شرح حديث/ غزا نبي من الأنبياء
باب
الصدق
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
شرح
حديث / غزا نبي من الأنبياء
أحاديث
رياض الصالحين: باب الصدق
٥٩ -
عَنْ أبي هُريْرة -رَضِّيَّ اللهُ
عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِياءِ صلواتُ اللَّه وسلامُهُ
علَيهِمْ فَقَالَ لقوْمِهِ: لا يتْبعْني رَجُلٌ ملَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ. وَهُوَ
يُرِيدُ أَن يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِها، وَلا أَحدٌ بنَى بيُوتًا لَمْ
يرفَع سُقوفَهَا، وَلا أَحَدٌ اشْتَرى غَنَمًا أَوْ خَلَفَاتٍ وهُو يَنْتَظرُ
أوْلادَهَا. فَغزَا فَدنَا مِنَ الْقَرْيةِ صلاةَ الْعصْرِ أَوْ قَريبًا مِنْ
ذلكَ، فَقَال للشَّمس: إِنَّكِ مَأمُورةٌ وأَنا مأمُورٌ، اللهمَّ احْبسْهَا علَينا،
فَحُبستْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليْهِ، فَجَمَعَ الْغَنَائِم، فَجاءَتْ يَعْنِي
النَّارَ لتَأكُلهَا فَلَمْ تطْعمْهَا، فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا،
فليبايعنِي منْ كُلِّ قبِيلَةٍ رجُلٌ، فلِزقتْ يدُ رَجُلٍ بِيدِهِ فَقَالَ: فِيكُم
الْغُلولُ، فليبايعنِي قبيلَتُك، فلزقَتْ يدُ رجُليْنِ أو ثلاثَةٍ بِيَدِهِ
فقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَجاءوا برَأْسٍ مِثْلِ رَأْس بَقَرَةٍ مِنْ
الذَّهبِ، فوضَعها فَجَاءَت النَّارُ فَأَكَلَتها، فلمْ تَحل الْغَنَائِمُ لأحدٍ
قَبلَنَا، ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنا الغَنَائِمَ لمَّا رأَى ضَعفَنَا وعجزنَا
فأحلَّها لنَا» متفقٌ عَلَيهِ.
الخلفات:
بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام: جمع خلفة، وهي الناقة الحامل.
الشيخ:
بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه
ومن اهتدى بهداه.
أما
بعد:
فهذا
الحديث فيه الحث على الصدق وأن الصادقين يبلغهم الله مناهم وإن لم يفعلوا ما
أرادوا لأسباب منعت من ذلك، فالصادق الطالب للحق المريد له يكتب الله له أجره وإن
لم يدرك ما صدق فيه، ومن هذا قوله: لما غزا نبي من الأنبياء في الجهاد قال لقومه:
لا يتبعني رجل عقد على امرأة ولم يبن بها، لأنه إذا غزا صار قلبه معلقًا بها ما
يصدق في الغزو؛ لأنه عقد ولم يدخل بها، ولا يتبعني رجل بنى بيوتًا ولم يرفع سقفها؛
لأنه قلبه معلق بها ما يكون عنده الصدق، ولا يتبعني رجل لديه خلفات أو بقر أو غنم
ينتظر نتاجها، يعني: لا يتبعني إلا إنسان قد فرغ قلبه وبدنه للقتال والجهاد حتى
يصدق في جهاده، لا يتبعني إنسان لهم تعلقات فيما وراء ظهورهم.
غزا هذا النبي من بني إسرائيل فصادف
حصاره البلد التي غزاها آخر النهار فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم
احبسها علينا حتى نفرغ من جهادنا لهؤلاء، حبس الله عليهم الشمس حتى فتح الله عليه،
والله على كل شيء قدير، يعني: حبس الله لهم الشمس فلم تغب حتى فتح عليه، وهذا من
آيات الله ومن قدرته العظيمة جل وعلا، كما أنه في آخر الزمان يردها من المغرب تطلع
من المغرب كما طلعت من المشرق علامة من علامات الساعة، فهذا في مقصوده الحث على
الصدق والرغبة في الصدق.
ثم لما جمعت الغنائم لم تأكلها النار،
وكان من قبلنا غنائمهم إذا قبل جهادهم أكلتها النار، فلم تأكل النار غنائمهم لما
جمعوها فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعه بعض الرجال فلزقت يده
بيده، فقال: فيكم الغلول! فلتبايعني قبيلتك، فلصقت يد رجلين أو ثلاثة فقال: فيهم
الغلول فأتوا بالغلول فإذا هم قد غلوا مثل رأس الثور من الذهب، وهي قطعة كبيرة من
الذهب غلوها، فلما جاؤوا بها وطرحوها في الغنيمة جاءت النار فأكلتها علامة للقبول.
فهذا كان فيمن قبلنا علامة قبولهم في
جهادهم أن تأكل النار غنائمهم، أما هذه الأمة فأحل الله لها المغانم يقول ﷺ: «علم الله ضعفنا
وحاجتنا فأحل لنا المغانم فأحلت المغانم لهذه الأمة ولم تحل لأحد قبلهم».
وفي
الحديث الصحيح: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي
الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة» –يعني:
الشفاعة العظمى لأهل الموقف- وكان النبي يبعث لقومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة.
وفق الله الجميع.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: