باب إثم من كذب على النبي صل الله عليه وسلم رقم ٢
فتح الباري لابن حجر شرح صحيح البخاري
فتح
الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ العِلْمِ بَابٌ: إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
١٠٧
- حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ
شَدَّادٍ، عَنْ عامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ
كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ،
وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
الشرح:
قوله: (حدثنا أبو الوليد) هو الطيالسي
و(جامع بن شداد) كوفي تابعي صغير وفي الإسناد لطيفتان.
إحداهما: أنه من رواية تابعي عن تابعي
يرويه عن صحابي عن صحابي.
ثانيهما: أنه من رواية الأبناء عن الآباء
بخصوص رواية الأب عن الجد وقد أفردت بالتصنيف.
قوله: (قلت للزبير) أي: ابن العوام.
قوله (تحدث) حذف مفعولها ليشمل قوله:
(كما يحدث فلان وفلان) سمي منهما في رواية ابن ماجه عبد الله بن مسعود.
قوله: (أما) بالميم المخففة وهي من حروف
التنبيه.
و(إني) بكسر الهمزة.
و(لم أفارقه) أي: لم أفارق رسول الله ﷺ،
زاد الإسماعيلي: "منذ أسلمت" والمراد في الأغلب وإلا فقد هاجر الزبير
إلى الحبشة وكذا لم يكن مع النبي ﷺ في حال هجرته إلى
المدينة وإنما أورد هذا الكلام على سبيل التوجيه للسؤال؛ لأن لازم الملازمة السماع
ولازمه عادةً التحديث، لكن منعه من ذلك ما خشيه من معنى الحديث الذي ذكره ولهذا
أتى بقوله: (لكن).
وقد أخرجه الزبير بن بكار في كتاب (النسب)
من وجه آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: عناني ذلك يعني:
قلة رواية الزبير. فسألته أي: عن ذلك فقال: يا بني كانت بيني وبينه من القرابة
والرحم ما علمت وعمته أمي وزوجته خديجة عمتي وأمه آمنة بنت وهب وجدتي هالة بنت
أهيب ابني عبد مناف بن زهرة وعندي أمك وأختها عائشة عنده ولكني سمعته يقول.
قوله: «من كذب على» كذا رواه البخاري ليس
فيه "متعمدًا" وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة وكذا في
رواية الزبير بن بكار المذكورة وأخرجه ابن ماجه من طريقه وزاد فيه: "متعمدًا"
وكذا للإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة والاختلاف فيه على شعبة وقد أخرجه الدارمي
من طريق أخرى عن عبد الله بن الزبير بلفظ: "من حدث عني كذبًا" ولم يذكر العمد.
وفي تمسك الزبير بهذا الحديث -على ما ذهب
إليه من اختيار قلة التحديث- دليل للأصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف
ما هو عليه سواء كان عمدًا أم خطأً والمخطئ وإن كان غير مأثوم بالإجماع لكن الزبير
خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر؛ لأنه وإن لم يأثم بالخطأ، لكن قد
يأثم بالإكثار إذ الإكثار مظنة الخطأ والثقة إذا حدث بالخطأ فحمل عنه وهو لا يشعر
أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله فيكون سببًا للعمل بما لم يقله الشارع
فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار فمن ثم
توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث وأما من أكثر منهم فمحمول على
أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبت أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا
فلم يمكنهم الكتمان -رضي الله عنهم.
قوله: «فليتبوأ» أي: فليتخذ لنفسه منزلًا
يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنًا وهو أمر بمعنى الخبر أيضًا، أو بمعنى
التهديد، أو بمعنى التهكم، أو دعاء على فاعل ذلك أي: بوأه الله ذلك، وقال الكرماني:
يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوء ويلزم عليه كذا
قال وأولها أولاها فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر بلفظ: "يبنى له بيت
في النار" وقال الطيبي: فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه أي: كما
أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد في جزائه التبوء.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح
الأعمال
ليست هناك تعليقات: