شرح حديث/ عرضت علي الأمم
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
أحاديث
رياض الصالحين: باب اليقين والتوكُّل
٧٥ - عن ابْن عَبَّاسٍ
-رضي اللَّهُ عنهما- قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «عُرضَت عليَّ الأمَمُ، فَرَأيْت النَّبِيَّ وَمعَه
الرُّهيْطُ والنَّبِيَّ ومَعهُ الرَّجُل وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِيَّ وليْسَ مَعهُ
أحدٌ، إِذْ رُفِعَ لِي سوادٌ عظيمٌ فظننتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا
مُوسَى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فَإِذا سَوادٌ عَظِيمٌ فقيلَ لي انْظُرْ إِلَى
الأفُقِ الآخَرِ فَإِذَا سَوَادٌ عَظيمٌ فقيلَ لِي: هَذه أُمَّتُكَ، ومعَهُمْ
سبْعُونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَابٍ ولا عَذَابٍ»،
ثُمَّ نَهَض فَدَخَلَ منْزِلَهُ، فَخَاض النَّاسُ في أُولَئِكَ الَّذينَ يدْخُلُون
الْجنَّةَ بِغَيْرِ حسابٍ وَلا عذابٍ، فَقَالَ بعْضهُمْ: فَلَعَلَّهُمْ الَّذينَ
صَحِبُوا رسولَ اللَّه ﷺ،
وقَال بعْضهُم: فَلعَلَّهُمْ الَّذينَ وُلِدُوا في الإسْلامِ، فَلَمْ يُشْرِكُوا
باللَّه شَيئاً -وذَكَروا أشْياء- فَخرجَ عَلَيْهمْ رسولُ اللَّه ﷺ فَقَالَ: «مَا الَّذي تَخُوضونَ فِيهِ؟» فَأخْبَرُوهُ فَقَالَ:
«هُمْ الَّذِينَ لا يرقُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ،
وَلاَ يَتَطيَّرُون، وَعَلَى ربِّهمْ يتَوكَّلُونَ» فقَامَ عُكَّاشةُ بنُ
مُحْصِن فَقَالَ: ادْعُ اللَّه أنْ يجْعَلَني مِنْهُمْ، فَقَالَ: «أنْت مِنْهُمْ» ثُمَّ قَام رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ:
ادْعُ اللَّه أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ: «سَبَقَكَ
بِهَا عُكَّاشَةُ» متفقٌ عَلَيهِ.
(الرُّهَيْطُ):
بضم الراء تصغير رَهْطٍ، وهم دون عشرة أنفس.
(والأفُقُ):
الناحية والجانب.
(وعُكَاشَةُ):
بضم العين وتشديد الكاف وبتخفيفها، والتشديد أفصح.
الشيخ:
بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه
ومن اهتدى بهداه.
أما
بعد:
وفي حديث ابن عباس أن النبي ﷺ قال: عرضت علي الأمم –يعني:
يوم عرج به إلى السماء بداية الإسراء- فرأيت النبي ومعه الرهيط جاء في رواية:
الرهيط والرهط، وهم الجماعة دون العشرة فمن الثلاثة إلى العشرة يقال لهم رهط، وإذا
كانوا خمسة ستة يقال لهم: رهط ورهيط ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان يعني: ما
أسلم من أمته إلا الرهيط أو الرجل والرجلان وبعض الأنبياء ما آمن به أحد بل كذبوه
وعاندوه، بل منهم من قتله نبيه، من الأنبياء من قتله قومه كما قال تعالى: {وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل
عمران: ١١٢] في كفار بني إسرائيل.
إذ رفع لي سواد عظيم فقيل له: هذا موسى
قومه، ثم قيل له: انظر إلى الأفق فرأى سوادًا عظيمًا، ثم الأفق الآخر فرأى سوادًا
عظيمًا فقيل له: هذه أمتك ومعها سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب فهذا ودخل
منزله وخاض الناس في هؤلاء، منهم قال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا الرسول ﷺ يعني: من أول الأمر،
وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئًا وذكروا أشياء،
فخرج ﷺ
وقال: ما كنتم تخوضون فيه؟ قالوا: في كذا وكذا يعني: من هم هؤلاء السبعون؟ قال: هم
الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون يعني: هم أهل استقامة
على الحق وثبات عليه لا يسترقون لا يسألون من يرقيهم، ولا يتطيرون التطير التشاؤم
من مرئي أو مسموع حتى يرجع عن حاجته هذا التطير، والتشاؤم بالمرئيات والمسموعات
حتى يرجع عن حاجته.
وعلى ربهم يتوكلون يعني: يمضون في أمورهم
متوكلين على الله غير متشائمين ولا مكتوين ولا سائلين من يرقيهم هذا من أفضل
الأعمال، ولكن دلت السنة على أنه لا بأس أن يكتوي إذا دعت الحاجة ولا يضره ذلك،
فقد كوى النبي ﷺ
بعض أصحابه وقال ﷺ:
الشفاء في ثلاثة: كية نار، أو شرطة محجم، أو شربة عسل، وما أحب أن أكتوي؛ لأنه نوع
من التعذيب، وتركه أولى إذا تيسر دواء آخر فهو أولى، والاسترقاء هو طلب الرقية
وتركه أفضل، وإذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس؛ ولهذا أمر النبي ﷺ عائشة أن تسترقي وأمر
أم أولاد جعفر أن تسترقي لأولاد جعفر، فدل على أنه لا حرج في ذلك، ولكن تركه أفضل
ترك الاسترقاء.
أما رواية ولا يرقون فهي ضعيفة انفرد بها
مسلم وهي ضعيفة إنما الثابت لا يسترقون يعني: لا يطلبون من يرقيهم ثقة بالله
وتوكلا عليه واعتمادًا عليه واكتفاء بالأسباب الأخرى، فقام عكاشة بن محصن الأسدي
فقال: ادع الله أن يجعلني منهم! قال: أنت منهم وفي اللفظ الآخر: اللهم اجعله منهم،
ثم قام رجل آخر، فقال: يا رسول الله ادع أن يجعلني منهم! فقال: سبقك بها عكاشة أتى
بكلمة تسد الباب؛ لأنه لو أجاب هذا لقام آخر وآخر فربما قام من لا يصلح فينفضح فسد
الباب بهذه الكلمة عليه الصلاة والسلام، سبقك بها عكاشة.
هذا الحديث فيه بيان ما يجب على المؤمن
إزاء الحوادث وإزاء ربه ودينه واجب عليه الإيمان والثقة بالله والتوكل عليه وعدم
الخروج على أوامره ونواهيه، بل يتوكل عليه ويعتمد عليه آخذًا بالأسباب عالمًا بأنه
سبحانه مصرف الأمور جل وعلا كيف يشاء، فلا رب غيره ولا إله سواه، وفق الله الجميع.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: