺ بالحجاب) هو من إجراء قال
مجرى فعل وهو كثير.
قوله: (ما رأينا) في رواية الكشميهني "ما
نظرنا" وقوله "فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم" ليس مخالفا لقوله
في أوله "فتقدم أبو بكر" بل في السياق حذف يظهر من رواية الزهري حيث قال
فيها "فنكص أبو بكر" والحاصل أنه تقدم ثم ظن أن النبي ﷺ خرج فتأخر، فأشار إليه حينئذ
أن يرجع إلى مكانه.
(فائدة): وقع في حديث ابن عباس في نحو هذه
القصة أنه ﷺ
قال لهم في تلك الحالة: "ألا وإني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا" الحديث،
أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن معبد عنه.
٦٨٢- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ فِي
الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ
فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ
رَقِيقٌ، إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ البُكَاءُ، قَالَ: «مُرُوهُ
فَيُصَلِّي» فَعَاوَدَتْهُ، قَالَ: «مُرُوهُ
فَيُصَلِّي، إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ،
وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الكَلْبِيُّ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ عُقَيْلٌ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
الشرح:
قوله: (عن حمزة بن عبد الله) أي: ابن عمر بن
الخطاب، وفي كلام ابن بطال ما يوهم أنه حمزة بن عمرو الأسلمي وهو خطأ.
قوله: (فعاودته) بفتح الدال وسكون المثناة، أي:
عائشة، وبسكون الدال وفتح النون، أي: هي ومن معها من النساء.
قوله: (تابعه الزبيدي) أي: تابع يونس بن يزيد،
ومتابعته هذه وصلها الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي
عنه موصولا مرفوعا، وزاد فيه قولها "فمر عمر" وقال فيه "فراجعته
عائشة". ومتابعة ابن أخي الزهري وصلها ابن عدي من رواية الدراوردي عنه،
ومتابعة إسحاق بن يحيى وصلها أبو بكر بن شاذان البغدادي في نسخة إسحاق بن يحيى في
رواية يحيى بن صالح عنه.
(تنبيه):
ظن بعضهم أن قوله "عن الزهري" أي: موقوفا عليه، وهو فاسد لما بيناه.
قوله: (وقال عقيل ومعمر إلخ) قال الكرماني:
الفرق بين رواية الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحاق بن يحيى وبين رواية عقيل ومعمر أن
الأولى متابعة والثانية مقاولة اهـ. ومراده بالمقاولة
الإتيان فيها بصيغة قال، وليس في اصطلاح المحدثين صيغة مقاولة وإنما السر في تركه
عطف رواية عقيل ومعمر على رواية يونس من تابعه أنهما أرسلا الحديث وأولئك وصلوه،
أي: أنهما خالفا يونس ومن تابعه فأرسلا الحديث، فأما رواية عقيل فوصلها الذهلي في الزهريات،
وأما معمر فاختلف عليه فرواه ابن المبارك عنه مرسلا كذلك أخرجه ابن سعد وأبو يعلى
من طريقه، ورواه عبد الرزاق عن معمر موصولا لكن قال "عن عائشة" بدل قوله
"عن أبيه" كذلك أخرجه مسلم، وكأنه رجح عنده لكون عائشة صاحبة القصة
ولقاء حمزة لها ممكنا، ورجح الأول عند البخاري؛ لأن المحفوظ في هذا عن الزهري من
حديث عائشة روايته لذلك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها، ومما يؤيده أن في
رواية عبد الرزاق عن معمر متصلا بالحديث المذكور أن عائشة قالت وقد عاودته، وما حملني
على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر الحديث.
وهذه الزيادة إنما تحفظ من رواية الزهري عن
عبيد الله عنها لا من رواية الزهري عن حمزة، وقد روى الإسماعيلي هذا الحديث عن
الحسن بن سفيان عن يحيى بن سليمان شيخ البخاري فيه مفصلا، فجعل أوله من رواية الزهري
عن حمزة عن أبيه بالقدر الذي أخرجه البخاري، وآخره من رواية الزهري عن عبيد الله
عنها، والله أعلم.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: