شرح الحديث النبوي الشريف (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) من رياض الصالحين
باب
بر الوالدين وصلة الأرحام
لفضيلة
الدكتور خالد بن عثمان السبت
شرح
الحديث النبوي الشريف (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) من رياض
الصالحين
أحاديث
رياض الصالحين: باب بر الوالدين وصلة الأرحام
عن
أبي هريرة -رضي
اللَّه عنه- أَن رسول اللَّه ﷺ قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ
ضَيْفَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيوم الآخِر، فَلْيصلْ رَحِمَهُ،
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيوْمِ الآخِرِ، فلْيقُلْ خيرًا أَوْ
لِيَصمُتْ» متفقٌ عليه.
الشرح:
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي
باب بر الوالدين وصلة الأرحام أورد المصنف -رحمه الله- حديث أبي هريرة -رضي الله
تعالى عنه- أن رسول الله ﷺ قال: «من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
سبق
الكلام على بعض ما تضمنه هذا الحديث، وقوله ﷺ:
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر» هذا حث وتحفيز، وذلك أن مثل هذا الأسلوب فيه دفع
للمكلف وتحريض على الامتثال، «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر»، وذكر الإيمان
بالله واليوم الآخر وهذا كثيرًا ما يقترن؛ لأن الإيمان بالله وباليوم الآخر يدفع
المكلف إلى العمل والمحاسبة، فهو يدرك أنه سيقف بين يدي الله -عز وجل- في يوم
يُجزى فيه على القليل والكثير، ولهذا في كثير من المواضع في القرآن وفي غير القرآن
-في الحديث- {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: ٥٩]، وما شابه
ذلك.
فـ
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» هذا يدل على وجوب إكرام الضيف وذلك
من جهتين في هذا الحديث.
الأولى:
أنه ربطه بهذا الشرط «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر».
الأمر
الثاني: أنه جاء بصيغة الأمر صريحة؛ لأن صيغة الأمر "افعل" أكرِمْ ضيفك،
أو الفعل المضارع إذا دخلت عليه لام الأمر (فليكرم ضيفه)، والأصل أن الأمر للوجوب
إلا لصارف يصرفه إلى معنى آخر، ولا شك أن إكرام الضيف من محاسن الأخلاق ومكارمها
التي جاءت بها هذه الشريعة.
«ومن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه»، وهذا هو الشاهد هنا في هذا الباب، وصلة
الرحم عرفنا أنها تكون بالمواساة بالمال إن كانوا محتاجين، أو بالتعاهد بالزيارة،
وقد يكتفى عن ذلك بالتواصل معهم بوسيلة من وسائل الاتصال، كالهاتف ونحو ذلك، فيحصل
به المقصود، وعرفنا أن الرحم دوائر، فكلما كانت الدائرة أقرب كلما كان الحق أثبت
وآكد.
قال:
«فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»، وعرفنا قبلُ
أن السكوت عن الباطل وكف الشر صدقة، والإنسان إذا كان يتكلم ويطلق لسانه في كل شيء
فإن هذا اللسان يسترسل في أمور لا يجوز له الاسترسال فيها، ويلقي كلامًا لربما كان
الكف عنه هو المتعين، ولربما يكون بهذا اللسان الذي يتكلم يحُصّل أسباب سخط الله
-عز وجل- «فإن الرجل قد يتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت
يهوي بها في النار سبعين خريفًا»، كما ثبت عن النبي ﷺ.
فالإنسان
لا يتكلم إلا بما يصلح وبما يحسن ويجمل أن يتكلم به، أو يسكت.
قال:
وعنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله تعالى
خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم» يعني: من خلقهم، «قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ
بك من القطيعة» يعني: المستعيذ المعتصم الملتجئ إليك، «قال: نعم، أما ترضين أن أصل
من وصلك وأن أقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لكِ»، ثم قال رسول الله ﷺ: اقرءوا إن شئتم {فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}
[محمد: ٢٢].
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ} يعني: يُنتظر منكم، يُتوقع منكم
{إِن تَوَلَّيْتُمْ} يحتمل معنيين: الأول وهو
تفسير بعض أهل العلم {إِن تَوَلَّيْتُمْ}
يعني: صرتم ملوكًا وولاة، صارت لكم ولاية، صرتم حكامًا تحكمون الناس، {أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}
يعني: إذا حصل لكم تسلُّطٌ أن يكون ذلك حاملًا لكم على الإفساد وقطيعة الأرحام.
والمعنى
الثاني: وهو الأقرب -والله تعالى أعلم- أن المراد: {إِن
تَوَلَّيْتُمْ} يعني: أعرضتم عن الهدى ودين الحق الذي جاء به الرسول ﷺ، فماذا يُنتظر منكم؟ الإفساد وقطيعة الرحم؛ لأن ما
جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام- حث فيه على مكارم الأخلاق، وطاعة الله وطاعة
رسول الله ﷺ، وصلة الأرحام، وكف الأذى عن
الناس، والنهي عن الظلم، وما أشبه ذلك.
قال:
اقرءوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ
أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: ٢٢-٢٣]، يعني:
الموصوفين بهذه الأوصاف، الذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ
وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}: يعني: صاروا صُمًّا عن سماع الحق، وأعمى أبصارهم
فهم لا يرون الحق.
وفي
رواية للبخاري: «فقال الله تعالى: من وصلكِ وصلتُه ومن قطعكِ قطعتُه»، ويكفي هذا
في بيان أهمية صلة الرحم، فدل ذلك على أن صلة الرحم من الأصول العظيمة التي تكون
مناطًا لنجاة العبد يوم القيامة، «من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته»، فلربما يكون
الإنسان كثير الصلاة، كثير قيام الليل، كثير صيام النهار، والذكر وقراءة القرآن،
إلا أنه قاطع للرحم، والنبي ﷺ أخبر أنه «لا
يدخل الجنة قاطع رحم»، فيحتاج الإنسان إلى إعادة نظر في حاله وعمله، وتحقيقه لهذا
المعنى، هل هو مقصر فيه، هل هو يصل رحمه.
فنسأل
الله -عز وجل- أن يهدينا وإياكم لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق والأحوال، وأن
يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصل الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: