باب النهي عن الصلاة إِلى القبور
لفضيلة الدكتور خالد بن عثمان السبت
أحاديث رياض الصالحين: باب النهي عن
الصلاة إِلَى القبور.
١٧٦٦- عَنْ أَبي مَرْثَدٍ كَنَّازِ بْنِ
الحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ:
سمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لا تُصَلُّوا إِلى القُبُورِ، وَلا تَجْلِسُوا علَيْها»
[١] رواه مُسْلِم.
الشرح:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، أما بعد:
فهذا "باب النهي عن الصلاة إلى
القبور".
ويشمل أن يكون القبر قبلته، يصلي إلى
القبر مباشرة، سواء كان القبر مفردًا في مكان، أو كان القبر في قبلة المسجد، أو
كان القبر في المقبرة، فهذا يصلي في المقبرة، وفيه نهي عن الصلاة في المقابر، فلا
يجوز الصلاة فيها، إلا لمن كان لم يصل على الجنازة، فإنه يصلي على القبر، كما فعل
النبي ﷺ لما قال: «دُلُّونِي
علَى قَبْرِهِ -أوْ قالَ قَبْرِهَا- فأتَى قَبْرَهَا» [٢]، في المرأة
السوداء التي كانت تقم المسجد، فهذا يكون مستثنى، وإلا فالأصل: أنه لا يصلى في
المقبرة، ولا يصلى إلى القبر، والمقصود بالصلاة إلى القبر ليست صلاة الجنازة،
وإنما المقصود بذلك الصلاة المعتادة، فريضة أو نافلة، وليست صلاة الجنازة، أما
صلاة الجنازة فإنه يصلي إلى القبر أعني من لم يصل عليه.
فهنا "النهي عن الصلاة إلى
القبور" ويدخل فيه أيضًا الصلاة إلى المقبرة المسورة، بمعنى: أنه يستقبل
المقبرة، ويصلي إليها، فهذا أيضًا لا يجوز، لكن لو كان بينه وبين المقبرة بنيان،
أو كان بينه وبين المقبرة طريق سالك، فهذا لا يقال: إنه يصلى إلى القبور.
وذكر فيه حديث عَنْ أَبي مَرْثَدٍ
كَنَّازِ بْنِ الحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ:
سمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لا تُصَلُّوا إِلى القُبُورِ، وَلا تَجْلِسُوا علَيْها» رواه
مُسْلِم.
قوله: «لا
تُصَلُّوا إِلى القُبُورِ» هذا
نهي، وهو مقترن بالصلاة، وهذا يكون للبطلان، يعني: تجري عليه قاعدة: النهي يقتضي
الفساد قطعًا، وهذه القاعدة فيها تفصيل كثير، ولكن إذا جاء النهي فيها مقترنًا مع
العبادة المعينة، أو العمل المعين، فإنه يكون للفساد ولا بدّ، بصرف النظر عن الصور
الأخرى التي ترد عليها هذه القاعدة، ويختلف العلماء في تطبيقاتها، لكن هذه الصورة
تكون للفساد، فمن صلى إلى قبر، فصلاته باطلة، سواء كانت هذه الصلاة فريضة، أو كانت
صلاة نافلة، وسواء كان ذلك بقصد، يعني: قصد التوجه إلى القبر، كما يفعل بعض عباد
القبور، يصلون إلى القبور تقربًا إلى صاحب القبر، أو تقربًا إلى الله بزعمهم،
فيجعلون القبر قبلتهم، أو بينهم وبين القبلة، أو يجعلونه في قبلة المسجد، وهذا كله
لا يجوز؛ ولذلك فإن الصلاة في المساجد المبنية على القبور لا تصح، ولا تجوز؛ لأن
ذلك جميعًا قد ورد النهي عنه، وهي بلية عمت وطمت، وصارت -للأسف- في كثير من بلاد
المسلمين، حتى إنك لا تكاد تجد مسجدًا في بعض البلاد قد سلم من قبر قد بني عليه
المسجد، أو أدخل القبر في المسجد بعد بنائه، فهذا -نسأل الله العافية- من المنكرات
العظيمة، ومن أعظم دواعي الإشراك.
قوله: «وَلا
تَجْلِسُوا علَيْها» رواه
مسلم؛ ولذلك حتى الذي يصلي في مكان في قبلته قبر، وهو لا يقصد، فإنه ينبغي أن
يتحاشى القبر.
وصلّى أنس بن مالك رضي الله عنه، والقبر أمامه، فقال
عمر رضي الله عنه، "القبر القبر" فرفع رأسه يظن أنه يقول: القمر
القمر [٣].
فعلى كل حال الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يتحاشون هذا،
وينهون عنه، كما نهى عنه النبي ﷺ، «وَلا تَجْلِسُوا علَيْها» فالجلوس
على القبر من الكبائر.
وقد صح عن النبي ﷺ قوله: «لأَنْ يَجْلِسَ أحَدُكُمْ
علَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيابَهُ، فَتَخْلُصَ إلى جِلْدِهِ، خَيْرٌ له مِن أنْ
يَجْلِسَ علَى قَبْرٍ» [٤]. وذلك؛ لأن لصاحب القبر حرمة، فلا يجوز الجلوس
عليه، كما لا يجوز أيضًا الاتكاء على القبر، ولا الوقوف عليه، ولا المشي عليه، وأن
يطأه بقدمه، فهذا لا يجوز، بل أيضًا لا يجوز المشي بالنعال بين القبور، وهذا من
المنكرات التي شاعت، والإنسان لا يدري إذا ذهب إلى جنازة هو يدعو للميت، أو يشارك
في تشييع، أو في الدفن، أو ينكر على هؤلاء الجموع الذين يتخطفون بين القبور
بنعالهم، وهذا لا يجوز، والنبي ﷺ رأى رجلاً
يمشي بين القبور بالنعال، فنهاه النبي ﷺ عن
هذا، فقال: «يا صاحبَ السِّبتيَّتينِ! ألقِهِما»
[٥]، يعني: كان يلبس نعالاً من هذا الصنف؛ ولذلك إذا أراد الإنسان أن يمشي بين
القبور عليه أن يخلع نعليه، ويمشي حافيًا بلا نعال، أو يقف دون القبور، ولا يمشي
بينها، والإنسان يحتاج أن يعلم الناس، وأن ينكر عليهم، وإن كان المقام في مثل هذا
قد لا يحتمل، فالناس في جنازة، وما إلى ذلك، ولكن لا بد من تعليم الناس، والمشاهد
أنهم لا يقبلون إلا من رحم الله، ينظرون إليك، ويذهبون، ويمشون بين القبور
بالنعال، وكأنك لم تخاطبهم، أو لم يسمعوا ما قلت.
[١]
صحيح مسلم: (٩٧٢).
[٢]
أخرجه البخاري: في كتاب الصلاة، باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان
برقم (٤٥٨)، ومسلم: في كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر برقم (٩٥٦).
[٣] صحيح البخاري: (٩٣/١) بدون فرفع رأسه يظن أنه يقول: القمر
القمر.
[٤] أخرجه مسلم: في كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر
والصلاة عليه برقم (٩٧١).
[٥] أخرجه ابن ماجه: في كتاب الجنائز، باب ما جاء في خلع النعلين
في المقابر برقم (١٥٦٨) وأبو داود: في كتاب الجنائز، باب المشي في النعل بين
القبور برقم (٣٢٣٠) وحسنه الألباني.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: