شرح الحديث القدسي / أنا عند ظن عبدي بي
شرح أبو عبد الرحمن عصام الدين الصبابطى
شرح
الحديث القدسي / أنا عند ظن عبدي بي
حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ -وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ-
قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،
وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي
نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٌ مِنْهُمْ،
وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ
تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي
أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». رواه البخاري، ومسلم.
الشرح:
حسن
الظن بالله تعالى عبادة قلبية جليلة، ولم يفهمها حق فهمها كثير من الناس، ونحن
نبيِّن معتقد أهل السنَّة والجماعة في هذه العبادة، ونبيِّن فهم السلف القولي
والعملي لها، فنقول:
إن
حسن الظن بالله تعالى، يعني: اعتقاد ما يليق بالله تعالى من أسماء وصفات وأفعال،
واعتقاد ما تقتضيه من آثار جليلة، كاعتقاد أن الله تعالى يرحم عباده المستحقين،
ويعفو عنهم إن هم تابوا وأنابوا، ويقبل منهم طاعاتهم وعبادتهم، واعتقاد أن له
تعالى الحِكَم الجليلة فيما قدَّره وقضاه.
ومن
ظنَّ أن حسن الظن بالله تعالى ليس معه عمل، فهو مخطئ ولم يفهم هذه العبادة على
وجهها الصحيح، ولا يكون حسن الظن مع ترك الواجبات، ولا مع فعل المعاصي، ومن ظنَّ
ذلك فقد وقع في الغرور، والرجاء المذموم، والإرجاء المبتدع، والأمن من مكر الله،
وكلها طوام ومهالك.
قال
ابن القيم -رحمه الله-:
وقد
تبين الفرق بين حسن الظن والغرور، وأن حسن الظن إن حمَل على العمل وحث عليه وساعده
وساق إليه: فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي: فهو غرور، وحسن
الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه جاذبًا له على الطاعة زاجرًا له عن المعصية: فهو
رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاء ورجاؤه بطالة وتفريطًا: فهو المغرور. (الجواب
الكافي) [ص: ٢٤].
وقال
الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-:
وإحسان
الظن بالله لا بدَّ معه من تجنب المعاصي وإلا كان أمنًا من مكر الله، فحسن الظن
بالله مع فعل الأسباب الجالبة للخير وترك الأسباب الجالبة للشر: هو الرجاء
المحمود.
وأما
حسن الظن بالله مع ترك الواجبات وفعل المحرمات: فهو الرجاء المذموم، وهو الأمن من
مكر الله. (المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان) [٢ / ٢٦٩].
ثانيًا:
الأصل في المسلم أن يكون دائمًا حسن الظنَّ بربه تعالى، وأكثر ما يتعيَّن على
المسلم حسن الظن بربِّه تعالى في موضعين:
الأول:
عند قيامه بالطاعات.
حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ -وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ-
قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،
وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي
نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٌ مِنْهُمْ،
وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ
تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي
أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». رواه البخاري (٧٤٠٥) ومسلم (٢٦٧٥).
فيلاحظ
في الحديث علاقة حسن الظن بالعمل أوضح ما يكون، فقد أعقبه بالترغيب بذِكره عز وجل،
والتقرب إليه بالطاعات، فمن حسُن ظنه بربه تعالى دفعه ذلك لإحسان عمله.
قال
الحسن البصري رحمه الله: "إن المؤمن أحسنَ الظنّ بربّه فأحسن العملَ، وإنّ
الفاجر أساءَ الظنّ بربّه فأساءَ العمل". رواه أحمد في (الزهد) [ص: ٤٠٢].
وقال
ابن القيم -رحمه الله-:
ومن
تأمل هذا الموضع حق التأمل علِم أن حُسن الظن بالله هو حُسن العمل نفسه؛ فإن العبد
إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أنه يجازيه على أعماله ويثيبه عليها، ويتقبلها
منه، فالذي حمله على العمل حسن الظن، فكلما حسُن ظنُّه حسُنَ عمله، وإلا فحُسن
الظن مع اتباع الهوى: عجْز.
وبالجملة:
فحُسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك: فلا
يتأتي إحسان الظن. (الجواب الكافي) [ص ١٣-١٥] مختصرًا.
وقال
أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قيل:
معناه: ظنّ الإجابة عند الدعاء، وظنّ القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند
الاستغفار، وظن قبول الأعمال عند فعلِها على شروطها؛ تمسُّكًا بصادق وعْده، وجزيل
فضلِه.
قلت:
ويؤيدهُ قولُه ﷺ:
«ادْعوا الله وأنتم موقِنون بالإجابة» رواه
الترمذي بإسناد صحيح، وكذلك ينبغي للتَّائب والمستغفر، وللعامل أن يَجتهد في
القيام بِما عليه من ذلك، موقنًا أنَّ الله تعالى يقبل عملَه، ويغفِر ذنبه؛ فإنَّ
الله تعالى قد وعد بقبول التَّوبة الصادقة، والأعمال الصالحة، فأمَّا لو عمل هذه
الأعمال وهو يعتقد أو يظنُّ أنَّ الله تعالى لا يقبلُها، وأنَّها لا تنفعُه فذلك
هو القنوط من رحْمة الله، واليأس من رَوْح الله، وهو من أعظمِ الكبائر، ومَن مات
على ذلك وصل إلى ما ظنَّ منه.
فأمَّا
ظن المغفرة والرحمة مع الإصرار على المعصية فذلك محض الجهل والغرة، وهو يجر إلى
مذهب المرجئة. (المفهم شرح مسلم) [٥/٧، ٦].
الثاني:
عند المصائب، وعند حضور الموت.
عَنْ
جَابِرٍ -رضِيَ الله عَنْه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ قَبْلَ وَفَاتِهِ
بِثَلاَثٍ يقولُ: «لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ
وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ». رواه مسلم (٢٨٧٧).
وفي
(الموسوعة الفقهية) [١٠ / ٢٢٠]:
يجب
على المؤمن أن يُحسن الظنَّ بالله تعالى، وأكثر ما يجب أن يكون إحسانًا للظن بالله
عند نزول المصائب، وعند الموت، قال الحطاب: ندب للمحتضر تحسين الظن بالله تعالى،
وتحسين الظن بالله وإن كان يتأكد عند الموت وفي المرض، إلا أنه ينبغي للمكلف أن
يكون دائمًا حسن الظن بالله. انتهى.
وينظر:
(شرح مسلم) للنووي [١٧ / ١٠].
فتبين
مما سبق أن حسن الظن بالله تعالى لا يكون معه ترك واجب ولا فعل معصية، ومن اعتقد
ذلك نافعًا له فهو لم يثبت لله تعالى ما يليق به من أسماء وصفات وأفعال على الوجه
الصحيح، وقد أوقع نفسه بذلك في مزالق الردى، وأما المؤمنون العالِمون بربهم فإنهم
أحسنوا العمل وأحسنوا الظن بربهم أنه يقبل منهم، وأحسنوا الظن بربهم عند موتهم أنه
يعفو عنهم ويرحمهم ولو كان عندهم تقصير، فيُرجى لهم تحقيق ذلك منه تعالى كما
وعدهم.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

ليست هناك تعليقات: