شرح حديث/ إلا أنبئكم بأكبر الكبائر
كتاب الأمور المنهي عنها: باب بيان غلظ تحريم شهادة الزُّور
شرح العلامة الشيخ عبد
العزيز بن عبد الله بن باز
شرح
حديث/ إلا أنبئكم بأكبر الكبائر
أحاديث رياض الصالحين: كتاب الأمور المنهي عنها باب: بيان غلظ تحريم شهادة الزُّور.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠]، وقال تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦]، وقال تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨]، وقال تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: ١٤]، وَقالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّور} [الفرقان: ٧٢].
١٥٥٨ -
وعن أَبي بكْرةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «الا
أُنبِّئكُم بِأكْبَرِ الكَبائِر؟» قُلنَا: بَلَى يَا رسولَ اللَّهِ. قَالَ:
«الإشراكُ باللَّه، وعُقُوقُ الوالِديْنِ»
وكان مُتَّكِئا فَجلَس، فَقَالَ: «الاَ وقَوْلُ
الزُّورِ، وشهادةُ الزورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قلنا: لَيْتَهُ
سكَت. متفق عليه.
أحاديث رياض الصالحين: كتاب الأمور المنهي عنها باب: تحريم لَعْن إنسان بعَينه أَوْ دابة.
١٥٥٩ - عن
أَبي زيْدٍ ثابتِ بنِ الضَّحاكِ الأنصاريِّ -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ-
وَهُوَ من أهْل بيْعةِ الرِّضوانِ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ حَلَف عَلي يمِينٍ
بِملَّةٍ غيْرٍ الإسْلامِ كاذِبًا مُتَعَمِّدًا، فهُو كَما قَالَ، ومنْ قَتَل
نَفسهُ بشيءٍ، عُذِّب بِهِ يوْم القِيامةِ، وَليْس عَلَى رجُلٍ نَذْرٌ فِيما لا
يَملِكهُ، ولعنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» متفقٌ عَلَيْهِ.
١٥٦٠ - وعنْ أبي هُريْرةَ -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ- أنَّ رسُول اللَّه ﷺ قَالَ: «لاَ ينْبغِي لِصِدِّيقٍ أنْ يكُونَ لَعَّانًا» رواه
مسلم.
١٥٦١ -
وعنْ أبي الدَّردَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-
قال: قالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«لاَ يكُونُ اللَّعَّانُون شُفعَاءَ، وَلاَ شُهَدَاءَ
يوْمَ القِيامَةِ» رواه مسلم.
الشيخ:
الحمد لله، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى
آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات والحديث الشريف كلها تحذر
من شهادة الزور، فإن شرها عظيم وعواقبها وخيمة لأنه يترتب عليها ظلم الناس وإعطاء
الحقوق لغير أهلها، وذلك بلاء كبير وشر عظيم، والله أوجب على عباده الإنصاف وإيصال
الحق إلى مستحقه، وحرم عليهم الظلم في القول والعمل، وشهادة الزور من أقبح الظلم،
ومن أسباب شر كبير، ولهذا حرم الله ذلك فقال سبحانه وتعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا
قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠] فجعلها قرين الشرك {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا
قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج: ٣٠-٣١]، {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}[الفرقان: ٧٢]، فسرت الآية بمعنى:
لا يشهدون شهادة الزور، وفسرت الآية: بأنهم لا يحضرون الزور لأنه محرم، لا يحضرون
المعاصي مجالس الشر {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ
مَرُّوا كِرَامًا}[الفرقان: ٧٢]، وقال جل وعلا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:
١٨]
فليحذر المؤمن أن يتلفظ بشهادة باطلة، والله جل وعلا، قد وكل به من يحفظها عليه.
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَا
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ
كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء: ٣٦]، والله يقول جل
وعلا: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}[الفجر:
١٤]
لا يغيب عنه شيء، بل كل شيء محفوظ، كل شيء يطلع عليه ويعلمه ولا تخفى عليه خافية
جل وعلا، فالعاقل يحذر مغبة ظلمه بشهادة الزور، والله جل وعلا، أوجب العدل بين
المسلمين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى
أَنْفُسِكُمْ} [النساء: ١٣٥] بالقسط بالعدل، وقال جل وعلا في الآية
الأخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨] وقال سبحانه: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[الأنعام:
١٥٢].
وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة الثقفي -رضي
الله عنه- عن النبي ﷺ
أنه قال: الا أنبئكم بأكبر الكبائر» كررها ثلاثا قلنا: بلى يا رسول الله، قال:
«الإشراك بالله» فبدأ به لأن الشرك هو أعظم الذنوب وأخطرها على الإطلاق قال: «ثم
عقوق الوالدين ثم شهادة الزور الا أقول الزور الا وشهادة الزور فما يزال يكررها
حتى قلنا ليته سكت» إبقاء عليه لكثرة ما كرر، يعني: رفقا به وشفقة عليه لما كرر
التحذير من شهادة الزور، فشهادة الزور والأعمال الفاجرة كلها شر عظيم وفساد كبير
فيجب الحذر من ذلك.
كذلك الأحاديث في تحريم لعن المؤمن، لا يجوز
لعنه بغير حق، السب شر عظيم، ولهذا قال ﷺ: «سباب المسلم فسوق» السباب
فسوق المسابة، وقال: «لعن المؤمن كقتله»، وقال ﷺ: «إن اللعانين لا يكونون
شهداء ولا شفعاء يوم القيامة»، وقال: «لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا»، وقال: «من
دعا رجلا بكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه»، وقال ﷺ: «المستبان ما قالا، فعلى
البادئ ما لم يعتد المظلوم» فهذا اللسان شره عظيم، فالواجب الحذر، الواجب إمساكه
وصيانته حتى لا تقول إلا خيرا كما قال عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» نسأل الله للجميع التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا
بالله.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: