شرح حديث/ كان اخوان على عهد النبي صل الله علية وسلم
شرح فضيلة الدكتور محمد راتب
النابلسي
باب اليقين والتوكُّل
باب اليقين والتوكُّل
أحاديث رياض الصالحين
باب اليقين والتوكُّل: الحديث رقم 85
باب اليقين والتوكُّل: الحديث رقم 85
عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي
النَّبِيَّ ﷺ
وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ (لَعَلَّكَ
تُرْزَقُ بِهِ) رواه الترمذي بإسناد صحيح على شرط مسلم
الشرح
معنى
يحترف أي يكتسب ويتسبب لرزقه، الاحتراف اتخاذ الحرفة وسيلة لكسب الرزق، والحقيقة
في اللغة كلمة "المهنة" خدمة الزوجة حصرا، إلا أن الناس يستعملون كلمة
" المهنة: بمعنى الحرفة خطأ، النبي عليه الصلاة والسلام كان في مهنة أهله، أي
كان في خدمة أهله، فالمهنة خدمة الأهل، وأما أن يتخذ الإنسان عملا يكتب منه رزقه
فهذه حرفة، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان على عهده أخوان، هذه "كان"
ليست ناقصة، ولكنها تامة، بمعنى وُجد كأن تقول: كان الله ولم يكن معه شيء، فكان
إذا جاءت بمعنى وُجد فهي فعل ماض تام، تفيد حدوث عمل في زمن معين، إلا أن كان التي
تربط تركيب الاسمية لزمن معين هذه كان الناقصة أما هذه تامة، كَانَ أَخَوَانِ
" أي وُجد أخوان على عهد النبي ﷺ،
فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ ﷺ
وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ " يبدو أنهما أخوان وشريكان في عمل، فكان الأول يمضي
وقته في دكانه، أو في مكان حرفته، والثاني يعاونه ولكن يكثر في أن يأتي النبي عليه
الصلاة والسلام، هذا الذي يكثر من المجيء عند النبي عليه الصلاة والسلام ليطلب
العلم، فكأن الأول شكا إلى النبي عليه الصلاة والسلام أنّ جهد الثاني أو جهد أخيه
لا يكافؤه، لا يساويه ولا يوازيه، فالنبي عليه الصلاة والسلام ما زاد على أن قال
للأول الذي يمضي كل وقته في دكانه، والذي هو متألِّم من أخيه الذي يأتي النبيَّ
عليه الصلاة والسلام لطلب العلم (النبي عليه الصلاة والسلام ما زاد على أن قال: لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ) هذا الحديث فيه دقة بالغة،
لأن الذي يطلب العلم، إنما يطلبه لغيره، يتعلم ليعلِّم، فنفعه يعم الأمة، لذلك
النبي بارك عمل الثاني في أنه يأتي النبيَّ عليه الصلاة والسلام ليطلب العلم،
وطمأن الأول أن الله عز وجل سوف يؤجرك لتساهلك مع أخيك، وكأنك شريكه في الأجر،
وكأن لك حصة مما يتعلم، لأنك تبذل جهدا أكبر من جهده، وهو يبذل جهدا ليتعلم ويعلِّم،
فلعلك تُرزق به، إذًا هذا الحديث من أشهر الأحاديث التي يبارك فيها النبيُّ عليه
الصلاة والسلام لطلبة العلم، لكن في الوقت نفسه دخل النبي عليه الصلاة والسلام
فرأى شابا يصلي، يبدو عليه أن دخل عليه ثانية وثالثة فرآه يصلي ويقرأ القرآن، سأله
النبي عليه الصلاة والسلام: (من ينفق عليك؟ أنت لا
تعمل)، فقال هذا المصلي العابد الأوّاب، قال: يا رسول الله أخي ينفق على،
هنا اختلف الوضع، فقال عليه الصلاة والسلام: (أخوك
أعبد منك)، فعلا شيء يحيىِّر، لماذا هنا قال: لَعَلَّكَ
تُرْزَقُ بِهِ " وفي الحالة الثانية قال: أخوك
أعبد منك " لأن العبادة إنما تكون لذات الإنسان، لكن العلم إنما يكون
لجميع الخلق، فالذي يطلب العلم من أجل أن يعلِّم، والذي يعبد من أجل أن يسعد،
والله سبحانه وتعالى ما خلقنا في الدنيا لكي نقعد ولا نعمل، العمل جزء من الدين.
من
خلال هذين الحديثين الشريفين يتضح لكم أن طالب العلم تضع له الملائكة أجنحتها رضى
بما يصنع، وأن الذي له شريك ويطلب العلم فالشريك الأول له نصيب كبير جدا من أجر
شريكه لأنه يتعلم ليعلِّم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول،
(عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ خَيْرُكُمْ مَنْ
تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رواه البخاري.
لو
فرضنا أخوين في دكان، واحد منهما ملتزم بحضور مجالس العلم، فإذا غادر الشريك الأول
الأخ الأول الدكان قبل المغرب بساعة ليصل إلى مجلس العلم، الثاني الذي يبقى في
الحانوت لا ينبغي أن يتألّم، لا ينبغي أن يضجر، يجب أن يعلم علم اليقين أنه مأجور
بتساهله مع شريكه، إذا كان طالب علم، أما لو دخل شريكه ليصلي نفلا في المسجد فإنه
لا يؤجر، لأن هذا الوقت وقت العمل، لو ذهب ليصلي الفريضة هذه لا شك فيها، ولكن لو
ذهب الشريك ليصلي وقت الضحى ثماني ركعات في المسجد تقربا إلى الله عز وجل هذا ليس
عملا صالحا، لأنه لم يبذل جهدا مكافئا لجهد شريكه في المحل، إنه يتعبّد الآن،
فالمتعبِّد قال: أخوك أعبد منك الذي يكسب الرزق أعبد منك، أما طالب العلم قال: (لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ)
هذان
الحديثان يجب أن يوضعا بين يدي كل مؤمن ليعلم أن طلب العلم لا شيء يعدله، ولا شيء
يفوقه، ولا شيء يسمو عليه، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك
بالعلم، وإذا أردتهما معا فعليك بالعلم، والحقيقة أن أيَّة مشكلة تنشأ في حياتك سببها
الجهل، كم أسرة انهارت، كم من امرأة طُلقت، كم من زوج لقي جزاء عمله بسبب جهله، لو
أنه طلب العلم لما وقع في شر عمله، لو أنه عرف حدود الله لما دفع الثمن غاليا، لو
أنه طبق الشرع الذي يجهله لما وقعت هذه المشكلة، لو أنه عرف كيف ينبغي له أن يقرض
وكيف ينبغي أن يستقرض، وكيف ينبغي له أن يبيع، وكيف ينبغي له أن يحترف، من خلال
مجالس العلم لما وقع في هذه الورطة الكبيرة، لذلك ما من مشكلة، وما من ورطة، ومن
مأساة إلا وراءها جهل مطبق، أو إلا وراءها معصية لله عز وجل، وما من معصية إلا
وراءها جهل مطبق، فلذلك طلب العلم فريضة، والذي يؤكده أن طلب العلم فرض عيني، أي
على كل مسلم تقول لي: أنا اختصاصي محاماة، طلب العلم عليك فريضة، أنا نختص بالطب،
أنا مهندس، أنا تاجر، أنا صاحب مهنة، أنا صاحب مصلحة، طلب العلم فرض على كل مسلم،
هو نفسه هذا الطلب يرفع من شأن المسلم لأن الله سبحانه وتعالى ما اتخذ وليا جاهلا،
ولو اتخذه لعلمه، ما اتخذ وليا جاهلا.
يفيد
هذا الحديث أيضا أنه من انقطع لطلب العلم والتفقه في أحكام الدين لحفظ شريعة لله
عز وجل فإن الله سبحانه وتعالى يهيئ له من يقوم بشؤونه ويكفيه حاجاته، سبحان الله
طلب العلم مطلب ثمين، ربنا عز وجل يكافئ طالب العلم بأنه ييسِّر له أعماله في
الدنيا، من طلب العلم تكفل الله برزقه، بمعنى أنه يعمل عملا قليلا ويكسب قوت يومه
من دون حرج، ومن دون ضيق، ومن دون مشكلة، لأن الله سبحانه وتعالى أول مكافأة له
هذا الكلام لكم أيها الإخوة الأكارم، أول مكافأة تكافؤون بها من قِبل الله عز وجل
أنهم لما كنتم تطلبون العلم لوجه الله عز وجل فالله سبحانه وتعالى حق عليه أن ييسر
لكم أموركم، في أعمالكم، الحديث القدسي: (ابن آدم
خلقت لك السموات والأرض ولم أعي بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، لي عليك
فريضة، ولك على رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن
لم ترض بما قسمته لك فلأسلِّطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا
ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموما " أنت تريد وأنا
أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما
تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد) "، هذا الكلام كلام النبي عليه الصلاة
والسلام، ولا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
أنا
أستمع إلى قصص كثيرة، أن إنسانا آثر الدنيا على الآخرة فخسر الدنيا والآخرة،
واللهِ وفق هذا الحديث آلاف القصص، من آثر دنياه على آخرته خسرهما معا، ومن آثر
آخرته على دنياه ربحهما معا.
فمن
خلال هذين الحديثين الشريفين الأول: لَعَلَّكَ
تُرْزَقُ بِهِ " والثاني: أخوك أعبد منك "
يتضح لكم قيمة طلب العلم، هذا الوقت لله، الإنسان حينما يؤدي زكاة ماله يجب أن
يعلم علم اليقين أنه يجب عليه أن يؤدي زكاة وقته، زكاة الوقت أن تقتطع من وقتك
الثمين وقتا تتعرف فيه إلى الله عز وجل، إلى كتابه، إلى سنة نبيه، إلى أحكام دينه،
إلى سيرة أصحاب رسول الله عليهم رضوان الله، هذا الوقت حينما تبذله رخيصا الله
سبحانه وتعالى يبارك لك في وقتك.
كان
بودّي أن تعلموا أنه يمكن أن يُستهلك وقتُك استهلاكا رخيصا لا حدود له، قطعة في
ماكينة عندك، تستهلك لك عشر ساعات، أو عشرين ساعة، أو أياما عديدة، من دون طائل،
فلذلك: احفظ الله يحفظك، ابذل وقتك في سبيل معرفة الله يبارك لك الله في وقتك.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
|
شرح حديث/ كان اخوان على عهد النبي صل الله علية وسلم
Reviewed by احمد خليل
on
2:32:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: