باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد
كتاب
الأمور المنهي عنها: باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
باب النهي عن تعذيب العبد والدابة
والمرأة والولد
أحاديث رياض الصالحين: باب النَّهي عن
تعذيب العَبْد والدابة والمرأة والولد بغير سببٍ شرعيٍّ أَوْ زائد عَلَى قدر الأدب
١٦١١ - وَعَنْ أَبي عَليٍّ سُوَيْدِ بنِ
مُقَرِّنٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لَقَدْ رَأيْتُني سابِعَ سبْعَةٍ مِنْ
بني مُقرِّنٍ مَا لنَا خَادِمٌ إلَّا واحِدةٌ لَطمها أصْغرُنَا، فأمَرنَا رسُولُ
اللَّه ﷺ أنْ نُعْتِقَها. رواه مسلم.
وفي روايةٍ: سابِع إخْوةٍ لِي.
١٦١٢ - وعنْ أَبي مَسْعُودٍ البَدْرِيّ
-رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَال: كُنْتُ أضْرِبُ غُلامًا لِي بالسَّوطِ، فَسَمِعْتُ
صَوْتًا مِنْ خَلفي: «اعلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ»،
فَلَمْ أفْهَم الصَّوْتَ مِنَ الْغَضب، فَلَمَّا دنَا مِنِّي إِذَا هُو رسُولُ
اللَّه ﷺ، فَإذا هُو يَقُولُ: «اعلَمْ أَبَا مسْعُودٍ أنَّ اللَّه أقْدرُ علَيْكَ مِنْكَ
عَلي هَذَا الغُلامِ»، فَقُلْتُ: لا أضْربُ مملُوكًا بعْدَهُ أَبَدًا.
وَفِي روَايةٍ: فَسَقَطَ السَّوْطُ مِنْ
يدِي مِنْ هَيْبتِهِ.
وفي روايةٍ: فقُلْتُ: يَا رسُول اللَّه،
هُو حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّه تَعَالَى، فَقَال: «أمَا
لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أو لمَسَّتْكَ النَّارُ» رواه
مسلم بهذِهِ الرواياتِ.
١٦١٣- وَعنِ أبْنِ عُمر -رضي اللَّه
عنْهُمَا- أنَّ النبيَّ ﷺ قَال: «مَنْ ضَرَبَ غُلامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يأتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ،
فإنَّ كَفَّارتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ» رواه مسلم.
الشيخ:
الحمد لله، وصلَّ الله وسلَّم على رسول
الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث كالتي قبلها، فيها الحثّ
على الرفق بالمملوك، والحذر من ظلمه، وأنَّ الواجب على المُلَّاك أن يتَّقوا الله
في مماليكهم، سواء كان المماليك مكلَّفين من بني آدم، أو من الحيوان، فالواجب
الرفق، والعدل، وعدم الظلم، سواء كان المملوكُ عبدًا، أو جاريةً، أو بعيرًا، أو
بقرةً، أو شاةً، أو غير ذلك، فالواجب تقوى الله في ذلك، وأن يحرص على الملك الطيب،
والرفق، والإحسان.
وسبق أنَّ الله جل وعلا، عذَّب امرأةً في
هرة حبستها، وهي هرة لا تُمْلَك، حبستها حتى ماتت جوعًا، فدخلت فيها النار بسبب
ذلك؛ لأنها حبستها ظلمًا، فلم تتركها تأكل من خشاش الأرض، ولم تُطعمها ولم تسقها
حين حبستها، فإذا كان مَن حبس هرةً ونحوها حتى مات جوعًا يستحق النار ويُعذَّب،
فالذي يحبس ما هو خيرٌ من الهرة -من شاةٍ أو بعيرٍ أو بقرةٍ أو دجاجٍ أو حمامٍ أو
غير ذلك- أشد خطرًا، وأشد ظلمًا. وهكذا إذا كان المملوك من العبيد والجواري يكون
الجرم أشد.
فالواجب الإحسان والرفق بالمماليك، ولهذا
لما لطم أحدُ بني مقرن الجارية التي كانت تخدمهم جعل عتقَها كفَّارةً، وهكذا أبو
مسعودٍ قال: "هو حرٌّ لوجه الله" لما ضربه، لمَسَّتْك النار أو: لفحتْك
النار.
وهكذا الحديث الثالث فيمَن ضرب مملوكًا
تكون كفَّارته عتقه، هذا يدل على أن الإنسان إذا ظلم المملوك فمن كفارته العتق أو
يستسمحه: اغفر لي ما فعلت، إذا كان ظلمه بغير حقٍّ، ضربه بغير حقٍّ، أما ضرب
التأديب المناسب للولد أو الجارية أو الغلام أو الزوجة فلا بأس، فالله جل وعلا
قال: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٣٤]، وقال ﷺ في الحديث الصحيح: «مُروا
أبناءَكم بالصلاة أبناء سبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع»،
فإذا كان الشيء للتأديب الذي ليس فيه عدوان، وليس فيه خطر، إنما هو التأديب
المناسب للزوجة، للغلام، للولد، للدابة؛ فهذا لا بأس به، أما الزائد الذي يفعله
الإنسانُ تعاظُمًا وتكبُّرًا، أو قلّة مبالاةٍ؛ فهذا هو الخطر؛ نسأل الله للجميع
العافية.
١٦١٤ - وعن
هِشَام بن حكيمِ بن حزامٍ -رضي اللَّهُ عنْهُما- أنَّهُ مرَّ بالشَّامِ عَلَى
أُنَاسٍ مِنَ الأنباطِ، وقَدْ أُقِيمُوا في الشَّمْس، وصُبَّ عَلَى رُؤُوسِهِم
الزَّيْتُ، فَقَال: مَا هَذا؟ قيل: يُعَذَّبُونَ في الخَراجِ. وَفي رِوايةٍ:
حُبِسُوا في الجِزيةِ. فَقَال هِشَامٌ: أشْهَدُ لسمِعْتُ رسُول اللَّهِ ﷺ يقُولُ: «إنَّ اللَّه
يُعذِّبُ الذِينَ يُعذِّبُونَ النَّاس في الدُّنْيا»، فَدَخَل عَلَى
الأمِيرِ فحدَّثَهُ، فَأمر بِهم فخُلُّوا. رواه مسلم.
١٦١٥ - وعنِ
ابنِ عبَّاسٍ -رضي اللَّه عَنْهُما- قَال: رَأى رسُولُ اللَّه ﷺ حِمارًا مَوسُومَ الوجْهِ، فأَنْكَر ذلكَ، فَقَال:
«وَاللَّهِ لا أسِمُهُ إِلَّا أقْصى شَيءٍ مِنَ
الوَجْهِ»، وَأمرَ بِحِمَارِهِ فَكُوِيَ في جاعِرَتَيْهِ، فَهُوَ أوَّلُ
مَنْ كوى الجَاعِرتَيْنِ. رواه مسلم.
١٦١٦ - وعنِ
ابنِ عبَّاسٍ -رضي اللَّه عَنْهُما- أنَّ النبيَّ ﷺ
مَرَّ علَيهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِم في وجْهِه فقَال: «لَعَنَ
اللَّه الَّذي وسمهُ» رواه مسلم.
وفي روايةٍ
لمسلم أَيضًا: نَهي رسُولُ اللَّه ﷺ عَنِ
الضَّرْبِ في الوجهِ، وعنِ الوَسْمِ في الوجهِ.
الشيخ:
الحمد لله، وصلَّ الله وسلَّم على رسول
الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد سبقت جملةٌ من الأحاديث في بيان
تحريم ضرب الناس وإيذائهم وظلمهم بغير حقٍّ، وبيان تحريم ظلم الدواب أيضًا، وتقدم
حديث: أنَّ الله جل وعلا عذَّب امرأةً في هرةٍ حبستها حتى ماتت جوعًا، وهي هرَّة،
لا هي أطعمتها وسقتها حين حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
فالواجب على المسلم الحذر من ظلم الناس،
أو ظلم الحيوان، أو ظلم الزوجة، أو غير ذلك، أما الشيء الذي شرعه الله من التأديب
الشرعي والحدود الشرعية فلا بأس به، كذلك تأديب الحيوان إذا تعسَّر أو خالف ما
ينبغي، فإنه يُؤَدَّب بالتأديب المناسب الذي يجعله يستقيم على الطريق، من دون
تعذيبٍ لا سببَ له ولا موجبَ له، والله أباح ضرب المرأة ضربًا غير مبرح عند الحاجة
إلى ذلك، وأباح ضرب الصبيان إذا بلغوا عشرًا على الصلاة، فالتأديب الشرعي لا بأس
به، مع مراعاة الحدود الشرعية في الحدود وفي التأديب.
وهكذا في الحيوانات: البعير وغير البعير،
إذا أدَّب التأديب الذي يناسبه ويليق به لا بأس، أما ظلمه وتحميله ما لا يطيق، أو
ضربه بغير سببٍ، أو وسمه في الوجه؛ هذا لا يجوز، الوسم في الوجه والضرب في الوجه
لا يجوز، الوجه له حالة خاصة، فلا يجوز ضرب الوجه، ولا الوشم في الوجه، ولهذا جاء
في الحديث الصحيح: إذا ضرب أحدُكم فليَتَّقِ الوجه، لا في الحدود، ولا في غيرها،
ولا يُتَّخذ غرضًا كما تقدَّم –يعني: شَبَحًا- يُرْمَى وهو حيٌّ.
كل هذا لا يجوز، ولا فرق في ذلك بين
الإبل والبقر والغنم وبني آدم، لا يجوز تعذيب الحيوان إلا بحقٍّ، وهكذا المملوك
-العبد والجارية. نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: