شرح حديث/ بادروا بالأعمال سبعا
باب
المبادرة إلى الخيرات
لفضيلة
الدكتور خالد بن عثمان السبت
أحاديث رياض الصالحين: باب المبادرة
إلى الخيرات.
٩٤- عن أبيَ هُريْرةٌ -رضيَ اللهُ عنه-
أنّ رسول اللهِ ﷺ قال: «بادِرُوا بالأعمالِ سَبْعاُ، هل
تنتظِرُونَ إلا فقرًا مُنسيًا، أو غنًى
مُطغِيًا، أو مرضًا مُفسِدًا، أو هِرَمًا مُفنِّدًا، أو موتًا
مُجهِزًا، أو الدَّجَّالَ فشرٌّ غائبٌ يُنتَظرُ، أو السَّاعةُ
فالسَّاعةُ أدهَى وأمرُّ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن [١].
وللألباني: الحديث في سنده ضعف كما بينته
في سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم (١٦٦٦) ولم أجد له شاهدا (٨٧).
الشرح:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، أما بعد:
فهذا هو الحديث السابع في "باب
المبادرة إلى الخيرات" وهو:
حديث: عن أبيَ هُريْرةٌ -رضيَ اللهُ عنه-
أنّ رسول اللهِ ﷺ قال:
«بادِرُوا بالأعمالِ سَبْعاُ، هل تنتظِرُونَ إلا فقرًا مُنسيًا،
أو غنًى مُطغِيًا، أو مرضًا مُفسِدًا، أو هِرَمًا
مُفنِّدًا، أو موتًا مُجهِزًا، أو الدَّجَّالَ فشرٌّ غائبٌ
يُنتَظرُ، أو السَّاعةُ فالسَّاعةُ أدهَى وأمرُّ»، يعني: بِالأعمالِ
الصّالِحةِ، بادروا، يعني: سارعوا، بادروا بِالأعمالِ سبعًا، أيٌّ: قبل أنّ
تنزُّلً بِكُمِّ فيَكونُ ذُلُّك صارفًا لكُم عنِ العملِ الصّالِحِ.
"هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا"، أيٌّ:
أنّه فقرُ شديدُ يغشاكُم بِسببِهِ الهمِّ، فيَحصُلُ مِن جِراءٍ ذلِكً أن ينسى
الإنسانُ ويَحصُلُ لهُ الذُّهول عن كثيرٍ مِمّا هوَ بِصددِهُ مِن العملِ الصّالِحِ.
"أو غنًى مُطغِيًا" وهوَ
يُقابِل الأوّلُ، وذلِك أنّ الكثيرين مِن النّاسِ إذا حصلٍ لِهُم السّعةُ وحصلً
لِهُم شيء مِن هذا العرضِ فإنّ مِن طبيعةِ الإنسانِ إلّا مِن عُصُمِ اللهِ -عزَّ
وجلَّ- أنه
يطغى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦)
أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: ٦-٧]، فالإنسانُ إمّا أن يحصُل لهُ
فقرُ يُدهِشُهُ ويُنسيهِ فيَنهمِكُ في البحثِ عن لقمةِ العيْشِ كما هوَ الحالُ في
كثيرٍ مِن أحوالِ المُسلِمين في مشارِقِ الأرضِ ومغارِبها، لا يجِد لقمةُ العيْشِ
ومِن ثمًّ فإنّه لا يتفرّغُ لِكثيرٍ مِن الأعمالِ الطّيِّبةِ والعُلومُ
النّافِعةُ، يشغلهم البحث عن قِوامِ يُقيمون بِهِ عيْشهُم.
"أو مرضًا مُفسِدًا" مرضُ
يُفسِدُ البدنُ، أوْ يفسُدُ العقلُ فلا يستطيعُ الإنسانُ أن يقوم بِوَظائِفِ
العُبوديّةِ في الغالِبِ، وإنّما يكونُ مُنشغِلا بِعِلّتِهِ وآلامهُ، ونحنُ نعرُف
حال المرضِ، ومن يقعُ لهُ المرضُ، وما يُؤدّي ذلِكً إليه، حتّى إنّه لِرُبّما
أُصابُهُ ذُهولً عنِ الصّلاةِ المكتوبةِ كما هوَ مُشاهِدٌ، يموت الرّجُلُ فيُسألُ
أبِناؤُهُ يقولون: كان في آخِرِ أيّامِهِ لا يُصلّي، تقوُّلٌ: هل هذا الإنسانُ كان
يعقِلُ؟ يقولون: نعم كان يعقِلُ لكِنّ كان مرضُهُ شديدًا فشُغِلهُ المرض عنِ
الصّلاةِ.
"أو هَرمًا مُفندًا" تقوُّلٌ: هذا
هرم مُفنّدٌ بِمعنى أنّه يخرُجُ بِصاحِبِهِ عن جادّةِ الصّوابِ، الهرم إذا صار
الإنسانُ كبيرًا في السِّنِّ فإنّه يختلِطُ ويَتغيّر عقلُهُ، فيَتحوّلُ بعدما كان
يُميِّز بيْن الحقِّ والباطِلِ والصّواب والخطأ، ويُميِّزُ ألوانُ الأُمورِ،
ويَتكلّمُ بِالكلامِ الجزل الّذي يأتي على جادّةِ الصّوابِ، يُصيِّرُ هذا الإنسانُ
يخلِطُ ويَتكلّمُ بِكلامِ خارِجٍ عن سننِ العُقلاءِ، وكلامُهُم، هذا الهرم
المُفنّدُ، فيَكونُ كلامُهُ على غيْر الصّوابِ، كلامٌ غيْرُ الأسوياءِ وغيْر
العُقلاء؛ لِأنّه مُختلِطٌ.
"أو موتًا مجهزًا" أيٌّ: موْتًا
سريعًا يقعُ بِالإنسانِ فلا يُكوِّن هُناك مُهلةٌ لِلتّوْبةِ والمُراجعة.
"أو الدَّجَّالَ فشرٌّ غائبٌ
يُنتَظرُ" وهوَ أعظمُ فِتنةِ تقعُ لِعُمومِ النّاسِ في هذِهِ الدُّنيا، ما
مِن نبيٍّ إلّا حُذِّر أُمّتُهُ الدّجّالِ [٢] فِتنةُ عظيمةٌ جِدًّا، يقتُلُ
الرّجُلُ بل يقطعهُ نِصفيْنٍ ثُمّ يأمُرُ فيَجتمِع شقّاهُ ثُمّ يقومُ يمشي،
ويَمرُّ بِالخرِبةِ فتخرُجُ كُنوزها كيَعاسيبِ النّحلِ تمشي خلفهُ، ويَمرُّ
بِالأرضِ الجدبة فإذا أُطاعُهُ أهلها أخُرِجتِ مِن ألوانِ الثِّمارِ والزُّروع
والنّباتاتِ، وتنزِلُ عليهُم الأمطارُ فتروحُ سارِحتهُم أعظِمُ ما كانت ضُروعًا
وأسُمّنّ ما كانت [٣]، وهذِهِ فِتنةُ عظيمةُ يتبعُهُ عليها كثيرٌ مِن الخلقِ.
"أو الدَّجَّالَ فشرٌّ غائبٌ
يُنتَظرُ، أو السَّاعةُ"، في النهاية "فالسَّاعةُ أدهَى
وأمرُّ" وأمرُ السّاعةِ أمرُّ سريعً كما قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ
هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: ٧٧]، أقُربٌ مِن لمحِ البصرِ، حتّى إنّ
النّبيّ ﷺ ذَكر ذلِكً بِأنّ الرّجُليْنِ
يتبايَعانِّ الثّوْب فتقومُ السّاعة في هذِهٍ الحالُ ولا تتِمُّ هذِهِ الصّفقة،
والرّجُلُ يصلُحُ حوْضُهُ فتقومُ السّاعة وما سقى مِنه، إلى غيْر ذلِك مِمّا ذكر
النّبيُّ ﷺ في صِفتِها [٤].
والمقصودُ أنّ هذا الحديثُ يدعو إلى
المُسارعةِ في العملِ الطّيِّبِ، يقولُ: فماذا تنتظِرُ؟ أنت الآن في حالِ عافيَةٍ
وصِحّةً واِقتِدارٌ.
هل تنتظِرُ فقرًا يُنسيك ويُلهيك؟ أوْ
غِنى يُطغيك؟ أوْ تنتظِر مرضًا يُقعِدُك؟ أوْ هرمًا يذهبُ معه العقلُ ويَرتفِعُ
معه التّكليف، ويَكونُ الإنسانُ كالطِّفلِ الصّغيرِ تُغلِقُ دونهُ الأبوابِ لا
يُحسِن أن يتصرّف في شيْءٍ مِن الأُمورِ؟، أوْ أنّ الإنسان ينتظِرُ الدّجّالُ، أوْ
ينتظِرُ السّاعةُ؟، ماذا ينتظِرُ الإنسانُ؟ فينبغي أن يُبادِر ويَعملُ ويَجتهِدُ
في طاعةٍ اللّهِ عزَّ وجلَّ، هذا، واللهُ أعلمُ، وصلّى اللّهُ على نبيِّنا مُحمّدٍ،
وآله وصحبهُ.
[١] رواه مسلم: كتاب الإيمان: باب الحث على
المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن، برقم (١١٨).
[٢] رواه أبو داود: كتاب الملاحم: باب خروج
الدجال، برقم (٤٣١٦)، وابن ماجه: أبواب الفتن: باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن
مريم وخروج يأجوج ومأجوج، برقم (٤٠٧٧)، وأحمد في المسند: برقم (١٤٠٩٤)، وقال
محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، وصححه الألباني في صحيح الجامع،
برقم (٥٥٧٨ -١٧٩٥)، وفي السلسلة الصحيحة، برقم (٢٤٥٧).
[٣] رواه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة:
باب ذكر الدجال وصفته وما معه، برقم. (٢٩٣٧).
[٤] رواه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة:
باب قرب الساعة، برقم.
(٢٩٥٤).
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: