شرح حديث / أن تلد الأمة ربتها
شرح
حديث / أن تلد الأمة ربتها
أحاديث رياض الصالحين: باب المراقبة.
٦١ - عَنْ عُمرَ بنِ الخطابِ -رضيَ اللَّهُ عنه- قَالَ: بَيْنما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْد رسولِ اللَّه ﷺ، ذَات يَوْمٍ إِذْ طَلع عَلَيْنَا رجُلٌ شَديدُ بياضِ الثِّيابِ، شديدُ سوادِ الشَّعْر، لا يُرَى عليهِ أَثَر السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ منَّا أَحدٌ، حتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَسْنَدَ رَكْبَتَيْهِ إِلَى رُكبَتيْهِ، وَوَضع كفَّيْه عَلَى فخِذيهِ وَقالَ: «يَا محمَّدُ أَخبِرْنِي عَنِ الإسلامِ؟» فقالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «الإِسلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤتِيَ الزَّكاةَ، وتصُومَ رَمضَانَ، وتحُجَّ الْبيْتَ إِنِ استَطَعتَ إِلَيْهِ سَبيلًا». قَالَ: «صدَقتَ». فَعجِبْنا لَهُ يسْأَلُهُ ويصدِّقُهُ، قَالَ: «فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمانِ». قَالَ: «أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ وملائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ، والْيومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالْقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ». قَالَ: «صدقْتَ» قَالَ: «فأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسانِ». قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّه كَأَنَّكَ تَراهُ. فإِنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإِنَّهُ يَراكَ» قَالَ: «فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعةِ». قَالَ: «مَا المسْؤُولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِن السَّائِلِ». قَالَ: «فَأَخْبرْنِي عَنْ أَمَاراتِهَا». قَالَ: «أَنْ تلدَ الأَمَةُ ربَّتَها، وَأَنْ تَرى الحُفَاةَ الْعُراةَ الْعالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يتَطاولُون في الْبُنيانِ» ثُمَّ أنْطلَقَ، فلبثْتُ ملِيًّا، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمرُ، أَتَدرِي منِ السَّائِلُ» قلتُ: اللَّهُ ورسُولُهُ أَعْلمُ قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعلِّمُكم دِينِكُمْ» رواه مسلمٌ.
ومعْنَى:
«تلِدُ الأَمةُ ربَّتَهَا» أَيْ: سيِّدتَهَا،
ومعناهُ أَنْ تكْثُرَ السَّرارِي حتَّى تَلد الأمةُ السرِّيةُ بِنتًا لِسيدهَا،
وبْنتُ السَّيِّدِ في معنَى السَّيِّدِ، وقِيل: غيرُ ذَلِكَ وَ «الْعالَةُ»: الْفُقراءُ. وقولُهُ: «مَلِيًّا» أَيْ: زَمَنًا طَويلًا، وكانَ ذلِكَ
ثَلاثًا.
هذا
حديث عظيم جليل القدر، فيه تعليم للدّين وبيان لأركانه لمراتبه، وذكر لبعض أشراط
السّاعة.
وعن
عمر بن الخطّاب قال: بينما نحن عند رسول الله ذات يوم، إذ طلع علينا رجل: فلم
يدروا من أين جاءهم؛ شديد بياض الثّياب، شديد سواد الشّعر أي: شديد بياض ثيابه
شديد سواد شعره، لا يرى عليه أثر السّفر أي: ظهور التّعب، والغبار، وشعث الشّعر،
وتكسّر الثّياب؛ ولا يعرفه أحد منّا أي: من الحاضرين في المجلس حتّى جلس إلى
النّبيّ ﷺ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه أي: إلى
ركبتي النّبيّ ﷺ، ووضع الرّجل كفّه على فخذيه
أو على فخذي النّبيّ ﷺ.
وقال: يا محمّد أخبرني، أي: أعلمني عن الإسلام؛
فقال ﷺ: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله»
أي: لا معبود بحقّ إلّا الله؛ «وأنّ محمّدا رسول الله؛ وتقيم الصّلاة» أي: تؤدّيها
في أوقاتها، وتحافظ عليها، «وتؤتي الزّكاة» أي: تعطيها لمستحقّها، «وتصوم رمضان»
أي: في شهره، «وتحجّ البيت» أي: البيت الحرام؛ «إن استطعت إليه سبيلا» أي: إن أمكن
لك الوصول إليه بأن وجدت زادا، أو راحلة.
فقال
الرّجل للنّبيّ ﷺ: صدقت؛ فعجبنا له، أي:
للسّائل، يسأله، ويصدّقه، ومحلّ العجب أنّه يسأل ثمّ يؤكّد أنّ الإجابة صحيحة،
وهذا ممّا يستغرب ويتعجّب منه.
ثمّ
قال الرّجل: فأخبرني عن الإيمان: فقال ﷺ: «أن
تؤمن بالله» أي: تعتقد بوجوده؛ وتقوم بتوحيد الوهيّته، وتوحيد ربوبيّته، وتوحيد
أسمائه وصفاته؛ وتؤمن «بملائكته» أي: بوجودهم وهم مخلوقات من نور؛ وتؤمن «بكتبه»
أي: وتعتقد بوجود كتبه المنزلة على رسله كالقرآن، والتّوراة، والإنجيل وغيرها،
وأنّ كلّها نسخت بالقرآن، وتؤمن «برسله» أي: وتعتقد بأنّ الله عزّ وجلّ، أرسل رسلا
مبشّرين ومنذرين ومبلّغين ما أنزل الله إليهم، وتؤمن «باليوم الآخر» أي: وتعتقد
بيوم القيامة وما بعد الموت حتّى يدخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار؛
وتؤمن «بالقدر» وهو علم الله الأزليّ، المحيط بمقادير الأشياء وأحوالها؛ «خيره
وشرّه» أي: وتعتقد بأنّ الله قدّر الخير والشّرّ قبل خلق الخلائق، وأنّ جميع
الكائنات متعلّقة بقضاء الله مرتبطة بقدره؛ قال الرّجل: صدقت.
ثمّ
قال: فأخبرني عن الإحسان؛ قال ﷺ: «أن تعبد
الله» أي: توحّده، وتطيعه في أوامره، وزواجره؛ «كأنّك تراه» أي: معاملة من تراه في
الخضوع والذّلّ والصّدق في العبادة؛ «فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» أي: فإن غفلت عن
ذلك، فلا تغفل عن أنّه يراك ويراقبك.
قال
الرّجل: فأخبرني عن السّاعة، أي: عن وقت قيامها؛ فقال ﷺ:
«ما المسؤول عنها» أي: عن وقتها، «بأعلم من السّائل» حيث استأثر الله عزّ وجلّ
بعلمها؛ قال: فأخبرني عن أماراتها، أي: علاماتها؛ قال ﷺ:
«أن تلد الأمة» أي: المملوكة؛ «ربّتها» أي: مالكها ومولاها؛ قيل: هذا إشارة إلى
كثرة العقوق، بحيث يعامل الولد أمّه معاملة السيّد أمته. وقيل: هو إشارة إلى كثرة
ما يكون من سبي، فإذا ولدت الأمة لسيّدها أصبح ولدها بمنزلة السيّد لأنّه تابع
لأبيه.
والأخرى،
«أن ترى الحفاة» وهو من لا نعل له؛ «العراة» الّذي لا ثوب على جسده؛ «العالة» وهم
الفقراء؛ «رعاء الشّاء» أي: رعاة الغنم؛ «يتطاولون في البنيان» أي: يتنافسون في
ارتفاعه وكثرته؛ ثمّ انطلق الرّجل السّائل؛ فلبث عمر مليّا، أي: زمانا طويلا؛ ثمّ
قال له ﷺ: «يا عمر! أتدري» أي: أتعلم، «من
السّائل؟» فقال: الله ورسوله أعلم؛ فأجابه ﷺ: «إنّه
جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم» لأنّه السّبب في الجواب عن السّؤال وتحصيلهم العلم
الغزير.
في
الحديث: بيان أركان الإسلام الخمسة.
وفيه:
بيان أركان الإيمان السّتّة.
وفيه:
بيان بعض آداب طالب العلم من التّواضع وغيره.
وفيه:
دليل على بركة العلم، وأنّ العلم ينتفع به السّائل والمجيب.
وفيه:
أهمّيّة الإتقان في العمل والطّاعة.
وفيه:
بيان حسن أدب الصّحابة مع رسول الله ﷺ.
وفيه:
بيان أحوال نزول جبريل عليه السّلام، على النّبيّ ﷺ.
وفيه:
بيان ما كان عليه السّلف من إنكار البدع.
وفيه:
بيان بعض الفرق المخالفة لأهل السّنّة والجماعة كالقدريّة.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: