باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء
فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: أَبْوَابُ
الِاسْتِسْقَاءِ، بَابُ رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإِمَامِ فِي
الِاسْتِسْقَاءِ.
١٠٢٩- قَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ:
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ،
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ
أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ البَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ
المَاشِيَةُ، هَلَكَ العِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ، يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ
أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ، قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى
مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى
الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَشِقَ المُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ.
الشرح:
قوله: (باب رفع الناس أيديهم مع
الإمام في الاستسقاء) تضمنت
هذه الترجمة الرد على من زعم أنه يكتفى بدعاء الإمام في الاستسقاء، وقد أشرنا إليه
قريبا.
قوله: (وقال أيوب بن سليمان) أي: ابن
بلال، وهو من شيوخ البخاري، إلا أنه ذكر هذه الطريق عنه بصيغة التعلق، وقد
وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق أبي
إسماعيل الترمذي عن أيوب، وقد تقدم الكلام على بقية المتن في "باب
تحويل الرداء".
قوله: (فأتى الرجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله بشق المسافر) كذا
للأكثر بفتح الموحدة وكسر المعجمة بعدها قاف، واختلف في معناه فوقع
في البخاري بشق، أي: مل، وحكى الخطابي أنه وقع فيه بشق اشتد،
أي: اشتد عليه الضرر، وقال الخطابي: بشق ليس بشيء، وإنما هو
"لثق" يعني: بلام ومثلثة بدل الموحدة والشين يقال: لثق الطريق، أي: صار
ذا وحل ولثق الثوب إذا أصابه ندى المطر. قلت: وهو رواية أبي
إسماعيل التي ذكرناها. قال الخطابي: ويحتمل أن يكون مشق
بالميم بدل الموحدة، أي: صارت الطريق زلقة، ومنه مشق الخط والميم والباء متقاربتان.
وقال ابن بطال: لم
أجد لبشق في اللغة معنى. وفي نوادر اللحياني: نشق بالنون، أي: نشب،
انتهى.
وفي النون والقاف من مجمل
اللغة لابن فارس وكذا في الصحاح: نشق الظبي في الحبالة، أي: علق فيها، ورجل
نشق إذا كان ممن يدخل في أمور لا يتخلص منها. ومقتضى كلام هؤلاء أن الذي وقع في
رواية البخاري تصحيف، وليس كذلك بل له وجه في اللغة لا كما قالوا، ففي
"المنضد" لكراع بشق بفتح الموحدة تأخر ولم يتقدم، فعلى هذا فمعنى بشق
هنا ضعف عن السفر وعجز عنه كضعف الباشق وعجزه عن الصيد؛ لأنه ينفر الصيد ولا يصيد.
وقال أبو موسى في "ذيل الغريبين" الباشق طائر معروف، فلو
اشتق منه فعل فقيل بشق لما امتنع، قال: ويقال: بشق الثوب وبشكه قطعه في خفة، فعلى
هذا يكون معنى بشق، أي: قطع به من السير، انتهى كلامه. وأما ما وقع في بعض
الروايات بثق بموحدة ومثلثة فلم أره في شيء مما اتصل بنا، وهو تصحيف، فإن البثق
الانفجار ولا معنى له هنا.
١٠٣٠- وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَشَرِيكٍ، سَمِعَا أَنَسًا،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ
حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ.
الشرح:
قوله: (وقال الأويسي) هو
عبد العزيز بن عبد الله، ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير المدني أخو إسماعيل. وهذا
التعليق ثبت هنا للمستملي وثبت لأبي الوقت وكريمة في آخر
الباب الذي بعده، وسقط للباقين رأسا؛ لأنه مذكور عند الجميع في كتاب الدعوات، وقد
وصله أبو نعيم في المستخرج كما سيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: