باب النهي عن الافتخار والبغي
كتاب الأمور
المنهي عنها: باب النَّهي عن الافتخار والبغي
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
باب النهي عن الافتخار والبغي
أحاديث رياض
الصالحين: باب النَّهي عن المَنِّ بالعطية
ونحوها
قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا
صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: ٢٦٤]، وقال
تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى}
[البقرة: ٢٦٢].
١٥٩٦ - وعنْ أَبي ذَرٍّ -رَضِّيَّ اللهُ
عَنْهُ- عنِ النبيِّ ﷺ قَالَ: «ثَلاثةٌ لا يُكلِّمُهُم اللَّه يوْمَ القيامةِ، وَلا
يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلهُمْ عذابٌ اليمٌ»، قَالَ:
فَقرأها رسولُ اللَّه ﷺ ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
قَالَ أَبُو ذرٍّ: خَابُوا وخَسِروا،
مَنْ هُمْ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: «المُسْبِلُ،
والمَنَّانُ، والمُنَفِّقُ سلعتَهُ بالحَلِفِ الكَاذبِ» رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: «المُسْبِلُ إزارهُ»
يَعْني: المُسْبِلُ إزَارهُ وثَوْبَهُ أسفَلَ مِن الكَعْبَيْنِ للخُيَلاءِ.
أحاديث رياض الصالحين: باب النَّهي عن الافتخار
والبغي
قَالَ الله تَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}
[النجم: ٣٢]،
وقال تَعَالَى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ
يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: ٤٢].
١٥٩٧ - وعَنْ عِياض بْنِ حمارٍ -رَضِّيَّ
اللهُ عَنْهُ- قَال: قَال رسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّه تَعالى أوحى إليَّ أن تواضَعوا، حتى لا يبغي
أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخر أحدٌ على أحدٍ» رواه مسلم.
قال أهل اللغة: البغي: التعدي
والاستطالة.
١٥٩٨ - وعن أَبي هُريرةَ -رَضِّيَّ اللهُ
عَنْهُ- أنَّ رسُول اللَّه ﷺ قَال: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هلَكَ النَّاسُ، فهُو أهْلَكُهُمْ»
رواه مسلم.
الرواية المشهورة: «أهْلَكُهُمْ» برفع
الكاف، وروي بنصبها.
وهذا النهي لمن قال ذلك عجبا بنفسه،
وتصاغرا للناس، وارتفاعا عليهم، فهذا هو الحرام، وأما من قاله لما يرى في الناس من
نقص في أمر دينهم، وقاله تحزنا عليهم، وعلى الدين، فلا بأس به.
هكذا فسره العلماء وفصلوه، وممن قاله من
الأئمة الأعلام: مالك بن أنس، والخطابي، والحميدي وآخرون، وقد أوضحته في كتاب
الأذكار.
الشيخ:
الحمد لله، وصلَّ الله وسلَّم على رسول
الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث والآيات: الأول منها:
التَّحذير من المَنِّ في العطية والأذى، فالواجب على المؤمن إذا أعطى أو تصدَّق
إلا يَمُنَّ، ولا يُؤذِي، وأن يكون كريم الأخلاق، طيب النفس، يُعطي إخوانه
ويتصدَّق ويُحْسِن، لكن لا يمُنُّ ولا يؤذي المُعْطَى، قال جل وعلا: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ
عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ
مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ
حَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ
وَالْأَذَى} [البقرة: ٢٦٢-٢٦٤]، فالمؤمن لا يُبطل
صدقاته ومعروفه بالمن والأذى على إخوانه أو على الفقراء، بل يتصدَّق ويُحسِن، ولا
يمن، ولا يُؤذي، هكذا المؤمن، يرجو ما عند الله جل وعلا.
وهكذا يجب على المؤمن أن يحذر الفخر والخيلاء
والعُجْب والبغي على الناس، لماذا؟
أنت ابن آدم، من ترابٍ، من نطفةٍ، من ماء
مهين، يجب على المؤمن أن ينظر إلى أصله وحاله، وأنه مسكين ضعيف، خُلق من ماءٍ
مهين، يحتاج إلى قضاء الحاجة، ويحتاج إلى الطعام والشَّراب، ثم سوف يُعاد ويُجازى
بعمله، فالواجب إلا يفخر، والا يبغي، والا يظلم، بل يعتدل، ويستقيم، ويتواضع، يرجو
ما عند الله جل وعلا، والله يقول: {فَلَا تُزَكُّوا
أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: ٣٢].
فالمؤمن لا يُزَكِّي نفسه تفاخُرًا
وعُجْبًا، أو لمقاصد أخرى من المقاصد السيئة، بل يتواضع لله، ويخاف الله، ويُراقبه
أينما كان، ولهذا يقول جل وعلا: {إِنَّمَا السَّبِيلُ
عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: ٤٢]، ويقول جل
وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: ٩٠].
وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله
عنه: يقول النبيُّ ﷺ: «إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا، حتى لا يبغي أحدٌ على
أحدٍ، ولا يفخر أحدٌ على أحدٍ»، فالتواضع أمرٌ مطلوبٌ، يقول النبيُّ ﷺ: «ما زاد الله عبدًا
بعفوٍ إلا عِزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه»، وإذا تأمَّل في نفسه
وضعفه ومنشأه ومصيره أوجب له ذلك التواضع، أما إذا أعرض عن ذلك، ونظر إلى ماله، أو
وظيفته، أو جاهه؛ فقد يغرّه الشيطان: فيتكبَّر، ويبغي، فالواجب الحذر.
وفي الحديث الصحيح يقول النبيُّ ﷺ: «ثلاثةٌ لا
يُكلِّمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزُكيهم، ولهم عذابٌ اليمٌ:
المنَّان بما أعطى، والمُنَفِّق سلعته بالحلف الكاذب، والمُسْبِل إزاره»،
فالمؤمن يحذر أن يقع في هذه المشكلات.
والإسبال في الغالب يكون عن تكبُّرٍ،
ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «مَن جرَّ ثوبَه خُيلاء
لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، وقد يتساهل ويُسبل ولا يُريد التفاخر ولا
البغي ولا الكبر، ولكن يحذر.
وفي الحديث الصحيح: أنَّ الصديق رضي الله
عنه، قال: يا رسول الله، إنَّ إزاري يتفلَّتُ عليَّ إلا أن أتعاهده، قال: «لستَ ممن يفعله خُيلاء»، فالمؤمن إذا تعاهد إزاره
وتعاهد ثيابَه سلم من هذا الوعيد، لكن مَن جرَّ ثوبَه يُتَّهم بالخيلاء ويُمنع من
ذلك، مَن يُفَتِّش على قلبه؟ الصادق الذي لا يجرُّ ثوبه خيلاء، الصادق يصون ثيابه،
ويرفع ثيابه، ويصون عرضه، ولهذا لم يُقيده النبيُّ ﷺ،
قال: «المُسْبِل إزاره» وأطلق، وقال: «ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار» وأطلق،
فدلَّ على أنه يحرم الإسبال مطلقًا، ولكن مع الكبر يكون الإثمُ أعظمَ.
فالمؤلف حين قيَّد بالخُيلاء ليس على
إطلاقه، بل مع الخيلاء يكون أشدَّ إثمًا، وإلا فالرسول ﷺ
في الأحاديث الكثيرة لم يُقيد، وإنما قال للصديق: «لستَ
ممن يفعله خيلاء»، وقال في حديث عبد الله بن عمرو: «مَن جَرَّ ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»،
هذا وعيدٌ خاصٌّ: «مَن جَرَّ ثوبه خُيلاء لم ينظر
الله إليه يوم القيامة».
وهكذا مَن أسبل إزاره، أو بشته، أو
سراويله، أو قميصه، فيه الوعيد، لكن إذا كان عن خيلاء وعن قصدٍ صار الإثم أعظم -نسأل
الله العافية.
وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: «مَن قال: هلك
الناس؛ فهو أهلكهم» يعني: فهو أشدهم هلاكًا، في الرواية المختارة: أهلكُهم
بالضم، وروى بعضُهم: «فهو أهلكَهم» يعني: فهو
الذي أهلكهم، وإلا ما هلكوا، ولكن هو الذي أهلكهم بقوله، والأرجح في الرواية: «فهو أهلكُهم» يعني: أشدهم هُلْكًا؛ لأنه في الغالب
يقول ذلك عن تكبُّرٍ، وعن تعاظُمٍ، وعن عُجْبٍ بنفسه وعمله: هلك الناس، لا، لا
تقل: هلك الناس، أما: "هلك الأكثرون" ما يخالف: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}
[يوسف: ١٠٣]،
أكثر الناس على الباطل كما قاله الله جل وعلا، لكن أنت لا تقل: هلك الناس، قل: هلك
الأكثرون، كما قال الله، لا بأس، ثم احذر أن تقول هذا عُجبًا وتكبرًا، لا، أما من
باب الإخبار عن الواقع تقول: هلك أكثر الناس على الباطل، كالتعزية عند وجود
المنكرات، لكن أنت بنفسك احذر أن تتأسَّى بالأكثرين في أسباب الهلاك.
نسأل الله للجميع التوفيق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: