Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح الحديث القدسي في قوله تعالى/ وإذا اخذ ربك من بنى ادم من ظهورهم ذريتهم

شرح أبو عبد الرحمن عصام الدين الصبابطىشرح - الحديث - القدسي - في - قوله - تعالى -/ وإذا - اخذ - ربك - من - بنى - ادم - من - ظهورهم - ذريتهم

شرح الحديث القدسي في قوله تعالى/ وإذا اخذ ربك من بنى ادم من ظهورهم ذريتهم

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا، قَالَأَلَسْت بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ». الإمام أحمد، والحاكم.

 

قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: ١٧٢-١٧٣].

 

الشرح:

قال الشنقيطي رحمه الله: في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء:

أحدهما: أن معنى أخذه ذرية بني آدم من ظهورهم: هو إيجاد قرن منهم بعد قرن، وإنشاء قوم بعد آخرين كما قال تعالى: {كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}، وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ}، ونحو ذلك من الآيات، وعلى هذا القول فمعنى قوله: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}: أن إشهادهم على أنفسهم إنما هو بما نصب لهم من الأدلة القاطعة بأنه ربهم المستحق منهم لأن يعبدوه وحده، وعليه فمعنى {قَالُوا بَلَى} أي: قالوا ذلك بلسان حالهم لظهور الأدلة عليه.

 

الوجه الآخر في معنى الآية: أن الله أخرج جميع ذرية آدم من ظهور الآباء في صورة الذر، وأشهدهم على أنفسهم بلسان المقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ثم أرسل بعد ذلك الرسل مذكرة بذلك الميثاق الذي نسيه الكل ولم يولد أحد منهم وهو ذاكر له، وإخبار الرسل به يحصل به اليقين بوجوده.

وهذا الوجه الأخير يدل له الكتاب والسنة انتهى. من (أضواء البيان) [٢/٤٢-٤٣].

 

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:

يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه انتهى. من (تفسير ابن كثير) [٣/٥٠٠].

 

وروى الإمام أحمد [٢٤٥٥]، والحاكم [٧٥] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا، قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ».

وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وأعله ابن كثير في تفسيره [٣/٥٠٢] بالوقف على ابن عباس.

 

قال الألباني:
هو كما قال رحمه الله تعالى، ولكن ذلك لا يعني أن الحديث لا يصح مرفوعا وذلك؛ لأن الموقوف في حكم المرفوع، لسببين:
الأول: أنه في تفسير القرآن، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع.
الآخر: أن له شواهد مرفوعة عن النبي عن جمع من الصحابة، وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أمامه وهشام بن حكيم أو عبد الرحمن بن قتادة السلمي - على خلاف عنهما- ومعاوية بن أبي سفيان وأبو الدرداء وأبو موسى، وهي إن كان غالبها لا تخلو أسانيدها من مقال، فإن بعضها يقوي بعضا، بل قال الشيخ صالح المقبلي في (الأبحاث المسددة): "ولا يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والروايات في ذلك"، ولاسيما وقد تلقاها أو تلقى ما اتفقت عليه من إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على أنفسهم، السلف الصالح من الصحابة والتابعين دون اختلاف بينهم، منهم عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وسلمان الفارسي ومحمد بن كعب والضحاك بن مزاحم والحسن البصري وقتادة وفاطمة بنت الحسين وأبو جعفر الباقر وغيرهم. انتهى. من (سلسلة الأحاديث الصحيحة) [٤/١٥٩].

 

ويشهد لهذا المعنى ما رواه مسلم [٢٨٠٥] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لَا تُشْرِكَ -أَحْسَبهُ قَالَ: وَلَا أُدْخِلَكَ النَّارَ- فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ».

 

وروى الفريابي في (القدر) [٥٣] بسند صحيح عن أبي بن كعب رضي الله عنه، في قول اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ...} قَالَ: جمعهم ثم جعلهم أرواحا فاستنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق، {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}.

ورواه الدولابي في (الكني) [١٢٢٢] بنفس السند، ولفظه: (جمعهم فجعلهم أرواحا ثم صورهم).

 

وقال الإمام إسحاق بن راهويه في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قال إسحاق: أجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد، فاستنطقهم وأشهدهم على أنفسهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فقال: انظروا أن لا تقولوا: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} انتهى. من (الاستذكار ([٣/١٠٧].

فعلى هذا القول المشهور المروي عن كثير من السلف: فقد جمع الله تعالى ذرية آدم في أول الخلق في صورهم -وقيل أرواحهم، وقيل أرواحهم ثم صورهم- وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى.
ولكن أحدا من بني آدم لا يتذكر هذا الميثاق.

 

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول الآخر، وأن هذا الإشهاد والإقرار: إنما هو خلقهم على الفطرة الحنيفية، قبل أن يتهودوا أو يتنصروا، أو يتحولوا إلى غيرها من الأديان.

قال رحمه الله، في تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: ١١٦].

وهذا إخبار عما فطروا عليه من الإقرار بأن الله ربهم، كما قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الْآيَة. [الأعراف: ١٧٢]؛ فإن هذه الآية بينه في إقرارهم وشهادتهم على أنفسهم بالمعرفة التي فطروا عليها: أن الله ربهم.

 

وَقَالَ : «كل مولود يولد على الْفطْرَة».

وطائفة من العلماء جعلوا هذا الإقرار لما استخرجوا من صلب آدم وأنه أنطقهم وأشهدهم، لكن هذا لم يثبت به خبر صحيح عن النبي ، والآية لا تدل عليه.

وإنما الذي جاءت به الأحاديث المعروفة أنه استخرجهم وأراهم لآدم وميز بين أهل الجنة وأهل النار منهم فعرفوا من يومئذ، هذا فيه مأثور من حديث أبي هريرة، رواه الترمذي وغيره بإسناد جيد، وهو أيضا من حديث عمر بن الخطاب الذي رواه أهل السنن ومالك في الموطأ، وهو يصلح للاعتضاد.

 

وأما إنطاقهم وإشهادهم فروى عن بعض السلف، وقد روى عن أبي وابن عباس. انتهى. من (جامع الرسائل) [١/١١-١٢]، وينظر: "درء تعارض العقل والنقل" [٨/٤٨٢] وما بعدها. والله تعالى أعلم.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

شرح الحديث القدسي في قوله تعالى/ وإذا اخذ ربك من بنى ادم من ظهورهم ذريتهم Reviewed by احمد خليل on 4:01:00 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.