Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح حديث / واللّه لأ صومن النّهار ولأ قومن الليل ما عشت

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في الاقتصاد
شرح العلامة محمد على بن محمد بن علان رحمه الله
شرح - حديث - واللّه - لأ صومن - النّهار - ولأ قومن - الليل - ما - عشت
شرح حديث / واللّه لأصومنّ النّهار ولأقومنّ اللّيل ما عشت

أحاديث رياض الصالحين: باب الاقتصاد في الطاعة
١٥٤ - عن أَبِي محمد عبدِ اللَّهِ بن عمرو بنِ العاص - رضي اللَّه عنهما - قال: أُخْبرَ النَّبِيُّ أنِّي أَقُول: وَاللَّهِ لأَصومَنَّ النَّهَارَ، ولأَقُومنَّ اللَّيْلَ ما عشْتُ، فَقَالَ رسُول اللَّه : «أَنْتَ الَّذِي تَقُول ذلك؟» فَقُلْت له: قَدْ قُلتُه بأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يا رسولَ اللَّه. قَالَ: «فَإِنكَ لا تَسْتَطِيعُ ذلِكَ، فَصُمْ وأَفْطرْ، ونَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحسنَةَ بعَشْرِ أَمْثَالهَا، وذلكَ مثْلُ صِيامٍ الدَّهْرِ» قُلْت: فَإِنِّي أُطيق أفْضَلَ منْ ذلكَ قالَ: «فَصمْ يَوْمًا وَأَفْطرْ يَوْمَيْنِ» قُلْت: فَإِنِّي أُطُيق أفْضَلَ مِنْ ذلكَ، قَالَ: «فَصُم يَوْمًا وَأَفْطرْ يوْمًا، فَذلكَ صِيَام دَاوود ، وَهُو أَعْدَل الصِّيَامِ».
وَفي رواية: «هوَ أَفْضَلُ الصِّيامِ» فَقُلْتُ فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلكَ، فقال رسول اللَّه : «لا أَفْضَلَ منْ ذلك» وَلأنْ أَكْونَ قَبلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيَّامِ الَّتِي قال رسولُ اللَّه أَحَبُّ إِليَّ منْ أَهْلِي ومالي.
وفي روايةٍ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصومُ النَّهَارَ وتَقُومُ اللَّيْلَ؟» قلت: بلَى يَا رسول اللَّهِ. قال: «فَلا تَفْعل: صُمْ وأَفْطرْ، ونَمْ وقُمْ فَإِنَّ لجَسَدكَ علَيْكَ حقًّا، وإِنَّ لعيْنَيْكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لزَوْجِكَ علَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لزَوْركَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإِنَّ بحَسْبكَ أَنْ تَصْومَ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنةٍ عشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِذن ذلك صِيَام الدَّهْرِ» فشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يا رسول اللَّه إِنّي أَجِدُ قُوَّةً، قال: «صُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ داوُدَ وَلا تَزدْ عَلَيْهِ» قلت: وما كَان صِيَامُ داودَ؟ قال: «نِصْفُ الدهْرِ» فَكَان عَبْدُ اللَّهِ يقول بعْد مَا كَبِر: يالَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصةَ رسول اللَّه .
وفي رواية: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تصُومُ الدَّهْرِ، وَتْقَرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَة؟» فَقُلْتُ: بَلَى يا رسولَ اللَّهِ، ولَمْ أُرِدْ بذلِكَ إِلاَّ الْخيْرَ، قَالَ: «فَصُمْ صَوْمَ نَبِيِّ اللَّهِ داودَ، فَإِنَّه كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ، واقْرأْ الْقُرْآنَ في كُلِّ شَهْرٍ» قُلْت: يَا نَبِيِّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيق أَفْضل مِنْ ذلِكَ؟ قَالَ: «فَاقْرَأه فِي كُلِّ عِشرِينَ» قُلْت: يَا نبيِّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيق أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْر» قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيق أَفْضلَ مِنْ ذلِكَ؟ قَالَ: «فَاقْرَأْه في كُلِّ سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ» فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، وقَالَ لِي النَّبِيُّ : «إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعلَّكَ يَطُول بِكَ عُمُرٌ» قالَ: فَصِرْت إِلَى الَّذِي قَالَ لِي النَّبِيُّ فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أنِّي قَبِلْت رخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ .
وفي رواية: «وَإِنَّ لوَلَدِكَ علَيْكَ حَقًّا».
وفي روايةٍ: «لا صَامَ من صَامَ الأَبَدَ» ثَلاثًا».
وفي روايةٍ: «أَحَبُّ الصَّيَامِ إِلَى اللَّه تَعَالَى صِيَامُ دَاوُدَ، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلاةُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يوْمًا ويُفْطِرُ يَوْمًا، وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى».
وفي رواية قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حسَبٍ، وكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتهُ - أي: امْرَأَة ولَدِهِ - فَيسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا، فَتَقُولُ لَهُ: نِعْمَ الرَّجْلُ مِنْ رجُل لَمْ يَطَأْ لنَا فِرَاشًا ولَمْ يُفتِّشْ لنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ فَلَمَّا طالَ ذَلِكَ عليه ذكَرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ . فقَالَ: «الْقَني به» فلَقيتُهُ بَعْدَ ذلكَ فَقَالَ: «كيفَ تَصُومُ؟» قُلْتُ كُلَّ يَوْم، قَالَ: «وَكيْفَ تَخْتِم؟» قلتُ: كُلَّ لَيلة، وذَكَر نَحْوَ مَا سَبَق وكَان يقْرَأُ عَلَى بعْض أَهْلِه السُّبُعَ الَّذِي يقْرؤهُ، يعْرضُهُ مِن النَّهَارِ لِيكُون أَخفَّ علَيِهِ بِاللَّيْل، وَإِذَا أَراد أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَر أَيَّامًا وَأَحصَى وصَام مِثْلَهُنَّ كَراهِيةَ أَن يتْرُك شيئًا فارقَ علَيهِ النَّبِي .
كُلُّ هذِه الرِّوَايات صحيِحةٌ مُعْظَمُهَا فِي الصَّحيحيْنَ وقليلٌ منْهَا في أَحَدِهِما.

الشرح
(وعن أبي محمد عبد ابن عمرو بن العاص) قال المصنف: أكثر ما يأتي في كتب الحديث والفقه بحذف الياء وهو لغة، والصحيح الفصيح إثباتها، ولا اغترار بوجوده في كتب الحديث أو أكثرها بحذفها. وفي «شرح المشكاة للقاري»: الأصح عدم ثبوت الياء إما تخفيفًا أو بناء على أنه أجوف ويدل عليه ما في «القاموس»: الأعياص من قريش أولاد أمية بن عبد شمس: العاص وأبو العاص وأبو العيص. فعليه لا يجوز كتابة العاص ولا قراءته بالياء لا وصلًا ولا وقفًا، إذ هو معتل العين خلاف ما يتوهمه بعض الناس من أنه اسم فاعل من عصى فيجوز إثباتها وحذفها وصلًا ووقفاء بناء على أنه معتل اللام (رضي الله تعالى عنهما قال: أخبر) بالبناء للمفعول (النبي إني أقول: وا  لأصومنّ النهار) أي: كل نهار قابل للصوم ليخرج يوم العيد وأيام التشريق (ولأقومنّ الليل) أي: جميعه(ما) مصدرية ظرفية (عشت) أي: مدة عيشتي: أي حياتي (فقال رسول الله) أي: لي (أنت الذي تقول ذلك؟) أي: أأنت بتقدير همزة الاستفهام التقريري والمشار إليه قوله لأصومن الخ (فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي) أي: مفدي بهما (يا رسول الله: قال: فإنك لا تستطيع ذلك).
قال الحافظ العسقلاني: يحتمل أن يريد لا تطيقه في الحالة الراهنة لما علمه من أنه يتكلف ذلك ويدخل به على نفسه المشقة ويقوته به ما هو أهم منه، ويحتمل أنه يريد لا تطيقه في المستقبل لما سيأتي أنه بعد أن كبر وعجز قال: يا ليتني قبلت رخصة النبي، فكره أن يوظف على نفسه شيئًا من العبادة ثم يعجز عنه فيتركه لما تقرّر من ذم ذلك (فصم وأفطر ونم وقم) لتقوى بالفطر والنوم على الصوم والقيام ولذا كان الأفضل صيام داود وقيامه.
الآتيان (وصم من الشهر ثلاثة أيام) هذا تفصيل لما أجمله في قوله فصم وأفطر: أي: فصيام الثلاث من الشهر كصيامه (فإن الحسنة بعشر أمثالها) هذا أقل درجات المضاعفة، وتضعيف الحسنات من خصائص هذه الأمة نبه عليه القرافي، وظاهر الحديث أن ذلك يحصل بصيام: أي: ثلاثة كانت من الشهر، وقد اختلفت الأخبار في أفضلها (وذلك) أي: صيام الثلاث من كل شهر لكون الحسنة بعشر أمثالها (مثل صيام الدهر) في أصل الثواب لا فيه مع المضاعفة المرتبة على صيامه بالفعل لئلا يلزم مساواة ثواب الأقل من الأعمال للأكثر منها مع التساوي في سائر الأوصاف، وقواعد الشرع تأباه. قال في «فتح الباري»: ومع ذلك فيصدق على فاعل ذلك أنه صام الدهر مجازًا (قلت: إني أطيق) عملًا (أفضل من ذلك) أي: أكثر ثوابًا من صوم ثلاث أيام وهو الزيادة في الصوم المرتب عليها الزيادة في الثواب لما عندي من القوى وفي مسلم عنه «إني لأقوى من ذلك» وعند مسلم «إن بي قوة» وعنده أيضًا «إني أجدني أقوى من ذلك» (قال: فصم يومًا وأفطر يومين) قال القلقشندي: وقع في بعض طرق الحديث زيادة قبل هذا وهي «فصم من كل شهر ثلاثة أيام» وهي على شرط مسلم وفي بعض طرقه عند الشيخين «أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ قلت يا رسول الله، قال خمسًا، قلت يا رسول الله قال سبعًا، قلت يا رسول الله، قال تسعًا، قلت يا رسول الله، قال أحد عشر، قلت يا رسول الله، فقال النبي: لا صوم فوق صوم داود شطر الدهر صيام يوم، إفطار يوم» فهذا يدل على أن الزيادة وقعت بالتدريج فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر (قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال: صم يومًا وأفطر يومًا، فذلك صيام داود عليه السلام وهو أعدل الصيام) لأن النفس تكتسب في يوم الفطر من القوي ما يجبر به ما لحقها من وهن الصوم فتدوم على العمل، ولفظ أعدل لمسلم (وفي رواية) للبخاري (وهو أفضل الصيام)أي: صيام التطوّع فهو أفضل من صوم الدهر كما قاله المتولي وغيره خلافًا لما أفتى به ابن عبد السلام، والسرّ في ذلك أن صوم الدهر قد يفوت به حق مفروض فيكون حرامًا، أو مندوب آكد من الصيام فيكون مكروهًا، وقد لا يفوت به شيء من ذلك فيباح لأنه قد لا يشق الاعتياد بخلاف صوم يوم وفطر يوم.
قال الشيخ زكريا في «تحفة القاري»: إن قلت إذا صادف فطره يوم الإثنين أو الخميس وكانت عادته صومهما هل يحصل له فضيلة صومهما؟ قلت: الظاهر حصولها لأن عدوله إلى صوم داود إنما كان لعذر وهو طلب الأفضلية فهي تجبر ما فات بالإفطار. (قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله: لا أفضل من ذلك) هو لعبد الله وغيره على قول المتولي لما تقدم. وعلى قول آخرين إنّ سرد الصوم أفضل منه، فهو محمول على أن المراد لا أفضل منه في حق عبد ابن عمرو لما علمه من حاله ضعفه في مآله، واستدل له بأن النبيّ لم ينه حمزة بن عمرو عن سرد الصوم ويرشده إلى صوم يوم وفطر يوم، ولو كان أفضل في حق كل الناس لأرشده إليه وبينه له، إذ التأخير للبيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وقال الحافظ ابن حجر: قوله: «لا أفضل من ذلك» ليس فيه نفي المساواة صريحًا، لكن قوله في حديث عبد ابن عمرو عند البخاري «أحبّ الصيام إلى الله صيام داود» يقتضي ثبوت الأفضلية المطلقة. ورواه الترمذي عن ابن عمرو بلفظ «أفضل الصيام صيام داود» وكذا رواه مسلم ومقتضاه أن تكون الزيادة على ذلك من الصوم مفضولة (قال عبد ا) بعد كبره ومشقة ما سأل الازدياد فيه من النبي حتى زادة حين كاد أن يعجز عنه ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه فتمنى الأخذ بالرخصة والأخف فقال (و) الله (لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام) بالنصب عطف بيان على الثلاثة أو بدل والجر فيه ضعيف نحو الثلاثة الأثواب (التي قال رسول الله) أي: أشار أولًا بها وبالاقتصار عليها إبقاء على النفس (أحب إلى من أهلي ومالي) قال في «فتح الباري»: ومع عجزه وتمنية الأخذ بالرخصة لم يترك العمل بما التزمه، بل صار يتعاطى فيه نوع تخفيف كما في رواية ابن خزيمة من طريق حصين، فكان عبد الله حين ضعف وكبر يصوم تلك الأيام كذلك يصل بعضها إلى بعض ثم يفطر بعدد تلك الأيام ليقوى بذلك، وكان يقول: لأن أكون قبلت الرخصة أحبّ إلىّ مما عدل به، لكني فارقته على أمر أكره أن
أخالفه إلى غيره. وقوله: «ولأن أكون» الخ رواه مسلم (وفي رواية) للبخاري (ألم أخبر أنك تصوم النهار) أي: كل يوم قابل للصوم فأل فيه للاستغراق (وتقوم الليل) أي: كل الليل على الدوام.
(قلت: بلى يا رسول الله) سيأتي في مسلم: ولم أرد بذلك إلى الخير (قال) تنبيهًا على طريق الرفق والسداد (لا تفعل) لما في ذلك من كمال المشقة المفضي بثقل الطاعة على النفس ونفرتها منه وربما ملتها فانقطعت عنها بخلاف الرفق فإنه يدوم به الأمر، ويحسن به الشأن (صم وأفطر ونم وقم، فإن لجسدك عليك حقا)قال المهلب: حق الجسد أن يترك فيه من القوة ما يستديم به العمل إذ إجهاد النفس في العبادة قاطع لها عن الدوام كما تقدم «ولن يشادّ الدين إلا غلبه» (وإن لعينك) هذه رواية الكشميهني بالإفراد وعند غيره لعينيك بالتثنية (عليك حقًا) وهو النوم قدر ما ينكسر به سورة السهر (وإن لزوجك عليك حقًا) حق الأهل أن يبقى في نفسه قوّة يمكن معها الجماع، فإنه حق للمرأة تطالب به عند بعض العلماء، وإذا عجز عن ذلك بالعنة وضربت المدة ولم يأتها جاز لها الفسخ (وإن لزورك) أي: ضيفك (عليك حقًا) وحقه خدمته وتأنيسه بالأكل معه، والزور الضيف والرجل يأتيه زائرًا والواحد والإنثان والثلاثة، المذكر والمؤنث فيه بلفظ واحد لأنه مصدر وضع موضع الأسماء مثل قوم صوم، ويحتمل أن يكون جمع زائر كركب وراكب (وإن بحسبك) الباء زائدة والسين ساكنة أي كافيك (أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام) وللكشميهني في كل شهر (فإذا) بتنوين الذال وهي التي يجاب بها وإن وكذا لو صريحًا أو تقديرًا وإن هنا مقدرة كأنه قيل إن صمتها فإذًا (ذلك صوم الدهر) مثل أصل ثواب صومه كما تقدم وروي بغير تنوين وهي للمفاجأة.
قال الحافظ في «فتح الباري»: وفي توجيهها هنا تكلف. قال الشيخ زكريا: والتقدير إن صمت ثلاثة أيام من كل شهر فاجأك عشر أمثالها (فشددت) على نفسي في عدم قبول هذه الرخصة (فشدد) بالبناء للمفعول (علىّ) في زيادة العمل، ثم بين ذلك بقوله: (قلت يا رسول الله إني أجد قوّة) تحتمل الزيادة على صوم الثلاثة في كل شهر (قال: صم صيام داود) عليه السلام (ولا تزد عليه) لعظم فضله (قلت: وما كان صيام داود) ما خبر كان مقدم عليها لأنه لكونه اسم استفهام له الصدارة (قال: نصف الدهر) أي: على سبيل التقريب وإلا فيوما العيد وأيام التشريق زائدة في عدد أيام الفطر على عدد أيام الصوم (فكان عبد الله يقول بعد ما كبر) بكسر الموحدة: أي: في السنّ وشقّ عليه ثقل العمل ولم يتمكن من تركه لما تقدم (يا) قوم وقيل: إن «يا» للتنبيه (قبلت رخصة النبي) بالتخفيف يصوم الثلاث.
(وفي رواية) لمسلم (ألم أخبر) بالبناء للمفعول (أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن)أي: تختم المجتمع منذ حينئذٍ (في كل ليلة، فقلت: بلى يا رسول الله) أي: أنا أفعل ذلك الذي أخبرت به، وليس المراد إثبات أنه أخبر بذلك (ولم أرد بذلك) أي: بصيامي المتتابع وقيامي (إلا الخير) أي: إما ثواب الله تعالى وإما أداء عبوديته والقيام بما يجب لربوبيته (قال) وفي نسخة قيل: «فصم صوم داود زيادة» بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، قلت: يا رسول الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فإن لزوجك عليك حقًا، ولزورك عليك حقًا ولجسدك عليك حقًا، قال: (فصم صوم داود فإنه كان أعبد الناس) أي: غير النبي؛ إذ المتكلم لا يدخل في عموم كلامه ولا يلزم من ذلك أن يكون أفضلهم بعد النبي، لأن التفضيل بأعلى المراتب وأعلى المنازل موهبة من الله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ} [آل عمران: ٧٤]، وحذف لمصنف ما أوردناه من الحديث وهو عند مسلم اكتفاء بما قدمه (واقرأ القرآن) أي: اختم متهجدًا به (في) ليالي (كل شهر، قلت: يا نبيّ الله إني أطيق أفضل من ذلك) أي: المذكور من الصوم للثلاثة الأيام والقراءة في الشهر(قال: فاقرأه في عشرين) ليلة قال: (قلت يا نبيّ الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأه في عشر) أي: من الليالي (قال قلت: يا نبيّ الله إني أطيق أفضل من ذلك) وفي نسخة: أكثر من ذلك (قال: فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك) سيأتي في كتاب الفضائل الخلاف في بيان مدة الختم للقرآن واختلاف ذلك بحسب الأحوال، وأن هذا محمول على حال من كان له بعض الاشتغال بحيث يمنعه عن الإكثار من التلاوة أو من التأمل في معانيها عند الإكثار منها (فشددت) بطلب الزيادة (فشدد علىّ) بها (وقال لي النبي) من باب الإخبار بالمغيبات مما يئول إليه حاله من العجز والضعف (إنك لا تدري لعلك يطول بك عمرك) فتعجز عن القيام بمشاق العبادات ولعل معلقة لتدري عن مفعوليه (قال) ابن عمرو (فصرت إلى الذي قال لي النبيّ) أي: من قوله: «لعلك يطول عمرك» وذلك من معجزاته (فلما كبرت) بكسر الموحدة (وددت) بكسر الدال المهملة (أني كنت قبلت رخصة) تخفيف (النبي) في كل من الصيام والقيام.
(وفي رواية) أي: لمسلم (وإن لولدك) بفتحتين مفردًا وبضم فسكون جمعًا (عليك حقًا) أن تكتسب لهم وتنفق عليهم.
(وفي رواية) لهما أنه قال له: (لا صام من صام الأبد) يحتمل أن يكون على وجه الدعاء، وقيل: إنه محمول على حقيقته أي بأن صام جميع أيام السنة ولم يفطر أيام العيد والتشريق/ وبهذا أجابت عائشة - رضي الله عنها - واختاره ابن المنذر وآخرون، لكن تعقب بأنه يدل على أنه ما أجر ولا أثم، وصائم تلك الأيام لا يقال فيه ذلك، والأظهر كما قال بعض شراح مسلم: أنه محمول على من تضرّر به، ويؤيده أن النهي لعبد ابن عمرو وقد عجز في آخر عمره كما تقدم، فنهى ابن عمرو لعلمه بحاله في مآله، ولذا أقرّ حمزة بن عمرو الأسلمي على صيام الدهر لعلمه بقدرته بلا ضرر. وقيل: إنه إخبار بأنه ما صام: أي ما وجد من مشقته ما يجدها غيره، وتعقبه الطيبي بأنه مخالف لسياق الحديث، ألا تراه كيف نهاه أولًا عن صيام الدهر ثم حثه على صيام ثلاثة أيام من كل شهر ثم حثه على صيام داود؟ والأولى أن يكون خبرًا عمن لم يتمثل أمر الشرع (قاله) أي: هذا اللفظ وكرره (ثلاثًا) تنفيرًا لابن عمرو من صوم الدهر لعلمه بمآله.
(وفي رواية) لهما أيضًا، ورواه أحمد أيضًا (أحبّ الصيام إلى الله تعالى) أي: أكثر ما يكون محبوبًا، واستعمال أحبّ بمعنى محبوب قليل، لأن الأكثر في أفعل التفضيل أن يكون من فعل الفاعل، ونسبة المحبة في الصيام والصلاة إلى الله تعالى على معنى إرادة الخير لفاعلهما أو كثرة الثواب فيهما (صيام داود وأحبّ الصلاة إلى الله صلاة داود) أي: أحبّ أوقات القيام للصلاة وقت صلاة داود لما جاء في الحديث الآخر «وأحبّ القيام قيام داود» (كان ينام نصف الليل) ليستريح
البدن من تعب أعمال النهار (ويقوم ثلثه) بضمتين: وهو الوقت الذي يتجلى فيه الربّ سبحانه ويقول: «هل من سائل هل من مستغفر» (وينام سدسه) بضمتين، ونومه ليستريح من نصب القيام وبما ذكر يعلم أن مراد البيضاوي من قوله في سورة (ص) وكان يعني داود يقوم نصف الليل بيان وقت ابتداء يقظته لامدتها؟ (وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا) ليجبر بالغذاء فيه الضعف الحاصل من الصوم قبله، وإنما كان هذا أحبّ لأنه أخذ بالرفق على النفوس التي تخشى منها السآمة التي هي سبب ترك العبادة ويحبّ أن يوالي فضله ويديم إحسانه، ولأن فيه إبقاء لقوى النفس التي تستعين بها على أداء العبادات ومجاهدة الكفار، ولذا قال (وكان لا يفرّ إذا لاقى) العدوّ في الحرب لقوة نفسه بما أبقى فيها. وزاد النسائي «وإذا وعد لم يخلف» ولم يرها الحافظ العسقلاني لغيره ومناسبتها بالمقام الإشارة إلى أن سبب النهي خشية أن يعجز عن الذي التزمه فيكون كمن وعد وأخلف.
(وفي رواية) هي للبخاري في «التفسير» «أنكحني أبي امرأة ذات حسب» بفتح المهملتين بعدهما موحدة وهو الشرف بالآباء وما يعده الإنسان من مفاخرهم. وقيل الحسب: الفعل الحسن للرجل ولآبائه (وكان يتعاهد كنته) قال القاضي عياض في «المشارق»: بفتح الكاف (أي امرأة ولده) هذا بيان للمراد بالكنة في هذا الحديث، وأما هي لغة فامرأة ابن الرجل وامرأة أخيه (فيسألها عن بعلها) بفتح الموحدة وسكون المهملة زوجها (فتقول له) شاكية في معرض الثناء والشكر (نعم الرجل) أي: هو فالمخصوص بالمدح محذوف لدلالة ما قبله عليه (من) بيانية (رجل لم يطأ لنا فراشًا) كناية عن المضاجعة والنوم معها على الفراش (ولم يفتش لنا كنفًا) أي: لم يكشف لنا سترًا عبرت لذلك عن امتناعه عن الجماع.
قال ابن النحوي: وبخط الدمياطي لم يدخل يده معها كما يدخل الرجل يده مع زوجته داخل إزارها؛ قال وأكثر ما يروى بفتح أوليه، من الكنف وهو الجانب تعني أنه لم يقربها (منذ أتيناه/ فلما طال ذلك عليه) أي: على أبيه (ذكر ذلك للنبي) يحتمل أن يكون سكوته عن ذلك أول ما ذكرته له لأنه رآها راضية بذلك، فلما كرر عليها السؤال تخوّف أن يتعلق بولده فيكون عليها حتى تذكره (فقال القني) بفتح القاف أمر من لقي (به فلقيته بعد ذلك) الأمر.
قال في «فتح الباري»: زاد النسائي وابن خزيمة وغيرهما من طريق أخرى عن مجاهد: أي: عن عبد ابن عمرو «فوقع على أبي فقال: زوجتك امرأة فعضلتها وفعلت وفعلت؛ قال: فلم ألتفت إلى ذلك لما كانت لي من القوة، فذكر للنبي فقال القني معه».
وفي رواية لأحمد من الوجه «ثم انطلق إلى النبيّ فشكاني» وعند البخاري من طريق أبي المليح عن ابن عمرو قال: «ذكر للنبي صومي، فدخل علىّ فألقيت له وسادة» وعند البخاري أيضًا عن ابن عمرو «بلغ النبي أني أسرد الصوم وأصلي الليل فإما أرسل إلىّ وإما لقيته.
قال الحافظ: ويجمع بينهما بأن تكون توجه بأبيه إلى النبي فكلمه من غير أن يستوعب ما يريد في ذلك ثم أتاه إلى بيته زيادة في التأكيد (فقال) النبي (لي كيف تصوم؟ قلت: كل يوم، قال: وكيف تختم؟ قلت: كل ليلة، وذكر نحو ما سبق، وكان)عبد الله بعد كبره (يقرأ على بعض أهله السبع) بضم أوليه (الذي يقرؤه بالليل) أي: يريد قراءته به (يعرضه) بكسر الراء (من النهار ليكون) لقرب عهده به (أخف) قراءة (عليه بـ) ـصلاة (الليل) كان (إذا أراد أن التقوّي أفطر أيامًا وأحصى) أي عدّ ما أفطر وهو خمسة عشر يومًا متوالية (وصام) أيامًا (مثلهن) في العدد (كذلك) أي: متوالية (كراهة أن يترك شيئًا فارق عليه) أي: على الالتزام بالقيام به (النبي كل هذه الروايات) في حديث ابن عمرو بن العاص (صحيحة معظمها في الصحيحين وقليل منها في أحدهما) وتقدمت الإشارة إلى البيان في ذلك.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / واللّه لأ صومن النّهار ولأ قومن الليل ما عشت Reviewed by احمد خليل on 3:14:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.