باب المجاهدة
بابُ المجاهدة
شرح العلامة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
باب المجاهدة
أحاديث رياض الصالحين: بابُ المجاهدة
قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: ٦٩] وَقالَ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}
[الحجر: ٩٩] وَقالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرِ اسْمَ
رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: ٨] أي: أنْقَطِعْ
إِلَيْه. وَقالَ تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] وَقالَ تَعَالَى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ
عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ} [المزمل: ٢٠] وَقالَ تَعَالَى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}
[البقرة: ٢٧٣] والآيات في الباب كثيرة معلومة.
وأمّا الأحاديث:
٩٦ - فالأَول: عن أبي هريرةَ
-رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ:
«إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: منْ عادي لي وَلِيًّا
فقدْ آذنتهُ بالْحرْب، وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا
افْتَرَضْت عليْه، وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلي بالنَّوافِل حَتَّى
أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي
يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا،
وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه» رواه
البخاري.
«آذَنتُهُ»: أعلمته بأني محارِب
لَهُ. «اسْتَعَاذَني» روي بالنون وبالباءِ.
٩٧ - الثاني: عن أَنس -رَضِّيَّ
اللهُ عَنْهُ- عن النَّبيّ ﷺ فيمَا يرْوِيهِ عنْ ربهِ عزَّ
وجَلَّ قَالَ: «إِذَا تَقَربَ الْعبْدُ إِليَّ
شِبْرًا تَقرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِراعًا، وإِذَا تقرَّب إِلَيَّ ذِرَاعًا تقرَّبْتُ
مِنهُ بَاعًا، وإِذا أَتانِي يَمْشِي أَتيْتُهُ هرْوَلَة» رواه البخاري.
٩٨ - الثالث: عن ابن عباس -رَضِّيَّ
اللهُ عَنْهُما- قال: قال رسول اللَّه ﷺ:
«نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ:
الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ» رواه البخاري.
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله،
وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات والأحاديث
الثلاثة كلها تتعلق بالمجاهدة والعناية بطاعة الله ورسوله وحفظ الوقت في جميع
الزمان حتى يلقى ربه، الواجب على المؤمن أن يحفظ وقته وأن يجاهد نفسه في طاعة الله
وأداء فرائضه وترك معاصيه وحفظ الوقت مما يضر الإنسان حتى يلقى ربه، يقول جل وعلا:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] يعني: جاهدوا أنفسهم في الله وجاهدوا أعداء الله
في الله، وجاهدوا الشياطين في الله ولهذا قال: {جَاهَدُوا
فِينَا} وحذف المفعول حتى يعم، يعني: جاهدوا أنفسهم وجاهدوا دعاة الباطل
وجاهدوا الشيطان وجاهدوا كل داعية إلى باطل لنهدينهم سبلنا. الله جل وعلا وعدهم
بأن يعينهم ويسدد خطاهم ويهديهم سبيله القويم، وقال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}
[الحجر: ٩٩] يعني: الزم الحق واستقم، وقال تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]، وقال جل وعلا: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}
[العنكبوت: ٦]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ
مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}
[المؤمنون: ٦٠-٦١]، ويقول جل وعلا: {فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}
[الزلزلة: ٧-٨] حتى مثاقيل الذر أنت تجزى عليها.
وفي الحديث الصحيح القدسي يقول الله
جل وعلا: «من عادي لي وليًا فقد آذنته بالحرب» الولي المؤمن، المؤمنون هم أولياء
الله، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ
لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ} [يونس: ٦٢-٦٣] هؤلاء هم أولياء الله والمؤمن ولي لله وحبيب
لله، قال تعالى: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ
أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: ٣٤]، فمن عاداهم فقد عادي
الله، «من عادي لي وليًا فقد آذنته بالحرب» يعني: أعلمته بالحرب أنه حرب لله.
«وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ
مما افترضته عليه» أحب شيء إلى الله أن تتقرب إليه بما فرض عليك من أداء الفرائض
وترك المحارم، هذا أحب شيء إلى الله، وبعض الناس لجهلة يجتهد في النوافل ويضيع
الفرائض هذا جهل كبير، الواجب العناية بالفرائض وترك المحارم وإذا رزق بعد هذا
خيرًا من النوافل خير إلى خير، لكن أهم شيء التقرب بالفرائض، ولهذا يقول جل وعلا: «وما
تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه» من صلاة وصوم وحج وغير ذلك، «ولا
يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه» يعني: كمال الحب، «فإذا أحببته كنت سمعه
الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها» يعني:
يسدده ويكون سمعه وبصره وتحركاته في طاعة الله يوفقه.
«ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني
لأعيذنه» هذا من ثواب الله له إذا استقام على طاعة الله وجاهد نفسه لله حفظ الله
عليه جوارحه.
ويقول ﷺ
عن الله جل وعلا: «إذا تقرب عبدي إلى شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليّ
ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة» والمعنى: أنه أسبق بالخير
لأوليائه وعباده متى سابقوا إلى الخيرات وسارعوا فالله خير منهم وأفضل وأسرع وهو
شيء يليق بالله لا يشابه خلقه فنثبت هذا لله على الوجه اللائق بالله سبحانه من غير
تحريف ولا تعطيل ولا تكييف.
ويقول ﷺ:
«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» يعني: كثير من الناس تضيع عليه
صحته وفراغه، ما يستعملهم فيما ينفعه إما في باطل وإلا في غفلة، فالجدير بالمؤمن
أن يحفظ الصحة والفراغ وأن يصرفهما فيما ينفعه وينفع المسلمين، تكون أوقاته معمورة
بالشيء الذي ينفعه أو ينفع المسلمين ولا تكون سدى. وفق الله الجميع.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم
مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا
ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: